الفصل الثاني
داهية غير منتظرة
كان ذلك سنة 1897 عندما رأيت الأونباشي فارس آغا ثاني مرة. حلت بالقرية نكبة مروعة، وأمسى الناس ليصبحوا وقد قضى أحد عشر نفرا منهم، وصاروا من سكان ديار البلى. وإليك الخبر.
كان الصيف يحتضر، وطرف أيلول بالشتاء مبلول - كما يقول المثل اللبناني - عندما رأيت المعاز إلياس الزغير، وعلى ظهره سل، وسرواله مدبج ببقع حمراء، يقف عند باب كل بيت مناديا على اللحم. وأقبل الناس على لحمه لسببين: السعر الرخيص، والشهوة لبعد العهد به، فقلما كانوا يأكلون اللحم في الصيف. خبرني جدي أنهم كانوا يودعون اللحم في المرفع
1
وداعا لا لقاء بعده قبل تشرين الأول، وكثيرا ما كانوا يجعلون جرن الكبة قاعدة يركزون فيها عمود الخيمة.
كان للضيعة مرفعان: مرفع شتوي في شباط، ومرفع يودعون به الصيف ويستقبلون الخريف. يقددون اللحم ويودعونه البراني والقطارميز؛ وهكذا يمسي لكل بيت ملحمة شتوية. ولكن الناس أقبلوا على لحم إلياس «مجابرة»، فكان يخرج من بيوت الجميع مجبور الخاطر، فنفق لحمه، إلا لدى جناب الوالد الذي لم يكن عند ظن إلياس به، فقابله بوجه حامض ولم يشتر منه درهما واحدا؛ ولذلك سبب أبوح به لك على شرط أن يبقى بيني وبينك.
كان والدي ووالدتي فرسي رهان في المشاكسة.
2
كانت المرحومة كمعاوية والمسلمين، إن شدوا أرخى وإن أرخوا شد، فما تنقطع الشعرة. أما الوالد فكان يقطع حبال المراكب ولا يبالي ... وكثيرا ما كان يحرد عن الطعام، فينغص عيشنا وعيش تلك المستورة.
अज्ञात पृष्ठ