फरसा वा दबाबा
الفراشة والدبابة وقصص أخرى: مختارات قصصية من الأعمال القصصية الكاملة لإرنست
शैलियों
وأحيانا يكون الغدير يمر في وسط مرج فسيح، وفي حشائشه الجافة كنت أمسك بالجراد وأستخدمه طعما؛ وأحيانا أمسك بالجرادة وألقي بها في الغدير وأراقبها تطفو سابحة فوق الماء وتدور على سطحه حيث يقذفها التيار ثم تختفي حين تظهر سمكة طاروط فتبتلعها. وأحيانا كنت أصطاد في أربع أو خمس غدران مختلفة في الليلة الواحدة، بادئا من أقرب نقطة أستطيع تخيلها من منابعها ثم أصطاد على طول الغدير. وحين أنتهي بسرعة أكثر من اللازم ولا يمر الوقت في الليل، أكرر الصيد في الغدير نفسه مرة أخرى، بادئا من المصب في البحيرة وأصطاد عائدا إلى المنبع ، محاولا صيد كل الطاروط الذي لم أستطع صيده في المرة الأولى. وفي بعض الليالي كنت أخترع الغدران في خيالي، وكان بعضها شائقا جدا، وكان الأمر مثلما يكون المرء صاحيا ويحلم في نفس الوقت. وما زلت أذكر بعض تلك الغدران وأعتقد أنني اصطدت فيها، وأنها اختلطت بغدران حقيقية اصطدت فيها في الواقع. وخلعت عليها جميعا أسماء، وذهبت إليها بالقطار وأحيانا مشيت أميالا طوالا كيما أصل إليها.
ولكن في بعض الليالي لم أكن أستطيع الصيد، وفي تلك الليالي أبقى مستيقظا أتلو صلواتي مرارا وتكرارا، وأحاول أن أصلي من أجل كل الناس الذين عرفتهم وكان ذلك يستغرق وقتا طويلا، فإنك حين تحاول أن تتذكر كل الناس الذين عرفتهم، وتعود إلى أولئك الأشخاص الذين يمكنك أن تتذكرهم حسب المكان الذي كانوا فيه - والذي كان في حالتي غرفة السطوح في البيت الذي ولدت فيه - وكعكة زفاف والدي ووالدتي في صندوق من الصفيح معلق في عارض خشبي، وبرطمانات بها ثعابين وعينات أخرى من الحيوانات التي جمعها والدي حين كان صبيا وحفظها في الكحول، وترسب الكحول في البرطمانات حتى إن أظهر بعض الثعابين والحيوانات الأخرى أصبحت ظاهرة واستحالت إلى اللون الأبيض. ولو عدت بذاكرتك إلى تلك الأيام القصية لتذكرت عددا كبيرا من الناس، وإذا أنت صليت من أجلهم جميعا، فتتلوا: «السلام عليك يا ماري» و«أبانا الذي في السماوات» لكل واحد منهم فإن ذلك يستغرق وقتا طويلا، فيبزغ ضوء النهار في النهاية، وعندها تستطيع أن تنام، لو أنك كنت في مكان تستطيع النوم فيه في ضوء النهار.
وفي تلك الليالي، حاولت أن أتذكر كل شيء حدث لي، فأبدأ من قبل أن أذهب إلى الحرب وأعود بذاكرتي من شيء لآخر. ووجدت أنه ليس بوسعي أن أتذكر أبعد من غرفة السطوح تلك في منزل جدي. وعندما أبدأ من هناك وأسترسل مع ذكرياتي إلى أن أصل إلى الحرب.
وأتذكر أنه بعد وفاة جدي أننا انتقلنا من ذلك المنزل إلى منزل جديد صممته وابتنته والدتي. وحرقنا كثيرا من الأشياء التي لم نستطع نقلها في الفناء الخلفي، وأتذكر تلك البرطمانات التي في حجرة السطوح وهي تلقى في النيران، وكيف أنها أحدثت فرقعة من حرارة النار وتوهجت النيران من جراء الكحول الذي كان فيها، أتذكر الثعابين وهي تحترق في الفناء الخلفي. ولكن لم يكن هناك أناس في تلك الذكريات وإنما أشياء فحسب، ولم أستطع حتى أن أتذكر من هو الذي قام بحرق الأشياء، وأستمر في ذلك حتى أصل إلى الأشخاص فأتوقف وأصلي من أجلهم.
وأتذكر عن المنزل الجديد كيف أن والدتي كانت تنظف الأشياء على الدوام وترتبها. ومرة حين كان والدي غائبا في رحلة صيد قامت بعملية تنظيف شاملة في البدروم وأحرقت كل شيء لم يكن له لزوم هناك. وحين عاد والدي وهبط من مركبته الصغيرة وربط الحصان كانت النيران ما زالت مشتعلة في الطريق المجاور للمنزل. وخرجت لمقابلته. وناولني بندقيته ونظر إلى النار وتساءل: ما هذا؟
وقالت والدتي من الشرفة: إنني كنت أنظف البدروم يا عزيزي. كانت واقفة هناك لملاقاته وهي تبتسم. وتطلع والدي إلى النيران وركل شيئا بقدمه. ثم انحنى والتقط شيئا من وسط الرماد. قال لي: أحضر جاروفا يا نك. وذهبت إلى البدروم وأحضرت جاروفا، ونبش والدي الرماد بعناية كبيرة. وأخرج من بين الرماد بلطات حجرية وسكاكين سلخ من الحجر وأدوات لصنع رءوس السهام، والكثير من رءوس السهام. كانت كلها مسودة متكسرة بفعل النيران. وأخرجها والدي كلها بالجاروف بعناية شديدة وبسطها على الحشائش بجوار الطريق. وكانت بندقيته في جرابها الجلدي، وحقيبتا صيده على الحشائش حيث تركها حين هبط من مركبته.
قال: خذ البندقية والحقيبتين إلى المنزل يا نك، وأحضر لي صحيفة. وكانت والدتي قد دلفت إلى داخل المنزل. وتناولت البندقية وكانت ثقيلة الحمل تضرب في ساقي وحقيبتي الصيد، واتجهت بها إلى المنزل. قال والدي: خذ كل واحدة على حدة. لا تحاول أن تحمل الكثير مرة واحدة. فوضعت حقيبتي الصيد وأخذت البندقية إلى المنزل وأحضرت صحيفة من كوم الصحف المتراكمة في مكتب والدي. وفرد والدي كل القطع الحجرية المسودة المكسورة على الصحيفة ثم لفهم فيها. قال: لقد تهشمت أفضل رءوس السهام. ودلف إلى المنزل بحمولته بينما مكثت أنا بالخارج على الحشائش مع حقيبتي الصيد. وبعد برهة حملتهما إلى داخل المنزل. وحين أتذكر ذلك، لم يكن هناك سوى شخصين، ولهذا فإني أصلي من أجلهما.
ومع ذلك فهناك بعض الليالي التي لا أتمكن فيها حتى أن أتذكر صلواتي. كان بوسعي أن أصل فقط إلى جملة «كما في السماء كذلك على الأرض»، ثم يتعين علي أن أعود ثانية من البداية، ولكني لا أتمكن مطلقا من تجاوز تلك العبارة. وعند ذاك أضطر إلى الاعتراف بأنني لا أتذكر وأترك صلواتي تلك الليلة وأحاول شيئا آخر. وهكذا، في بعض الليالي أحاول أن أتذكر جميع الحيوانات الموجودة في العالم بأسمائها ثم الطيور ثم الأسماك ثم البلاد والمدن ثم أنواع الطعام وأسماء جميع الطرق التي يمكن أن أتذكرها في شيكاغو، وحين لا أستطيع أن أتذكر أي شيء على الإطلاق بعد ذلك أعمد إلى الإصغاء. ولا أتذكر أي ليلة لم يكن بوسعي أن أسمع أشياء فيها. ولو كنت أستطيع الحصول على ضوء لما كنت أخاف أن أنام، لأنني أعرف أن روحي لن تخرج مني إلا في حالة الظلام. ولذلك كان من الطبيعي أن أكون في كثير من الليالي في مكان أستطيع فيه الحصول على ضوء، وعندها أنام؛ لأنني أكون دائما تقريبا متعبا، وكثيرا ما أكون نعسانا للغاية. وإنني متأكد أيضا أنني قد نمت مرات كثيرة دون أن أشعر، ولكني لم أنم مطلقا مع علمي بأنني سوف أنام. وفي تلك الليلة كنت أستمع إلى صوت دود القز. كان بوسعك سماع دود القز وهو يأكل بكل وضوح في الليل، وأنا أرقد وعيناي مفتوحتان أستمع له.
وكان هناك شخص واحد آخر معي في الحجرة وكان مستيقظا كذلك. واستمعت إليه وهو مستيقظ لمدة طويلة. لم يكن باستطاعته أن يرقد ساكنا في هدوء كما أفعل أنا؛ لأنه ربما لم يتعود مثلي على أن يكون مستيقظا. كنا راقدين على بطانيات مفروشة فوق أكوام من القش، وحين يتحرك كان القش يصدر صوتا، بيد أن دود القز لم يكن يفزع من أي ضوضاء تصدر عنا واستمر يأكل بانتظام. كانت هناك أيضا ضوضاء الليل على مبعدة سبعة كيلومترات وراء خطوط القتال في الخارج، ولكنها كانت مختلفة عن الضوضاء الخفيفة داخل الحجرة في الظلام. كان الرجل الآخر في الحجرة يحاول الرقاد في هدوء. ثم تحرك ثانية. وتحركت أنا أيضا حتى يعلم أنني مستيقظ. كان قد عاش عشر سنوات في شيكاغو. وقد تم تجنيده عام 1914م حين عاد إلى إيطاليا لزيارة أسرته، وخصصوه كي يكون جندي مراسلة لي لأنه يتحدث الإنجليزية. وسمعته ينصت، ولذلك تحركت ثانية وسط بطاطيني.
سألني: ألا تستطيع النوم يا سيدي الملازم؟ - كلا. - ولا أنا أيضا. - ما الأمر؟ - لا أعرف. لا أستطيع النوم. - أتشعر أنك على ما يرام؟ - بالتأكيد. إني على ما يرام. فقط لا أستطيع النوم.
अज्ञात पृष्ठ