फरसा वा दबाबा
الفراشة والدبابة وقصص أخرى: مختارات قصصية من الأعمال القصصية الكاملة لإرنست
शैलियों
وشربا معا بينما الظلمة تتكاثف. وقبل أن ينسدل الظلام ولا يعود هناك ما يكفي من الضوء للصيد، عبر ضبع الخلاء أمامهما في طريقه للدوران حول التل.
قال الرجل: هذا اللعين يمر من هنا كل ليلة. كل ليلة طوال أسبوعين. - إنه ذلك الذي يصيح في الليل. لا يهمني ذلك. رغم أنه حيوان قذر.
وكان باستطاعته، إذ هما يشربان معا وليس ثمة من ألم سوى عناء الاضطجاع في وضع واحد، وإذ الصبية يوقدون نارا تتقافز ظلالها على المخيمات، أن يشعر بعودة التوافق إلى هذه الحياة المتمثلة في الاستسلام اللذيذ. إنها طيبة جدا معه. وكان هو قاسيا وظالما تجاهها هذا الأصيل. إنها امرأة ممتازة. رائعة حقا. وعندئذ خطر له أنه سوف يموت.
جاءه هذا الخاطر مندفعا، ليس كاندفاع المياه أو الرياح، بل على صورة فراغ فجائي يعبق بالشر، والشيء الغريب أن الضبع كان يواكب حافة ذلك الخاطر.
سألته: ما الأمر يا «هاري»؟
قال: لا شيء. يحسن بك أن تتحولي إلى الجانب الآخر. ناحية الريح. - هل بدل الغلام أغطية الفراش؟ - أجل. إنني أستخدم حامض البوريك الآن. - وكيف تشعر؟ - مهزوز شيئا ما.
قالت: سوف أذهب الآن لأستحم. وبعد ذلك سآكل معك ثم ندخل محفتك إلى الخيمة.
قال لنفسه إنهما أحسنا صنعا بالكف عن الشجار. إنه لم يتشاجر أبدا لمدة طويلة مع هذه المرأة، بينما كان يتشاجر مع النساء اللائي أحبهن حبا صادقا، شجارات طويلة لدرجة مات معها كل شيء جميل بينه وبينهن . لقد أحب أكثر من اللازم، وطلب أكثر من اللازم، وضيع كل شيء.
وفكر في ذلك الوقت عندما كان وحيدا في مدينة القسطنطينية، بعد أن تشاجر في باريس ورحل . وتردد أولا على العاهرات، وحين انتهى من ذلك ولم ينجح في قتل شعوره بالوحدة بل زادها سوءا، كتب إليها، الأولى التي هجرته، خطابا يخبرها فيه كيف أنه لم ينجح أبدا في قتل حبها في قلبه ... وكيف أنه ظن ذات مرة أنه يراها خارج فندق «الريجنس» فكاد أن يغمى عليه وشعر بالدوار، وكيف أنه يتتبع أي امرأة تشبهها في أي شيء، على طول البوليفار، خائفا أن يكتشف أنها ليست هي، خائفا أن يفقد الشعور الذي يهبه له هذا الظن، وكيف أن أي امرأة عرفها جعلته يفتقدها أكثر وأكثر، وكيف أنه لا يهم أي شيء فعلته؛ لأنه يعرف أنه لا يستطيع أبدا مداواة نفسه من غرامها. وكتب هذا الخطاب في النادي، في هدوء واتزان، وبعثه إلى نيويورك طالبا منها أن تراسله على عنوان مكتب عمله في باريس. بدا له هذا آمنا. وفكر في تلك الليلة التي اشتد فيها شوقه إليها على نحو ملأ نفسه بالفراغ والغثيان، فطفق يدور أمام محل «مكسيم»، ثم تعرف على فتاة أخذها معه للعشاء. وبعد ذلك ذهبا معا يرقصان، وكانت لا تجيد الرقص، فتركها ليرقص مع أرمينية حسناء احتضنته بذراعيها. وأخذها من جندي بريطاني بعد عراك معه. وطلب منه الجندي أن يذهب معه إلى الخارج، وتعاركا في الشارع على البلاط وسط الظلام. وضربه مرتين، بشدة، على جانب الفك، ولما لم يسقط عرف من فوره أن المعركة ستكون طويلة. وضربه الجندي في بطنه، ثم إلى جوار عينه. وتطوح واقعا، وهجم عليه الجندي ومزق ردن معطفه، ولكنه لكم الجندي مرتين وراء أذنه ثم طوحه بعيدا عنه مهمشا إياه بقبضته اليمنى. وحين سقط الجندي عنه، ارتطمت رأسه بأحجار الطريق، أما هو فجرى سريعا بالفتاة لأنهما سمعا الشرطة الحربية في الطريق إليهم. ودلفا إلى عربة أجرة وذهبا إلى فندق «هيسا» على ضفاف البوسفور حيث أمضيا ليلتهما. وتركها وحدها عند مطلع النهار، وتوجه إلى «بيرا بالاس» بعين سوداء وهو يحمل معطفه على ذراعه لأن أحد ردفيه قد تمزق.
ورحل في نفس تلك الليلة إلى الأناضول. وتذكر كيف كان القطار خلال الرحلة يخترق حقول الخشخاش التي يزرعونها للحصول على الأفيون، والشعور الغريب الذي يبعثه المنظر في النفس، وكيف تبدو جميع المسافات خاطئة، ثم تذكر الهجوم الذي شنوه مع ضباط القسطنطينية الذين وصلوا حديثا، والذين لم يكونوا يعرفون شيئا قط، وكيف أطلقت المدفعية النيران على القوات، والمراقب البريطاني وهو يبكي كالطفل.
अज्ञात पृष्ठ