फराह अंतूनः उनका जीवन - उनका साहित्य - उनके लेखन के अंश
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
शैलियों
ثم جد الرفاق الثلاثة في السير فبلغوا بشري، فابتاع منها بطرس «خمسينية عرق» على حساب رفيقيه حسب الوعد، ثم تسلقوا منها العقبة المؤدية إلى جبل الأرز العظيم.
ولما قطعوا تلك العقبات الطويلة التي يلي بعضها بعضا، وصعدوا إلى مساواة الحرج، بان لهم الأرز من بعيد، فأشرق وجه سليم وكليم ابتهاجا وسرورا، وصارا ينظران إلى الأرض التي تطؤها حوافر بغليهما نظرهما إلى أشياء مقدسة.
وكان وصول سليم وكليم إلى الأرز عند غروب الشمس، وكانت الطيور تتوافد من جميع الجهات الجرداء إلى أشجار الأرز لتبيت فيها، وكانت الغربان أشدها ظهورا، فكان يسمع صوتها الناعب من حين إلى حين كأنه صوت الزمان ينعي الأجيال والقرون الماضية.
والأرز عبارة عن حرج متسع عظيم قائم على آكام متعددة، يحيط به نصف دائرة من الجبال الشامخة، وأشجاره شديدة الاشتباك، حتى إن الشمس تكاد لا تعرف أرضه. وفي هذه الأشجار ما هو صغير، وفيها ما هو ضخم كبير سامق إلى السماء، ويكاد عشرة رجال لا يحيطون بجذعه إذا مدوا أذرعهم حوله. وهم يقولون إن هذه الأشجار الضخمة الهائلة ترتقي إلى زمن الملك سليمان، الذي بنى منها هيكله المشهور في أورشليم، وزمن أفسس التي بنيت من خشبها بعض أماكنها اليونانية القديمة، ولكن هذا زعم لا يؤيده دليل، بل إن علم النبات ينقضه، إلا أنه من المحتمل أن أولئك المتقدمين قطعوا أخشابا من هذا الحرج، وقامت الأشجار الحاضرة على آثار الأشجار المقطوعة أو أشجار تلتها.
والأرز عبارة عن جذع شامخ يتوارى عنك رأسه في الفضاء لعلوه، ومن هذا الجذع تتفرع أغصان بخط أفقي، ويبلغ طول هذه الأغصان أحيانا عدة أمتار، وهي تحمل أكوازا خضراء حرشفية كرءوس الصنوبر، بعضها ذكور وبعضها إناث، ثم تنقلب عند البلوغ فتصير حمراء، ولها رائحة طيبة ترتاح إليها النفس، فتعطر بطيبها وبنشر أشجارها هواء الأرز النقي، ويكون في عقبها بزرتان لحفظ نوعها متى بلغت وسقطت على الأرض. والأرز عدة فصائل وأنواع، وهو ينمو في جبال سوريا، وجبل حملايا في الهند، وجبل الأطلس في أفريقية، وجبل طورس في آسيا، وفي غيرها من الجبال، ولكن أرز لبنان أشهرها كلها.
والمقرر أن القطع في الحرج ممنوع اليوم قطعيا بأمر من حكومة الجبل، حتى إن الزائر لا يستطيع أن يقصف غصنا ليأخذه تذكارا من الأرز، إلا في السر أو بمبلغ يدفعه إلى الحارس. ولقد أحسنت الحكومة في هذا المنع حفظا لهذا الأثر الجليل. ومما يذكر لها بالشكر أيضا أنها سورت الحرج كله بسور من الحجارة والطين لمنع الدواب من الدخول إليه، ولكنها مع ذلك تدخله. وهذا السور صار اليوم متهدما، وهو لانخفاضه يتسلقه الولد بسهولة؛ لأنه لا يعلو عن متر واحد.
ومن الأسف أن الحكومة لا تزرع في هذا الحرج الكبير أرزا جديدا ليقوم مقام الأرز القديم متى شاخ وانقرض في القرون القادمة، والأشجار التي تنبت من تلقاء نفسها في الحرج قليلة جدا، ولكن في جهات أخرى فوق الحدث في واد إلى الجنوب، وفي أماكن أخرى في أعالي لبنان أحراج واسعة مؤلفة من أرز صغير آخذ في النمو، فلا ريب أنه سيقوم مقام الأرز الكبير في القرون القادمة، وربما وقف سائح بعد 500 أو 800 سنة في الحرج الذي وراء الحدث في الوادي وصار يتساءل ويستنطق التوراة وكتب التاريخ؛ ليعلم هل قطع سليمان الخشب لهيكله من ذلك الحرج أم من سواه؟
وسواء قطع سليمان الخشب من الحرج الكبير أو من سواه؛ فإن السياح الإفرنج من أمراء وعظماء وعلماء يتقاطرون على هذا الحرج ويزورونه باحترام عظيم. والغريب أنهم يفدون لهذا الغرض من أقصى الأقطار، مع أن جيران الأرز في الشام ومصر لا يعرفونه، ورجال الدين منه يصلون هناك بخشوع زائد، ويعتبرون أجر الصلاة فيه مضاعفا، وجميعهم ينقشون أسماءهم أو بعض حروفها على جذوع أشجاره، فغطوا بها كثيرا منها، حتى صدر الأمر بمنع ذلك حفظا للأشجار. والزائر يشاهد إحداها مكشوطة القشرة بفأس أو سكين على قدر شبر أو أكثر وفيها اسم منقوش، فلا نعلم كيف أن ذلك القاسي البارد ناقش هذا الاسم طاوعته يده على طعن تلك الأرزة المقدسة الجميلة هذه الطعنة في صدرها. (10) ليلة باردة تحت أشجاره بلا فراش ولا غطاء
فدخل سليم وكليم إلى دائرة الأرز مشيا على الأقدام، وتبعهما بطرس مع بغليه، فربطهما وراء غرفة صغيرة مبنية على انفراد بإزاء الكنيسة القديمة القائمة في شمالي الأرز.
وقد افتقد سليم وكليم أصحابهما الذين بعثوا في طلبهما، فلم يجدا لهم أثرا، فاستغربا ذلك. وكان في الغرفة - التي أشرنا إليها - عائلة مؤلفة من امرأتين وبضعة أولاد، ولم يكن في الأرز غيرهم، فسألاها فأجابتهما أن قوما كانوا نازلين في الأرز قوضوا خيامهم في ذلك الصباح وساروا في جهة الجنوب ليقيموا هناك يوما أو يومين.
अज्ञात पृष्ठ