फराह अंतूनः उनका जीवन - उनका साहित्य - उनके लेखन के अंश
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
शैलियों
ولذلك يجب ألا نلومهم لانقطاعهم عن الناس بقولنا إنهم فعلوا ذلك مدفوعين بعامل الأثرة وحب الذات، فإن الرغبة في معيشة الانفراد الاشتراكية كائنة في طبيعة البشر، خصوصا الضعفاء منهم، ولكننا إذا كنا لا نلومهم اليوم، فإننا لا نحث الديورة في هذا الزمن على أن تنسج على منوالهم ، بل نطلب إدخال تغيير على حالة الأديرة طبقا للوصف الذي ذكرته آنفا؛ فإن الهيئة الاجتماعية قد تغيرت، والنفوس الدينية صارت - كما يظهر من قولك - لا تكتفي بالإيمان الحار، فبناء عليه بطلت وظيفة الدير الأولى التي هي البعد عن البشر والانقطاع إلى الله انقطاعا حقيقيا، وصار من الواجب أن يحل محل هذه الوظيفة وظيفة مساعدة الناس ماديا وأدبيا، كما وصفت ذلك آنفا، وإلا فلا معنى لوجود الدير في هذا العصر.
وأنا على يقين أن هذا التغيير أمر سهل، وكثيرون من رجال الدين يرضون به لأنه يحيي البلاد والعباد بثروات الأديرة والأوقاف الدينية، إنما يشترط فيه وجود رؤساء كرام يفهمونه وينبذون الأطماع جانبا، فلماذا لا يقوم أكابر الطوائف وأفاضلها لمراقبة أوقاف الأديرة والأملاك الدينية مراقبة شديدة، بواسطة مجالس دائمة خصوصية تنشأ لهذا الغرض؛ لإنفاق دخلها الطائل في وجوه نافعة لمجموع الأمة؟ (3) مجنون ليلى
وبقي سليم وكليم يتحادثان في هذا الموضوع حتى وصلا إلى عين السنديانة، وهي محطة يستريح فيها المسافرون في طريقهم إلى أعالي الجبل، والمكان مؤلف من منزل اتخذه مستأجره حانوتا يبيع فيه مواد الغذاء للمسافرين، وأمامه دكة عالية قليلا يجلس المسافرون عليها، وبجانبها عين ينبع منها ماء بارد يشربه المسافرون بظمأ ولذة بعد تعب الطريق وحرها.
فنزل كليم وسليم للراحة وتناول الطعام، وبعد حين طلبا بيضا مقليا وجبنا وعنبا، وجلسا يأكلان، وإذا برجل قد دنا من أحد الفرسين ومد يده إلى الخرج الذي كان عليه، وأخرج منه جريدة إنكليزية، فقال كليم لرفيقه: ما شاء الله! إن صاحبنا يفعل بخرجنا ما يشاء بدون تكليف، ثم نهض ودنا من الرجل وسأله: ماذا تريد؟ فعبس الرجل وقال: لا أريد شيئا، ولكنني أحب أن أقرأ.
ثم إنه أدار ظهره لكليم وجلس على طرف الدكة ونشر الجريدة الإنكليزية وصار يقرأ فيها. فاستغرب كليم وسليم أمر هذا الرجل، وكانت هيئته وثيابه مما يزيد الاستغراب، فإنه كان في نحو الأربعين من عمره بلحية كثة وخطها الشيب، وشعر وافر في رأسه يتدلى من تحت طربوشه القذر، وكان طويل القامة عريض العضل، يلبس ثيابا قديمة قذرة، ويمشي بحذاء ممزق، إلا أن سحنته كانت تدل على الهدوء واللطف والسكينة.
وبعد أن قرأ هذا الرجل بضعة أسطر في الجريدة رفع رأسه وضحك ضحكا شديدا ثم قال: كلهن سواء. ثم التفت إلى كليم وقال: أليس حقيقيا ما أقول؟ فقال كليم: عن أي شيء تتكلم؟ فضحك الرجل ضحكا أشد من ضحكته الأولى وقال وهو يهز رأسه طربا:
جننا بليلى وهي جنت بغيرنا
وأخرى بنا مجنونة لا نريدها
ثم وقع على الأرض وأغمي عليه.
فذعر حينئذ كليم وسليم، أما صاحب المحل فإنه ركض مسرعا وهو يضحك، فنضح وجه ذلك الرجل المسكين وصدره بالماء، ثم التفت إلى سليم وكليم وقال: لا تخافا، فإن هذا الرجل مجنون، بل هو نصف مجنون، وهو يصاب بهذه النوبة مرة كل يوم أو كل يومين. فاشتد حزن سليم وكليم على حالة الرجل حينئذ، وبادرا إليه يسعفانه بالمعالجة، وبينما كانا يفركان يديه بأيديهما سألا صاحب المحل: وما قصته؟ وأين بلاده؟ فإنه غريب عن لبنان على ما يظهر. فأجاب صاحب المحل: الذي سمعته أنه غريب عن لبنان، ويقال إن سبب جنونه حبه فتاة رام الاقتران بها فرفضت وهجرته، وهو من ذلك الحين يطوف البلاد على قدميه يأكل إذا وجد طعاما، ويصوم إذا لم يجد، وأحيانا ينام تحت سقف منزل، وأحيانا تحت قبة السماء، فهو شبيه برجل تائه على وجهه في البلاد، وكل الأهالي يعرفونه.
अज्ञात पृष्ठ