फराह अंतूनः उनका जीवन - उनका साहित्य - उनके लेखन के अंश
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
शैलियों
لم تبق مجلة ولا جريدة من المجلات والجرائد العربية إلا وبحثت في هذا الموضوع الذي فتحت بابه رصيفتنا جريدة المؤيد وجريدة الإجبشن غازيت. ونحن نذكر باختصار لقرائنا تاريخ هذه المسألة ورأينا فيها.
وضع جناب المستر ويلمور - القاضي الإنكليزي في محكمة الاستئناف المختلطة - كتابا إنكليزيا في غاية الأهمية، اقترح فيه على أبناء اللغة العربية أمرين؛ الأول: أن يتخذوا الحروف الإفرنجية لكتابة الكلام العربي بدلا من الحروف العربية؛ وذلك لضبط اللفظ في الكلمات المتشابهة الكتابة المختلفة اللفظ، والثاني: استعمال اللغة العامية في الكتابة بدلا من اللغة الفصحى. وحجته في هذا الطلب أن الرجل الإفرنجي يصرف سنوات في درس اللغة العربية ثم هو لا يفهم اللغة التي يكتب بها كتابها اليوم، ولا اللغة التي يتكلم بها قومها. وفضلا عن ذلك، فإن الذين يفهمون لغة الكتابة اليوم من المصريين لا يتجاوزون 12 بالمائة من السكان. أما باقي السكان، وهم 88 بالمائة، فإنهم لم يتعلموا لغة الكتابة، وإذا وجب أن يتعلموها ليدرسوا بها اضطروا إلى صرف عدة سنوات في ممارستها، فهل من الواجب وضع هذه العقبات في طريق تعليمهم، أو تسهيل هذا التعليم لهم لتلقينهم الدروس بلغتهم؟ ويقول المستر ويلمور إن هذه اللغة العامية لغة مستقلة عن اللغة العربية، وقد جاء عليها وقت كانت فيه لغة بأصول وقواعد، فإذا جمعت أصولها وقواعدها صارت لغة سهلة عمومية لجميع أفراد الأمة، خاصتها وعامتها.
ولكن الكتاب قاموا على المستر ويلمور قومة واحدة، فنقضوا الرأي الذي رآه، وأظهروا له أن اللغة العامية ليست لغة مستقلة، وإنما هي تشويه محلي يعتري كل لغة في العالم، وهو ما يسمونه لهجة، واللهجات متفاوتة في كل أمة وكل بلد تقريبا، فأية لهجة يستعملون؟ وهل جن أبناء اللغة العربية ليقطعوا باللغة العامية الجديدة الصلة الجميلة التي بينهم وبين أسلافهم من فلاسفة العرب ومؤلفيهم وحكمائهم وعظمائهم؟
على أن بعضهم يظن أن اقتراح المستر ويلمور فريد في بابه، والحقيقة أن هذا الاقتراح موضوع اليوم في مجال البحث في كل بلد تقريبا؛ ففي كل ممالك العالم المتمدن اليوم فريقان يتنازعان في مسائل التعليم تنازعا شديدا، وهما يسميان الفريق القديم والفريق الجديد؛ فالفريق الجديد يطلب اختصار التعليم أشد اختصار، وتسهيله أشد تسهيل، وأن يقرن بكل ما يحتاج إليه المتعلم من الدروس العملية؛ ليحصل رزقه في زحام هذه الحياة، وينبذ منه كل ما يثقل دماغ الطالب وذاكرته دون أن يفيده فائدة عاجلة؛ كالإسهاب في الصرف والنحو وآداب اللغة والشعر والهندسة والجبر وغيرها. والفريق القديم يقول إن التعليم مسألة تهذيب وتثقيف لا مسألة تجارة أو صناعة، والابتكار والاختراع في العلم لا ينشآن إلا عن التضلع من أصول العلوم والفنون والغوص في أعماقها؛ ولذلك يوجب هذا الفريق درس أعصى العلوم وأصعبها، ويجعل درس اللغة اللاتينية إلزاميا؛ لأن هذه اللغة كانت منذ قرنين لغة العلم في أوروبا، وبها كتب كثير من أشهر كتب العلم والفلسفة، فضلا عن الكتب التي كتبها مؤلفو الرومان.
وإن قيل أي الفريقين هو المصيب؟ قلنا: إن الفريق الثاني مصيب بالنظر إلى خاصة الأمة الذين يرومون الانقطاع إلى العلم، والفريق الأول مصيب بالنظر إلى العامة وطالبي الرزق. والظاهر أن المستر ويلمور هو من هذا الفريق الذي يبغي التسهيل.
ولكن المستر ويلمور لا يعلم على ما يظهر أن للتسهيل حدا لا يتعداه، وأن ما حصل في اللغة اللاتينية لا يمكن حدوثه في اللغة العربية لاختلاف النسبة بين اللغتين؛ فإنه لما قام ديكارت وخالف العادة التي جرى عليها علماء عصره من التأليف باللغة اللاتينية وجد لغته الفرنسوية لغة صحيحة فصيحة، فيها كثير من كتب الأدب. وهذا ما زاد كتبه رواجا وإقبالا، وأنساه سخط العلماء عليه من أجل تلك البدعة. ولكن ماذا يجد كاتب اللغة العامية اليوم إذا رام التأليف فيها؟ أتكفيه لغة الحمارة والبحارة للتعبير عن أشرف عواطف القلب، وأسمى خطرات الفكر، مع أنه يشكو من ضيق لغة ابن رشد نفسها؟
والحاصل أن المستر ويلمور قد حاول أمرا مستحيلا، ولا خوف على لغتنا منه ومن أمثاله؛ لأنهم لا يحاربون فقط اللغة العربية بهذا الاقتراح، وإنما يحاربون النواميس الطبيعية أيضا؛ ذلك أن النواميس الطبيعية ضدهم في هذه المسألة، وأن اللغة التي قتلت اللغة الآرامية واليونانية في سوريا وفلسطين، واكتسحت لغة المصريين قبل الإسلام، وانتشرت أوسع انتشار في أفريقيا، ودخلت في أثر السيف إلى أواسط آسيا وأوروبا، والتي لا تزال تتغلب حتى اليوم على لغات الهند في عهد الاحتلال الإنكليزي نفسه؛ لهي لغة نافذة كالسيف، فلا تؤثر سطور كتاب إنكليزي فيها.
ولكن هل يؤخذ من هذا القول أنه لا يجب علينا أن ننظر في كتاب المستر ويلمور نظرة اعتبار لنستفيد منه ما يمكن استفادته؟ لا ريب عندنا أن هنالك فائدة في غاية الأهمية، وسنأتي على ذكرها في المقال التالي.
اللغة العربية الجديدة
أتينا على تفصيل المناظرة التي جرت في القطر بشأن ما اقترحه المسيو ويلمور من وضع اللغة العامية في مصر موضع اللغة الفصحى في تعليم الشعب المصري والكتابة له، وذكرنا ردود مناظريه عليه ونقضهم أقواله، ثم قلنا في ختام ذلك الفصل إن في اقتراح المستر ويلمور عبرة وفائدة، ووعدنا بنشر هذه العبرة والفائدة، وإنجازا للوعد نقول:
अज्ञात पृष्ठ