19
إن الحدود الصارمة تركز طاقات الفنان وتكثفها.
ومما يشبه المحال على فنان لم يضع لنفسه مهمة أكثر تحديدا من إبداع شكل دال دون شروط أو حدود مادية أو فكرية، أن يركز طاقاته بحيث ينجز هدفه. إن مشروعه سيكون مفتقرا إلى الدقة وجهوده من ثم ستكون مفتقرة إلى القصد، وأقرب إلى اليقين أنه سيكون غامضا ومتراخيا في عمله، وقد يلوح له دائما أن هناك احتمالا بأن يعيد للشيء عافيته بضربة حظ، وقلما يبصر بوضوح تام أنه قد ضل السبيل، تلك هي مخاطر النزعة الجمالية (المتطرفة)
aestheticism
على الفنان. إن من يشعر أنه لا عمل له إلا أن يصنع شيئا ما جميلا، يندر أن يعرف من أين يبدأ أو أين ينتهي، أو لماذا ينبغي عليه أن يركز حول شيء أكثر من شيء آخر. لقد أخذه شعور بضرورة أن يجعل عمله الفني «صوابا»، وأنه سيكون صوابا عندما يعبر عن انفعاله نحو الواقع أو عندما يقدر على إثارة انفعال إستطيقي في الآخرين أيا ما كانت الطريقة التي يهمك أن تنظر بها إلى العمل. إلا أن معظم الفنانين قد انصرفوا إلى اتخاذ مجرى لانفعالهم وتركيز طاقاتهم على مشكلة ما أكثر تحديدا وأقرب مأخذا من مشكلة صنع شيء من شأنه أن يكون صوابا من الوجهة الإستطيقية. إنهم بحاجة إلى مشكلة تصير بؤرة لانفعالاتهم الشاسعة وطاقاتهم الغامضة، وعندما تحل تلك المشكلة سيكون عملهم «صوابا».
يعني «صواب» بالنسبة للمشاهد «مرض إستطيقيا»، وبالنسبة للفنان وهو في حالة عمل يعني التحقيق الكامل لمفهوم ما - الحل الأمثل لمشكلة ما، والخطأ الذي يقع فيه السوقة هو أنهم يفترضون أن «صواب»
20
تعني حل مشكلة واحدة بعينها؛ أن السوقة عرضة لافتراض أن المشكلة التي ينذر لها جميع الفنانين البصريين والأدبيين أنفسهم هي أن يصنعوا شيئا ما شبيها بالحياة. ألا إن جميع المشكلات الفنية - وتنويعاتها الممكنة لا نهاية لها - يجب أن تكون بؤرات لصنف معين واحد من الانفعال؛ ذلك الانفعال الفني المميز الذي أعتقد أنه انفعال نحو الواقع يدرك بصفة عامة من خلال شكل، ولكن طبيعة البؤرة لا مادية، ومن الحق تقريبا (وإن لم يكن تماما) أن نقول إن كل مشكلة هي مساوية في الوجاهة لغيرها؛ فكل المشكلات في الحقيقة هي في ذاتها وجيهة على حد سواء، رغم أن هناك بسبب الضعف البشري مشكلتين تنتهيان نهاية سيئة؛ المشكلة الأولى كما رأينا هي المشكلة الإستطيقية الخالصة، والأخرى هي مشكلة التمثيل الدقيق.
يتخيل السوقة أن ليس هناك سوى بؤرة واحدة؛ وهي أن «صواب» تعني دائما تحقيق تصور دقيق للحياة، وليس بإمكانهم أن يفهموا أنه قد تكون المشكلة المباشرة للفنان هي أن يعبر عن نفسه داخل مربع أو دائرة أو مكعب، أو أن يساوق توافقات هارمونية معينة، أو أن يوفق بين تنافرات معينة، أو أن يحقق إيقاعات معينة، أو أن يقهر صعوبات معينة خاصة بالوسيط
medium ؛ وهي مشكلات تقف على قدم المساواة مع مشكلة اقتناص مشابهة، هذا الخطأ يقع في الصلب من النقد السخيف الذي جعله الأستاذ شو موضة الكتابة. إن في مسرحيات شكسبير تفاصيل من السيكولوجيا ورسم الشخصيات شديدة الواقعية بحيث تذهل الجموع وتسحرهم، ولكن التصور
अज्ञात पृष्ठ