وحين يتحدث بل عن دلالة الشيء بوصفه غاية في ذاته، فإنه يقترب كثيرا من مفهوم المثاليين عن «الشيء في ذاته» أو عن «الواقع النهائي»، ويكون جوابه عن سؤاله الميتافيزيقي «لماذا نطرب كل هذا الطرب لتجمعات معينة من الخطوط والألوان؟» هو: «لأن بقدرة الفنانين أن يعبروا بتجمعات الخطوط والألوان عن انفعال نحو الواقع يكشف عن نفسه من خلال الخط واللون.» ويترتب على ذلك أن «الشكل الدال» هو الشكل الذي نظفر من ورائه بحس بالواقع النهائي.
الشكل - المضمون
يظن بعض الناس ممن يلقون الكلام على عواهنه أن الشكلية تعني صدارة الشكل، أي شكل، على المضمون، ويتوهمون أن الشكلية هي التركيز على الزخرف والزينة والقوالب الخارجية دون اكتراث كبير بالمعنى والوظيفة، وهو تعسف لم يقل به أحد، وقلب للقضايا لا يرتكبه إلا مأفون، وليت النقاد وفلاسفة الفن قد تعارفوا على تسمية نظرية بل «الشكلية الدالة» بدلا من «الشكلية» فأراحوا واستراحوا؛ ذلك أن الشكل الذي ألح عليه بل هو الشكل الدال، و«الدلالة»
significance
مفهوم «قصدي»
intentional
بامتياز؛ فالشكل لا بد أن يدل على شيء ويشير إلى شيء ويقول شيئا، على أن يقول ويشير ويدل بالشكل وفي الشكل، ونقول بالشكل وفي الشكل لأن الشكل الدال، ببساطة، هو وحده ما يقوى على إحداث الانفعال الإستطيقي وغيره لا يحدث إلا انفعالات الحياة.
فليحمل العمل الفني من الحقائق ما وسعه أن يحمل، وينقل من المعارف ما شاء أن ينقل؛ فالمعرفة والحقيقة، ككل شيء آخر يعبر عن الفن، لا بد أن ترتبطا ارتباطا وثيقا بالقوام الحسي والعرض الشكلي للعمل. إن الفن لن ينافس العلم في مضماره، إنما تلح الشكلية على أن يكون الفن فنا - أي شكلا دالا - كيما يتسنى له أن يقبض على الحقيقة التي يعجز العلم عن القبض عليها.
هل الاهتمام بالشكل يأتي على حساب المضمون؟ كلا بل يأتي لحسابه، باعتبار نوعية المضمون الذي أوكلنا إلى الفن أن يحمله، الشكل هو كل شيء في العمل الفني، الشكل هو المضمون في حضوره الإستطيقي، والشكل الدال هو الشكل الصائب الذي تطابق مع انفعال مبدعه تجاه الواقع النهائي، والذي وجد فيه هذا المضمون الانفعالي جسدا للمثول الموضوعي ومنفذا إلى الذوات الأخرى، وآيته في ذلك أنه يثير في المتلقين انفعالا إستطيقيا مضاهيا لانفعال مبدعه، وهذا الانفعال الناجم هو معرفة ونشوة معا، هو كشف كبير ومتعة عالية في آن.
الشكل الدال حق متى جاء، ونحن نعرفه متى صادفناه ونعرف أنه حق، إنه هو ... يحمل آية صدقه (الوجد الإستطيقي) ويومئ إلى رصيده الأنطولوجي (الواقع النهائي)؛ ومن ثم فهو نقيض اللعب والتبطل، فأنت في كل الأحوال لكي تأتي بشكل دال فلا بد أن يكون لديك ما تقوله، الشكل الدال ليس زينة بل نقيض الزينة، وهو بالتأكيد تقشف وتبسيط وكفاف من التمثيل والتفصيل، وطرح للزائد ونبذ لكل ما ليس له دلالة، الشكل الدال ليس لهوا أو فراغا أو «عجة بلا بيض».
अज्ञात पृष्ठ