البراعة القتالية1
إن الخبير بإدارة المعارك، المتمرس بفنون القتال، هو ذلك الذي يقدر على تشتيت صفوف العدو مهما كانت قوته، [حرفيا: مهما بلغت كثرة جنوده وكثافة خيوله الراكضة] فتتفرق حشوده وتتشرذم وحداته، بما يتعذر معه أن تساند بعضها بعضا، وتتعرض للهجوم المتواصل الذي يدك قواعدها ويشل يدها، حتى، عن طلب النجدة وإبلاغ أحوالها لقيادتها، فتنقطع الصلة بين وحدات العدو المقاتلة، وتبطل من ثم قيمة تحصيناته الدفاعية بكل ما أقيم فيها من قلاع، وما حفر في وديانها من أخاديد، وتتبدد أهمية ما تكدس في خزائنه من احتياطي الغذاء، وتضيع مهابة جنوده مهما امتازوا بالشجاعة.
إن رجل الحرب المحنك، الحاذق فنون استخدام القوات، هو الذي يعرف كيف يلاحظ ويقيم التضاريس الأرضية [كذا]، ولا يفوته أن يحسن استغلال الأراضي المنيعة، ويرابط في مواقعه بقوات كثيفة، ويتقدم أو ينسحب من ساحات القتال بكل مرونة. (إن القائد العليم بفنون الحرب ...) هو الذي يجعل من الكثرة في جيش أعدائه شرذمة قليلة [... يقلل من قيمة الزيادة العددية في الجيوش المعادية، ويخصم منها هذه الميزة، بما يفرضه عليها من الشعور بالحاجة إلى مزيد من القوات]، ويجعل بطونها تتضور جوعا، حتى وهي تحوز خزائن الحبوب والغذاء [يقلل من قيمة ما تختزنه جيوش الأعداء من احتياطي الغذاء مهما عظمت كميته]، وينزل بنفوسها وأجسادها الإرهاق والتعب، حتى وهي قابعة مكانها، ويبدد ما التف حولها من جموع الناس، ويباعد بينها وبين قلوب المؤيدين لها من أبناء شعبه مهما عظمت حشودها، (إن قائدا حكيما يستطيع أن ...) يوقع الشحناء والكراهية بين فصائل جيوش وثيقة الصلة بين عناصرها، ويقطع أوصال قوات كانت، بالأمس، على قلب رجل واحد.
على كل جيش مشتبك في قتال أن يلاحظ طريقتين من طرق الحرب، أولاهما تسمى: «الطرق الأربعة»، وثانيتهما يقال لها: «التحركات الخمسة». فالطرق الأربعة هي طريق التقدم للأمام، والانسحاب والتقدم جهة اليمين ثم اليسار، أما التحركات الخمسة، فهي: دفع القوات للأمام، والانسحاب، والميل إلى اليسار، والركون إلى اليمين، والتوقف. وهذا الأخير يعد، أيضا، أحد عناصر التحرك (فلا تحسبنه مناقضا لذلك المعنى)، إن القائد العبقري هو ذلك الذي يجيد الاهتداء بالطرق الأربعة، والاسترشاد بالتحركات الخمسة، بكل وعي ومرونة، (فإذا استطاع، حقا، أن يبلغ هذا القدر من الإجادة ...) فلن يستطيع العدو أن يقف في طريق تقدمه ولا أن يقطع عليه خط الرجعة إذا ما أراد الانسحاب، ولا أن يعوق ميله إلى اليمين أو اليسار، بل سيستشعر إزاءه أعظم إحساس بالتهديد والخطر، حتى وهو مرابط بقواته في مواقعه، دون اشتباك في ساحة القتال [... جاءت الجملة الأخيرة، بهذا المعنى، في إحدى النسخ المترجم عنها، لكنها في كثير من النصوص المتاحة لهذا الفصل كانت مهملة من السياق، وورد مكانها فراغ خال من الكلمات].
إن المتمرس في فنون القتال سيعمل على إعاقة كل محاولات العدو للجوء إلى الطرق الأربعة، وعرقلة جهوده نحو «التحركات الخمسة»، فإذا أراد التقدم بقواته، وجد نفسه تحت هجمات معادية، وإذا رجع القهقرى، سدت عليه خطوط الانسحاب، وأحيط به من كل جانب، فلا يستطيع التحرك نحو الأجناب، ثم إذا لزم الثبات في مواقعه، لم يأمن شن الغارة عليه.
إن القائد المبرز في فن القتال يستطيع أن يجبر العدو على اجتياز المسافات الطوال، وهو تحت دروع القتال، وفوق عنقه آلة الحرب ينوء بها كاهله، فلا يجد سبيلا إلى الراحة، فيقع من الإرهاق والجوع والسهر في أسوأ حالات الإعياء، فتلك - إذن - وسيلة فعالة تؤدي حتما إلى هزيمته (في نهاية المطاف)، في حين يحتفظ القائد بجيشه وقد نال قسطا من الراحة وحظا هائلا من التزود بالماء والغذاء، منتظما في الصفوف، منضبطا رابط الجأش، على أتم استعداد للقتال، فإذا حانت ساعة اللقاء، تقدمت القوات بعزم وافر وإقدام شجاع، لا يردها شيء عن القتال، بل تمضي [حرفيا: تمشي فوق حد السيف] فوق الخطر، دون أن تلتفت إلى الوراء، أو تفكر في التراجع والفرار. *** [ورد في نهاية المتن الرقم «مائتان»، متبوعا بثلاثة فراغات، قد تكون تكملة الرقم المذكور ، ولا تعرف دلالته، في هذا السياق]
الفصل السادس
خمسة أنواع من الجيوش1
هناك خمسة أنواع من الجيوش المعادية: الأول: جيش يتسم بالجرأة والإقدام. والثاني: يتميز بالغرور والصلف. والثالث: يتصف بالتصلب والعناد. أما الرابع: فمتردد هياب. والأخير: ضعيف متخاذل. فكل نوع منها يتطلب، أثناء القتال، طريقة ملائمة تتناسب مع طبيعته. وبالتالي، فثمة خمس طرق لمواجهة تلك الطبائع المختلفة للجيوش. وهكذا فلا بد من مصانعة النوع الأول من الجيوش، بحيث يتطلب الأمر تكلف مظاهر الخضوع والضعف، أما النوع الثاني، فلا بأس من إظهار شيء من التقدير لمزاياه على أن يتم استغلال الفرصة السانحة لمهاجمته والقضاء عليه، وبالنسبة للجيش الذي يتسم بالعناد وجمود الرأي، فالمطلوب الإيقاع به والترصد له بالحيلة والخديعة، أما المتردد الحائر الذي لا يحزم أمره، فلا بد من مبادأته بالهجوم الأمامي، وإثارة القلاقل والاضطرابات على أجنابه ومحاصرته بالأخاديد المحفورة في الوديان أو الحصون العالية فوق التلال وقطع طرق إمداداته، وفيما يتعلق بذلك النوع من الجيوش التي يغلب عليها الضعف والتخاذل، فيمكن إثارة الفزع في صفوفها بواسطة دقات الطبول الهادرة ومصادمتها مع اتخاذ مظاهر القوة المناسبة، ثم الهجوم عليها عند أول بادرة لتحركاتها، أو التأهب لمحاصرتها في كل الأحوال، حتى وهي مقيمة في ثكناتها، مرابطة في مواقعها، دون أن يبدر عنها ما يفيد التحرك.
عندما تقتحم الجيوش أراضي أعدائها، فهي تلجأ، في العادة، إلى طريقة من اثنتين في التعامل مع العدو، أول هذه الطرق تسمى ب «السلوك الأخلاقي الرفيع»، والثانية توصف ب «الأسلوب الوحشي الإرهابي». ولكل منها خمس حالات، أو خمس مراحل متدرجة؛ فلذلك سميت ب «التيسيرات والتغليظات الخمس»، لكن ما هي التيسيرات الخمس؟
अज्ञात पृष्ठ