النص نفسه يحمل السمات الفكرية لسونبين، بطبيعة انحيازه إلى الكونفوشية، فكثيرا ما طرح وجهات نظره من زاوية مراعاة مبادئ «العدل والاستقامة»، على النحو الذي أقرته الفلسفة الكونفوشية؛ ولأنه فيلسوف سياسي أكثر منه مفكر عسكري فقد كان يؤكد على أن «الانتصار هو أهم دعامة للقوة والمجد [مجد الدولة يعني]»، ثم يقترح في موضع آخر من الكتاب بأن تكون الحرب وسيلة لتحقيق وحدة الأمة؛ لأنها (أي الحرب) هي الطريقة المثلى لإخضاع الممالك، ثم ما يلبث أن يفطن إلى ما تنطوي عليه الحرب من سلبيات تحول بينها وبين إيجاد الحلول لمختلف المشكلات، فيوصي القادة والأباطرة بضرورة التعمق في فهم ما تمثله الحرب من وسيلة مهمة لتحقيق السيادة للممالك.
وقد تطرق نفر من النقاد، أثناء عكوفهم على استكشاف الخصائص الفكرية والفلسفية لنصوص الكتاب إلى فكرة أن سونبين - وفي أنحاء متفرقة من كتابه - كان يتناول، وبشكل بدائي أو بصورة جنينية ملامح قريبة الشبه بالمادية الجدلية - أو قل إنها أقرب ذات مضامين جدلية وإن لم تنهض بطريقتها في التحليل - إذ يقرر، مثلا، في موقع ما من النص بأنه «لا بد من فهم طرق السماء وطبائع الأرض، ولا بد من ضمان تأييد الأهالي في الداخل، والتأثير في مشاعر الأعداء في الخارج، والإلمام بالطرق الثمانية، على النحو الذي يحقق النصر وقت الحرب، والاستقرار زمن السلم ...»
وفي تناوله لفكرة أهمية الهجوم، وحسب سياق محدد أثناء عرضه لأفكاره في الكتاب، راح سونبين يتقدم خطوات أبعد وأكثر تطورا مما عرض له الفيلسوف العسكري الأول سونزي؛ إذ إنه يؤكد على أهمية الهجوم على نحو مطلق، بل إنه يضع لهذه الفكرة/القاعدة مكانا بارزا في فلسفته ، ويعدها الأساس النظري والمبدأ الأول وأهم ركن في أي بناء فكري لفن القتال. وتلك النقطة التي يختلف فيها عن الكتاب العمدة (فن الحرب لسونزي) بما يحققه من طفرة أو درجة عالية من التطور بذلك الطرح النظري.
ميزة ما يقدمه سونبين في كتابه هو أنه يلخص تجارب سابقة على درجة عظيمة من الأهمية، على ضوء ما خاضه هو نفسه من معارك، ومثلا ففي فصل بعنوان «أحوال الجيش»، يتحدث عن أسباب النصر والهزيمة ويرى أن الحرب ليست هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن الارتكان إليها ولا هي الطريقة التي يمكن تجنبها بالمرة. أما الأساس الذي تتحدد عليه أسباب النصر أو الهزيمة فهو مدى توافر الاحتياطي والمؤن وعدالة الحرب. وفي فصل «التشكيلات القتالية العشرة» يتحدث عن أهمية الاستعداد القتالي ويتناول، بالتفصيل، أنماطا متباينة من التشكيلات القتالية. ولما كانت الظروف قد اقتضت، زمن الدول المتحاربة، اتخاذ قادة محترفين على رأس الجيوش، فقد صارت معايير انتقاء القادة محل اهتمام كبير ومن ثم راح سونبين يستعرض في بعض فصول الكتاب الصفات الواجب توافرها في القادة العسكريين.
أما بشأن ترجمة الكتاب إلى العربية، فقد حاولت، كعادتي عندما أشرع في ترجمة نص تراثي أن أبحث أولا عن عدة نصوص محققة. وثانيا عن ترجمات في اللغة الإنجليزية أو الفرنسية للتعرف على أفكار المترجم وكيفية تعامله مع النص، خصوصا أن لدى الدارسين في كلتا الثقافتين وعيا جيدا بالتراث الصيني (هناك مدرسة أوروبية وأخرى أمريكية في مبحث الدراسات الصينية لهما خصائصهما وتاريخهما الطويل، ولا يمكن أبدا وبأي حال ومهما كانت الظروف أو الأسباب أن نتجاهل جهودهما أبدا). وثالثا مراجعة أية ترجمات تكون قد صدرت للكتاب موضوع النقل، أو الاستعلام عن وجودها من عدمه. وبالنسبة لهذا الكتاب فقد تحققت الخطوة الأولى بتوافر ثلاثة مصادر محققة له بالصينية، بيد أني لم أعثر على ترجمة له في الإنجليزية أو الفرنسية، ولا ترجمة سابقة في العربية، سواء بالنقل المباشر عن الصينية أو عبر لغة وسيطة. ولما كانت معظم النسخ المتاحة تضرب صفحا عن ذكر الباب الثاني من الكتاب بذريعة أنه مقحم على المتن وليس من أصوله، فقد اهتديت - بالصدفة السعيدة - إلى نص واحد من بين الثلاثة، يشتمل على الجزءين معا، بل يزيد عليها بضع فقرات في الهامش قيل إنها وجدت في النصوص بالحالة التي اكتشفته بها بعثة الآثار عام 1972م. فاعتمدتها مصدرا أصليا للترجمة وجعلت باقي النسخ مراجع ثانوية أعود إليها للتحقق أو الاستيضاح في الحالات التي استوجبت ذلك. وفيما يلي - وعلى سبيل التوثيق - أنقل للقارئ فقرة مما جاء في مقدمة الناشر، تبين أحوال النسخة المعتمدة للترجمة بشهادة أهلها .
أولا:
صدرت هذه الطبعة طبقا لما قامت به مجموعة (يين شياو سان هان مو) من ضبط وتحقيق للنص الأصلي المدون على رقائق الخيزران (البامبو) متخذة من النسخة الصادرة سنة 1985م عن دار نشر «أون وو» مرجعا أصليا، ستجري الإشارة إليها، فيما يلي ب «مرجع أصلي»، كما تم الرجوع إلى ...، ...، ...
ثانيا:
وإضافة ما ورد في النسخة الصادرة سنة 1987م، عن دار النشر المذكورة ومجموعة التحقيق المشار إليها من نصوص كملحق طبق الأصل وهو عبارة عن هامش موجز يحتوي على الفصول الخمسة عشر التابعة للباب الثاني. انتهى الاقتباس.
ولم أحاول الإشارة، ولو بإيجاز، إلى النسخ الثلاث بشكل مستقل، مكتفيا بمبلغ ما أستفيده منها كمترجم فيما يلقي الضوء على جوانب خافية من المعنى [وأعد القارئ بأن أحاول إلحاق صورة وثائقية لبيانات تلك الكتب الثلاثة. ذلك أوقع من مجرد كتابة عناوينها بحروف لاتينية، أو مجرد الاكتفاء بتوثيقها المرجعي، أليس كذلك؟ لكن ذلك مرهون بما تقرره إمكانات الإخراج الفني للكتاب]. ثم إني - وبشكل عام - أتجنب الإحالة الدائمة إلى هوامش ملحقة بعجز الكتب أو بقاعدة الصفحة، صحيح أني أقدم الترجمة للمتخصصين بالدرجة الأولى وذوي الاهتمام بالدراسات الصينية القديمة، لكني بتقديم هذه المترجمة للمتخصص أو للجمهور، فقد كنت أتخذ النص الأصلي قاعدة أساسية للقراءة، تحتوي في سياقها المباشر على كل ما يتصل بالمعنى العام، سواء بشكل رئيسي أو هامشي، المتن وإحالاته في صعيد واحد، فوضعت بين قوسين هلاليين (...) ما يتعلق بالمتن بشكل مباشر، كأن تكون هناك صياغة محتملة أو توضيح من داخل الشروح المصاحبة أو إضافة من إحدى النسخ المحققة رأيت إلحاقها على سبيل الاستطراد، ثم أضفت بين قوسين مربعين [...] هوامش جانبية من خارج النص، من قبيل ما قد ينشأ من ثغرات تتطلب التعريف بأحد الأعلام أو إضافة إشارات توضيحية موجزة، من باب التعريف والاستزادة، دون أن تكون سندا ثابتا متضمنا في تركيب المعاني العامة للكتاب لكنها إضافات من عند المترجم، لا أكثر، يمكن للقارئ الباحث عن الأفكار الرئيسة في النص تجاوزها دون إخلال بتدفق السياق في مساره.
अज्ञात पृष्ठ