ما هي الحياة؟
بسطنا كفاية قوانين التنظيم في العالم المادي غير الحيوي في عناصره الثلاثة: التجمع والتفرع والدوران. والآن نتقدم لبسط هذه العناصر في العالم الحيوي، فنرى لها أساليب أخرى تختلف في الغرض عن أساليبها في العالم المادي ولكنها تتفق في الجوهر مع هذه.
ولاستيفاء هذا البحث وتسهيل بسطه لذهن القارئ لا بد من تفسير سر الحياة بقدر ما تؤذن به ظاهراتها المادية، فما هو سر الحياة؟ (1) كيف نشأت الحياة؟
أكثر الذين بحثوا في أصل الحياة فرضوا أو ظنوا أنها ذات مستقلة عن الجسم الحي، ولكنها تمثل فيه، فصوبوا كل همهم إلى تعليل نشوئها، وتأثروها في الأحياء الدنيا إلى أحقر الجراثيم، ففرضوا أن الجرثومة الواحدة متسلسلة عن أخرى، ولم يهتدوا إلى جرثومة تولدت من تلقاء نفسها، ولكن العقل يقول لا بد لها من أول أو أصل.
ومهما يكن من أمرهم فالحياة درجة من درجات الرقي؛ فماذا كان قبل الحياة فاشتقت منه الحياة؟ ظن بعضهم أن الحياة مسلسلة من البلورات؛ لأنهم رأوا في هذه شيئا من خصائص الحياة كالنمو والتولد وانتهاء النمو عند هذا الحد، رأوا أن البلورة تتكون إذا كان في السائل المشبع مادة القابل للتبلور بلورة صغيرة تتجمع حولها المواد فتزيدها حجما إلى أن تستوفي حجمها، ثم تشرع بلورة أخرى تتكون إلى جنبها، وهكذا دواليك حتى يصبح السائل قليل الإشباع فيكف التبلور.
ولكن بين البلورة والجرثومة الحية بونا عظيما، البلورة تنمو من الخارج بإضافة المادة إليها، ولكن الجرثومة تنمو من الداخل بما تمتصه من الغذاء من الخارج. ثم إن الجرثومة تتوالد بالانقسام، الواحدة إلى اثنتين، والبلورة ليست كذلك، بل تتكون من نفسها مستقلة عن أختها. الجرثومة تفرز فضلاتها عن نفسها، والبلورة ليس لها فضلات ... إلى غير ذلك. ثم إن البلورات لا تولد إلا في محلول بارد، ولكن الجرثومة لا تتولد إلا في سائل ذي حرارة متوسطة فوق الصفر وتحت الغليان. •••
إن معظم الأحياء الدنيا موجودة في البرك والمستنقعات حيث الماء راكد، وهو أمر يدل على أن الحياة نشأت في الماء الآسن، أو الوحل، وقبل أن تنشأ الحياة كانت الطبيعة بفعل حرارة الشمس ونورها تنشئ الحامض الكربوني والنشادر والحامض الأميني، وهذه لا تحتاج إلا إلى الكربون والهيدروجين والنتروجين والأوكسجين، فتكونت المواد الكربوهيدراتية أولا بشكل هلامي - جلاتيني - ثم اشتقت منها المواد الزلالية.
والراجح أن المقادير الصغيرة كانت تتكتل بفعل تجاذب فيما بينها، وكانت تنمو إلى أن تتكون حولها قشرة جامدة بفقد قليل من الماء في ظاهرها، حتى إذا زاد نموها انفجرت القشرة وانقسمت الكتلة إلى كتلتين، ثم تشرع كل كتلة تنمو إلى أن تضخم، فتنشق إلى كتلتين ... وهكذا دواليك. هكذا كانت أول كتلة تحولت إلى جرثومة.
وكانت بعض العناصر تشترك في هذه العملية كالفوصفور والصوديوم والبوتاس والمنازيا وغيرها، والفوصفور مشتق من فوصفات الجير - الكلس - وليس ما يمنع أن يتحول جزء منه إلى الحامض الفوصفوري فيدخل محاوله إلى نواة الجرثومة.
وهو معلوم ولا سيما للكيماوي الذي يفهم جيدا علاقة الطاقة بالمادة أن امتصاص الهلامة للمركبات البسيطة القابلة التحول وائتلاف داخلها بها جعلا الهلامة مخزنا للطاقة؛ أي: إن بعض المواد المتفاعلة تفاعلا كيماويا تصدر حرارة - طاقة - كما يحدث في احتراق الكربون وتنفس الحيوان، وبعضها تمتص الحرارة وتدخرها كما يحدث عند تحول المواد الغذائية في الأجسام الحية، فإذا كانت كتلة الهلام أو الجرثومة في أثناء تفاعل مركباتها مع المركبات المتطرقة إلى داخلها تدخر حرارة تارة وتبثها تارة أخرى، اقتضى أن تكون لها حركة ذاتية بين تقلص وتمدد لتغير التوازن فيها، ومهما كانت الحركة بطيئة وبسيطة فإنما هي حركة. (2) سر الحياة في الكربون
अज्ञात पृष्ठ