وأما الحرية فقد نزع تقدم الحضارة منها في كل يوم إمكان بقائها، فقد أحيط الإنسان من مهده إلى لحده بشبكة من الأنظمة والقهر والالتزامات تستعبده مقدارا فمقدارا، وكل رفاهية أوجدتها الحضارة تؤدي إلى تعقيد في الحياة جديد، ومن ثم إلى تعبيد جديد. وفي كل يوم تعظم مجموعة النظم والقوانين التي تعطل آخر ما بقي من قوة المبادرة، ومن شأن انتصار الاشتراكية الحكومية إزالة كل أثر للحرية.
وفي اليوم الذي يحقق فيه الاشتراع الخيالي بأكداس من القوانين والأناظيم، يظهر واضحا ما بين مبدأ المساواة ومبدأ الحرية من تباين عظيم. •••
وما فتئ مبدأ المساواة بين أفراد الأمة الواحدة وبين مختلف العروق أيضا، يؤدي إلى كثير من الانقلابات.
فباسم هذا المبدأ على الخصوص اكتوت الولايات المتحدة بحرب الانفصال الأهلية التي اشتعلت لإلغاء الرق، وقد دامت هذه الحرب أربع سنين وكادت تقضي على تلك الجمهورية العظيمة، وفي ذلك الزمن البعيد قليلا على الخصوص عدت جميع العروق متساوية، ظلت الولايات المتحدة مفتحة الأبواب لأنواع المهاجرين، خلا الصينيين واليابانيين الذين يعملون راضين بأجور أقل من أجور العمال الأمريكيين، فيقومون بمزاحمة خطرة، لا لأنهم من عروق متأخرة.
ومما ذكرت سابقا أن مديري السياسة الأمريكية رجعوا اليوم عن مبدأ المساواة القديم بين الناس، فهم قد انتهوا إلى الاعتراف بان اختلاط العروق المتفاوتة، الذي لم تدرك أمريكة اللاتينية خطره بعد، كان مصيبة على الأمة لتحديد مستواها في الحضارة حتما، واليوم إذ اعترف عن تجربة بأن من المتعذر أن يمثل
1
ملايين الزنوج الثلاثة عشر الذين يقيمون بالولايات المتحدة، فإنهم عزلوا عن البيض تماما. •••
ومن الممتع كما هو واضح أن تعين الفروق التشريحية التي يشتق منها ما يفصل بين الناس من تفاوت نفسي، غير أن العلم لم يبلغ من التقدم ما يصل به إلى هذه المعرفة. ومع ذلك فإن من الثابت كما يظهر كون الذكاء في العالم الحيواني على نسبة ثقل الدماغ الموزون مباشرة أو المستنبط من حجم الجمجمة، وهكذا قضي بالبحث في أن نمو الذكاء في النوع البشري يكون على نسبة ثقل الدماغ.
وإذا أهمل كثير من الشواذ لاح ثبوت هذه النسبة على العموم. وقد أتيح لي سابقا أن أقابل في متحف باريس بين مجموعة من جماجم مشاهير الرجال، كبوالو ولافونتن وديكارت، إلخ، فوجدت أن حجم دماغهم كان يختلف عن حجم دماغ الرجل المتوسط، كاختلاف دماغ هذا الأخير عن دماغ القرد الكبير.
وبين الملاحظات التشريحية الممتعة التي جمعتها في مذكرة خاصة يبدو الأمر الآتي الذي ألمعت إليه في غضون هذا الكتاب، وهو أن أفضلية أحد العروق الحقيقية تقوم على حيازته عددا من أرباب الذكاء الرفيع لا تحوزه العروق الدنيا، ولو كتب النصر للبلشفية في بلد متمدن كبير فأدى ذلك إلى إهلاك جميع الأدمغة التي تجاوز المستوى المتوسط - كما وقع في روسية - لعاد هذا البلد إلى درجة منحطة من الحضارة في سنين قليلة.
अज्ञात पृष्ठ