نعم، إن القوانين تساعد على تثبيت العادات، غير أنها لا توجدها، ويجب على القانون لكي يكون مؤثرا أن يستوحي العادة لا أن يسبقها. •••
وتظهر العادات بين بواعث الأخلاق الحقيقية، أي: العلم الذي ينظم السلوك كما جاء في المعاجم.
وما انفكت الفلسفة منذ قرن تبحث في الأخلاق عادة إياها من المسائل الداخلة ضمن نطاق العقل مع عدم خضوعها له إلا قليلا جدا، وفي الأخلاق كان يتطرق وهم كبير إلى كنت الذي لا تزال نظرياته العقلية تسيطر على الدراسة الجامعية، وكان كنت يستنبط وجود حياة آخرة ووجود إله مجاز من ضرورة المكافأة على الفضيلة والمعاقبة على الرذيلة.
والحق أن القوانين الخلقية تقوم على ضرورات اجتماعية تفرض قوتها على جميع المجتمعات، ومنها المجتمعات الحيوانية، قواعد ثابتة قسرا، ما دامت هذه القواعد تمثل شروط الحياة في المجتمع.
وبما أنني عالجت هذه المسائل في كتاب آخر فإنني أكتفي بأن أذكر أن الأخلاق المؤثرة لا يمكن أن توجد إلا بعادات لا شعورية، تبقى مبادئ المزية وعدمها غريبة عنها تقريبا، فالرجل الذي يجد شيئا فيرده بعد كفاح باطني في آخر الأمر يعد صاحب مزية، ولكن مع اتصافه بخلق ضعيف، وهو إذا ما رد الشيء بغريزته عد صاحب خلق قوي، ولكن مع عدم اتصافه بأية مزية كانت.
ويجب أن يهدف تعليم الأخلاق إلى تثبيته حس الواجب في منطقة اللاشعور مهما كان الحال، لا أن يقوم على استظهار المبادئ العقلية التي يندر تأثيرها في سلوك الإنسان.
2
ويستلزم اكتساب مبدأ الواجب ذلك نظاما بالغ الشدة في البداءة، ويستقر هذا النظام في منطقة اللاشعور بعد معاناته بجهد، وهنالك يصبح عادة تزاول بلا مشقة ويوجه الإنسان في مجرى جميع حياته.
ومن الصواب قول أحد أرباب الصناعة المشهورين في ألمانية، هلفريخ: إن المدرسة والثكنة أوجبتا من عادات النظام والتدريب ما أسفر عن قوة ألمانية وما يؤدي إلى نهوضها السريع في هذه الأيام. •••
ويتألف من الدساتير الخلقية والعادات عوامل زاجرة قادرة على ردع الإنسان عن الإذعان لاندفاعاته الطبيعية التي هي دليل سلوكه. وتتجلى أفضلية المتمدن على المتوحش في كون الأول قد نال في نهاية الأمر مجموعة من ردود الفعل الزاخرة التي تعلمه أن يسيطر على نفسه وأن ينظم حياته على هذا الوجه.
अज्ञात पृष्ठ