والأمة إذا ما أضاعت استعدادها للجهد وقعت في انحطاط عميق.
وهكذا تجد الاشتراكية ضدها سننا اقتصادية كما تجد سننا نفسية، ومع ذلك فإنها تكون من القوة بنسبة الأوهام الوجدية التي تستند إليها؛ ولذلك لا ينبغي أن يدهش من انتشارها بسرعة، وتغزو الاشتراكية أمما مستقرة كالإنكليز بعد أن خربت روسية، ولم تستطع بلاد أخرى كإيطالية وإسبانية وبولونية أن تقي نفسها من تخريباتها إلا بدكتاتوريات فعالة.
وللشيوعية - القائمة نظريا على تساوي الناس في الرزق كما تقوم الاشتراكية - قوة دعاية أعظم مما لهذه الأخيرة؛ وذلك لاستنادها إلى ضروب الحسد والحقد الشديدين على شكل آخر.
وإذا عدوت تلك الأمثلة العظيمة البارزة، مكتفيا بتصفح تاريخنا الحديث، اعتقدت شأن المعتقدات السياسية على شكل ديني، وما كانت فرنسة ميدانا له من انقلابات منذ ثورتها الكبرى يؤلف أدلة مؤثرة، وتساعد هذه الانقلابات أيضا على شعور أكثرية الناس الساحقة باحتياج شديد إلى مثل ديني أو سياسي عال بالغ من القوة ما يثبت الأفكار ويوجه السير، وذلك على الرغم من شوقهم إلى الحرية.
وإذا كان كثير من النفوس يعيش مضطربا حائرا فذلك لأنه لم يجد بعد مثلا وجديا عاليا بالغا من القوة ما يسيطر عليها.
مبدأ توازن المعتقدات السياسية الجديدة والمعتقدات الدينية القديمة أمر أساسي، وهذا المبدأ وحده يستطيع أن يوضح انتشار بعض الحركات المناقضة على الخصوص لمقتضيات الاقتصاد في الزمن الحديث.
وتمثل الأديان القديمة دائما دورا مهما في حياة الأمم السياسية، على الرغم من الميل إلى استبدال مختلف المعتقدات السياسية بها، وقد شوهد ذلك عندما تمردت الألزاس على القوانين الخرق التي تؤذي معتقداتها الدينية، ولا يزال أقل المسائل اللاهوتية في إنكلترة قادرا على تحريك الرأي العام. ومن الأمثلة البارزة على ذلك ما وقع من مناقشات عنيفة في البرلمان البريطاني حول الاقتراح القائل بإدخال تغيير طفيف إلى كتاب الصلوات الرسمي. •••
ويخيل إلى رسل المعتقدات السياسية الجديدة المعدة للقيام مقام المعتقدات الدينية القديمة أن يدافعوا عن مبادئ كثيرة التقدم، مع أنهم في الحقيقة يعودون غالبا إلى أشكال من التطور الأدنى قطعت منذ زمن طويل.
وفي أثناء الثورة الفرنسية على الخصوص يوجد في القضايا الثورية كثير من المبادئ الرجعية، والواقع ماذا كان يطلب روبسبير وزملاؤه الغلاظ؟ كانوا يطلبون العود إلى نظم المجتمعات الابتدائية التي رأى أستاذهم جان جاك روسو أنها تقضي بالعجب كما افترض، مع أن هذه المجتمعات كانت تؤلف من وحوش لا أثر للحضارة فيهم، وما يطلب الشيوعيون اليوم غير الرجوع إلى أشكال من التطور تركت منذ أزمنة التاريخ الأولى، فعادت لا تراعى من قبل أناس غير القبائل الدنيا؟ •••
وما بين مقتضيات الاقتصاد والأوهام السياسية ذات الشكل الديني من تناقض لم يبصره المؤمنون قط، وكنا قد لاحظنا أن ما في المعتقدات السياسية ذات الشكل الديني من قوة عظيمة يقوم على عدم الاكتراث لما تستلزمه حياة الأمم من شروط حقيقية، ويلوح أن هذه الأوهام قد تصورت لموجودات مفتعلة خالية من الهوى والإرادة، معدة لاتباع سبل متماثلة من المهد إلى اللحد.
अज्ञात पृष्ठ