وأول ما أوجبه هذا الإصلاح هو كفاح بسيط ضد مساوئ الإكليروس، كبيع المغفرة مثلا، ولكنه لم يلبث أن تحول بالعدوى النفسية والاضطهاد إلى معتقد كان من القوة ما لم يقدر أي نكال على وقف انتشاره، وعلى العكس كان كل قتل يؤدي إلى اعتناق جديد.
وقد انتشر الإصلاح الديني على الرغم من جميع التدابير الإرهابية، فأصبحت فرنسة ميدانا لاصطراع المعتقدات المتخاصمة مدة خمسين سنة.
ولا مثال أحسن من ذلك يدل على مقدار استطاعة الذاتيات المذبذبة التي يؤلف منها كل موجود أن توجد بفعل الوجدية شخصية جديدة بالغة من الثبات ما لا يقدر على تغييره أي عامل، سواء أكان المصلحة الذاتية أم غريزة البقاء أم الخوف من الألم. •••
وهل من الممكن أن يفرض وجود أمة مجردة من معتقدات دينية؟ لم يعرف العالم أمة من هذا النوع بعد، ولن يرى مثل هذه الأمة على ما يحتمل، فالاحتياج الوجدي إلى دين موجه مثبت أمر لا تبديل له.
والتقبل الديني لم ينقص نقصا محسوسا في غضون القرون على الرغم من بعض الظواهر، فالبابية في فارس، والعدمية والبلشفية وديانة سكبزكي في روسية، والعلم النصراني والمرمونية في الولايات المتحدة، أمثلة جديدة دالة على القوة الخارقة التي يستطيع أن ينعم بها المعتقد على المؤمنين مهما كان هذا المعتقد مخالفا للصواب.
وبما أنني لا أدرس مختلف الأديان هنا فإنني أقتصر على تلخيصي في بضعة أسطر تاريخ المرمونية التي هي من أحدث الأديان، فأقول: إنها أقيمت من قبل متهوس كان يزعم أنه تلقى من السماء، تلقيا خارقا للعادة، كتابا مقدسا مشيرا إلى دين جديد، فجمع بفعل قوته التلقينية أتباعا زاد عددهم باطراد، وإن هؤلاء المؤمنين الذين اضطهدتهم كتائب مسلحة وأمعنت في تقتيلهم اضطروا إلى الفرار من ظالميهم، وإنهم طوردوا مئات الكيلومترات فبلغوا في آخر الأمر بقعة «البحيرة المالحة» الصحراوية حيث كف أعداؤهم عن تعقبهم، وتمضي بضع سنين فتحول الصحراء الجليدية بقوة الإيمان الجديد، وتخرج من العدم مدينة كبيرة لم تعتم أن صارت قاعدة مهمة لولاية جديدة، واليوم تعد أوتاه قسما من الولايات الثماني والأربعين التي تتألف منها جمهورية الولايات المتحدة.
وما كانت أية جماعة تسير بالعقل وحده لتنجح على ما يحتمل في إخراج بقعة رخية من الصحراء كما صنع أولئك المؤمنون الذين أيدوا بمعتقدات وهمية مبدعة لقواهم.
وتمارس جميع المعتقدات الدينية - ولا سيما في بداءتها - ذات النفوذ المسيطر على روح المؤمنين، ومن هذه المعتقدات ما هو كمعتقد السكبزكي بروسية، حيث ظفر من أتباعه بأقسى بتر، ولا ترى دينا أعوزه شهداء. •••
ومع ذلك فإن الآلهة الذين كانوا يسيطرون على العالم منذ أوائل التاريخ أضاعوا، حتى لدى المؤمنين، ما كان خيال الأمم ينعم به من سلطان كبير، وكان العالم القديم يؤله قوى الطبيعة، فجعلهم العالم الحديث غير شخصيين، ووفق لاستعبادهم مقدارا فمقدار، وكان على الإنسان أن يطيع الآلهة القابضين على هذه القوى وفق المبدأ القديم، فصارت القوى الطبيعية تطيع الإنسان وفق المبدأ الحديث، وقد وجب مرور ألوف كثيرة من السنين لإقامة هذا التمييز الذي يشتق منه جميع الفلسفة الحديثة.
الفصل الرابع
अज्ञात पृष्ठ