विको के इतिहास का दर्शन
فلسفة التاريخ عند فيكو
शैलियों
وتأكيدا لمبادئ هذه الجغرافيا الشعرية يدلل فيكو عليها بأن كثيرا من الأفكار والشخصيات الإغريقية انتقل إلى منطقة اللاتيوم، وذلك طبقا لمسلمته الأساسية أن هناك مستعمرة إغريقية على سواحل اللاتيوم، ويثبت تاسيتوس ذلك بأن الحروف اللاتينية هي نفسها الحروف الإغريقية المبكرة قبل تطورها. وهكذا انتقلت أسماء أبطال الإغريق مثل هرقل وإيفاندر وأينياس ... إلخ إلى اللاتين الذين تبنوها واستبدلوا بها أسماء أبطالهم الأصليين، وهنا يذكر فيكو ملحوظة هامة عن عادات الشعوب، وهي أن الشعوب في عصور بربريتها تعتز بعاداتها وأبطالها، ولكنها في حالة تمدنها تنسب نفسها إلى أصول أجنبية مثلما استبدل الرومان هرقل البطل الإغريقي باسم مؤسسهم الأصلي فيديوس
Fidius .
تعقيب
حاول فيكو في الحكمة الشعرية إثبات النشأة الشعرية للشعوب الأولى، فأكد أن التاريخ بدأ بداية شعرية - كما بينا في مطلع هذا الفصل - فكان الشعراء أول من تغنى بأحداث التاريخ، ولأن الحكمة الشعرية هي الأصل في كل العلوم والفنون فقد اهتم فيكو بنشأة هذه العلوم، ولكن تطبيقه لقانون التطور لم يكن دقيقا في كل المواضع، كما في الفصول التي كتبها عن الفيزيقا والكونيات والفلك والتأريخ والجغرافيا؛ إذ حشدها بتفاصيل كثيرة من الأساطير اليونانية والرومانية التي أضاعت المعالم الرئيسية لفكرته، وانصب اهتمام فيكو في هذه الفصول على كيفية نشأة هذه العلوم نشأة دينية وهو ما يطابق المرحلة الأولى من مراحل تطور التاريخ، ولم يهتم بتطبيق القانون على المرحلتين البطولية والبشرية بحيث يمكن القول بأن العلم الجديد علم لم يكتمل بعد، وأن فيكو أسسه ووضع مبادئه وأرسى منهجه وترك للأجيال القادمة مهمة تطبيقه كل على حضارته.
وفي الجانب الآخر اهتم فيكو بتطبيق قانون التطور في الفصول الخاصة بالميتافيزيقا والمنطق والأخلاق والاقتصاد والسياسة، وقدم فصلا جيدا عن المنطق الشعري، ووضع نظرية هامة وطريفة في تطور اللغات والحروف أكدها بالتحليلات اللغوية للشعوب الأولى، وكما قدم تحليلا لبنية الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع البشري، فقد قدم أيضا تحليلا للصراع الطبقي الذي نشأت عنه المجتمعات البشرية الأولى، وفي هذا سبق للماركسية كما سنرى في الباب الأخير من هذا البحث.
وقد انتهى فيكو إلى أن الحكمة الشعرية كانت أساسا لكل العلوم والفنون، وأنها تطورت جنبا إلى جنب مع تطور المجتمعات وتطور العقل البشري، فبدأت بداية دينية ثم بطولية وانتهت إلى حكمة بشرية ألا وهي حكمة الفلاسفة؛ فالحكمة الشعبية قد بدأت - مع الشعراء اللاهوتيين الأول - بالأساطير والحكايات الخرافية. ومعنى هذا أنها لم تكن حكمة فلسفية كما انتهى إلى ذلك بعض الباحثين الذين مجدوها وارتفعوا بها فقالوا بالحكمة الفذة للقدماء؛ إذ إن الأمم الأولى (كما أكد فيكو وكما بينا في هذا الفصل) صورت في قصصها الخيالية وأساطيرها بدايات العلوم في صورة خشنة وبلغة الحواس المباشرة إلى أن جاء العلماء بدراساتهم المتخصصة وتناولوا تلك الأساطير والحكايات تناولا عقليا، ومن هذا كله ننتهي إلى أن الشعراء اللاهوتيين كانوا يمثلون حواس الحكمة البشرية كما كان الفلاسفة يمثلون عقلها.
34
هكذا كانت حكمة هوميروس التي اهتم بها فيكو اهتماما خاصا وأفرد لها كتابا من كتب «العلم الجديد» حاول فيه اكتشاف حقيقة شخصية هوميروس التي اختلفت حولها آراء الباحثين، وسواء كانت هذه الشخصية حقيقة تاريخية أو أسطورية فإنها عبرت عن الشخصية اليونانية أو هي مثال للعقلية اليونانية؛ ولذلك وصفه أفلاطون وأرسطو بأنه مؤسس المدنية الإغريقية محاولين إثبات أن حكمة هوميروس هي من قبيل الحكمة الفلسفية المستورة. وحاول فيكو أن يثبت خطأ هذا الرأي ويبرهن على رأيه بشواهد من ملحمتي هوميروس (الإلياذة والأوديسة) ليثبت أنه ليس فيلسوفا وأن حكمته ليست من نوع الحكمة الفلسفية، ولكنها حكمة شعرية؛ لأنها في الأصل حكمة شعبية مستمدة من البيئة اليونانية، وما كان هوميروس إلا مترجما لعادات وصفات هذه البيئة، كما أن شعره شعر بطولي لأنه عاش في عصر بطولي له صفات معينة؛ لذلك جاءت الإلياذة تحمل كل صفات المجتمع البطولي ممثلا في شخصية أخيل، وليست حكمة هوميروس بالحكمة الفلسفية كما يزعم أفلاطون وأرسطو ؛ لأنه كان رجلا بسيطا من عامة الشعب وأشعاره لم يظهر فيها أي أثر للعقل، ويتضح هذا في الإلياذة حيث تتصرف شخصيات هوميروس مدفوعة بعواطفها ولا تفكر تفكيرا عقلانيا، وهو بذلك يعبر عن صفات المجتمع اليوناني وأفراده في ذلك الحين.
وكما يقول لونجينوس
Longinus
अज्ञात पृष्ठ