विको के इतिहास का दर्शन
فلسفة التاريخ عند فيكو
शैलियों
ويتناول الباب الثاني قانون تطور الأمم، وقد أفردنا الفصل الأول لقانون تطور الأمم وبينا كيف أنه قانون يحدد المراحل الثلاث التي مر بها تاريخ الأمم الأممية (وهي الأمم الوثنية)، ثم انتقلنا إلى الفصل الثاني وعرضنا تطبيق هذا القانون على المسار الأول للأمم الأممية في ضوء الحكمة الشعرية خاصة في الحضارتين اليونانية والرومانية، ثم تطبيقه على المسار الثاني للأمم في العصور الوسطى الأوروبية. وبنهاية الباب الثاني نكون قد عرضنا منهج فيكو ومذهبه عرضا مستفيضا، وتعاطفنا مع فكره إلى حد كبير، واقتربنا منه حتى يتسنى لنا فهم مذهبه فهما صحيحا. وربما نكون بذلك قد عملنا بنصيحة فيكو نفسه للباحثين في التاريخ بألا يسقطوا ثقافة عصرهم على فكر العصور القديمة، واستجبنا إلى دعوته لهم بالتعاطف الوجداني مع فكر القدماء لكي يفهموا ما كان يدور في عقولهم. وهذا ما حاولناه في البابين الأول والثاني. وقد وجدنا من الضروري أن نبتعد في الباب الثالث قليلا عن هذا المذهب لنتمكن من تقييمه، ورأينا أن نفرد هذا الباب لنظرية المعرفة التاريخية وأثرها، فقدمنا في الفصل الأول تقييما وتحليلا لنظرية المعرفة التاريخية انطلاقا من مبدأ فيكو الأساسي في المعرفة؛ وهو أن «الإنسان لا يعرف إلا ما يصنعه بنفسه.» وقد وقفنا عند هذه النظرية لإلقاء الضوء على جوانبها المختلفة ومضمونها الاجتماعي والتاريخي، وقد كان من الطبيعي أن نعرض لموقف فيكو من فلسفة عصر التنوير الذي عاش فيه، فأوضحنا أن مفهوم التقدم عنده يختلف إلى حد كبير عنه عند فلاسفة هذا العصر، ثم انتقلنا في الفصل الثاني من هذا الباب إلى بيان أثر نظرية المعرفة التاريخية على أهم فلاسفة التاريخ الذين جاءوا بعده ومن أهمهم هردر وكونت وماركس. وأخيرا بلورنا الرؤية الكلية للبحث في خاتمة قدمنا فيها تقييما للأفكار الأساسية العامة في مذهب فيكو، وهي الأفكار التي وردت في ثنايا البحث، أما عن بعض التفاصيل الجزئية فقد عقبنا عليها أثناء عرضها في ثنايا الفصول، ورأينا أن نتناولها في موضوعها حتى يكون التقييم النهائي للبحث منصبا على الأفكار الرئيسية واستخلاص أهم النتائج التي أمكننا التوصل إليها.
وأخيرا نقول لعل أهمية فيكو تكمن في أنه يعد بحق أحد آباء الوعي التاريخي في وقت كان فيه الضمير الأوروبي في حاجة إلى هذا الوعي، ولما كنا، نحن العرب، نمر بمرحلة تشتد فيها حاجاتنا إلى الوعي التاريخي لإدراك دورنا في التاريخ المعاصر وتوجيه خطانا من التمزق إلى الوحدة ومن الغيبوبة إلى الوعي، فما أحوج أمتنا العربية - في مرحلتها الراهنة - إلى هذه الدراسات، وعسى أن يكون هذا البحث مساهمة متواضعة في إيقاظ وعينا التاريخي وتوجيه خطانا نحو التقدم والمشاركة الفعالة في الحضارة الإنسانية.
الباب الأول
أصول العلم الجديد
الفصل الأول
مدخل إلى فلسفة فيكو وعصره
(1) حياة فيكو ومؤلفاته
جامباتيستا فيكو
Giambattista Vico
مؤرخ وفيلسوف إيطالي ولد في نابولي في 23 يونيو عام 1668م في حجرة متواضعة فوق مكتبة يملكها والده، نشأ في أسرة رقيقة الحال؛ فكان والده ابنا لفلاح نزح إلى نابولي عام 1656م، وكانت أمه ابنة صانع عربات كما كانت هي الزوجة الثانية لأبيه. كان جامباتيستا هو الطفل السادس لأسرة مكونة من ثمانية أطفال، التحق في سن مبكرة بمدرسة الآباء اليسوعيين وفيها درس اللغات القديمة، وخاصة اللاتينية وبعض اليونانية، كما درس الآداب والبلاغة والفلسفة والمنطق واللاهوت والتشريع، وخاصة التشريع الروماني، بالإضافة إلى ما حصله من فترات اعتكافه في مكتبة والده.
अज्ञात पृष्ठ