تقاليد قومه الضالة، وترديدهم دائما قولهم:
إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون . (2)
طائفة تنحط عن مستوى تلك التقاليد والنظم والعادات، فلا ترعى لها حرمة، ولا تعترف لها بوجود، فهم في نضال معها يصيبون منها وتصيب منهم، حتى يهووا إلى الحضيض. وهؤلاء هم في الحالات المتطرفة المجرمون. (3)
هاتان الطائفتان هما الأقل عددا، وبجانبهم الطائفة الأخرى، وهم الذين يخضعون للأمة وتقاليدها، فلا يعدلون منها إلا بمقدار. وهؤلاء هم العاديون الذين يتكون منهم معظم الأمم والشعوب. (ج) الموازنة بين البيئة والوراثة
غلا بعض العلماء وزعموا أن الوراثة هي يد القدر، وأن ليس للبيئة أمامها من أثر يذكر. كما غلا آخرون وقالوا: إن ما يشاهد من تكمل في الأخلاق ليس له أسباب وراثية مطلقا، وإن كل ذلك أثر البيئة.
من الأولين «شوبنهور» الفيلسوف الألماني الذي يقول: «كل امرئ يسير بطبيعته الذاتية الثابتة التي لا تتحور، وإن ما به من طباع وغرائز كامن في نفسه كمونا راسخا لا يتحول»، وغيره الذي يرى أنه «بالوراثة يقدر على الإنسان نوع نفسه من يوم ولادته، وبها تصاغ أخلاقه، وبها تحدد بنيته، وبها يعين مقدار عقله، وأهم ما يساعد على رقي النوع الإنساني هو إصلاح الوراثة بإصلاح الانتخاب بين الزوجين، ومنع التوالد بين من لا يصلحون للإنتاج طبيعيا أو خلقيا.»
هكذا ذهب هؤلاء، وربما وجدوا في الأبحاث الخاصة بالإجرام والمجرمين ما يعضد ما ذهبوا إليه، فقد عني الدكتور «هكسون»، مدير معهد الأبحاث النفسية بشيكاغو، بفحص أحوال وظروف نحو أربعين ألفا من المجرمين، وكانت النتيجة أنه وصل إلى أن عوامل الوراثة أشد أثرا من عوامل البيئة، فالإجرام في رأيه شيء محتم لمن ولد من أبوين مجرمين، لا لمن يعيش في بيئة مجرمة، فكثيرا ما ينجو هذا من ذلك الداء الوبيل. ومن الحالات التي بحثها حالة طفل تبناه أحد أغنياء شيكاغو وعلمه التعليم العالي وحاطه بكل صنوف الرعاية، ولكنه نشأ لصا كبيرا رغم البيئة الفاضلة التي نشأ فيها، وظهر أن الوراثة هي صاحبة اليد في هذا المصير، فقد كان أبوه سكيرا وأمه عاهرا.
أما الآخرون أنصار البيئة فيرون أن ما يشاهد من تكمل في الأخلاق ليست له أسباب وراثية مطلقا، وأن كل ذلك من أثر البيئة، وفي ذلك يقول أحدهم: «إن الطبيعة لا تكون من عندها أخلاقا وغرائز، بل ما قد يكون منها فهو طارئ عليها من الولادة»، إلى أن يقول: «وعليه يتعذر اعتبارها فطرية متوارثة.» وقد يشهد لهذا الفريق نجاح كثير من المربين في اجتناب الأخلاق القبيحة وغرس الأخلاق الفاضلة في حالات كثيرة نشاهدها في كل حين.
والرأي الحق أن نقول بإجمال: إن لهذين العاملين الأثر كله في تكوين عادات الإنسان وأخلاقه، فالوراثة تمده بالغرائز والميول والاستعدادات المختلفة، والبيئة تميل به لناحية الخير أو الشر بما تتيحه له من فرص ومناسبات، أما أن نوازن بينهما، فنعرف بالدقة أثر كل منهما في تكوين الإنسان أدبيا وعقليا، فهذا مستحيل أو على الأقل لم يصل إليه العلم للآن.
والآن، وقد فرغنا من الكلام على عوامل تكوين الخلق في الإنسان، وبينا موقف المربي حيالها، ننتقل إلى ما يعتبر نتيجة طبيعية لما سبقه، وهو طرق وأساليب تكوين الأخلاق. (4) أساليب تكوين الأخلاق
अज्ञात पृष्ठ