للباحثين طرائق متعددة في تقسيم الفلسفة، فبعضهم يقسمها باعتبار الغاية منها إلى فلسفة نظرية غايتها المعرفة والعلم فحسب، وفلسفة عملية غايتها العمل والعلم وسيلة له، والمنطق مقدمة لا بد منها للبحث في هذا الضرب أو ذاك، والقسم الأول يشمل الفلسفة الإلهية أو فلسفة ما بعد الطبيعة، والفلسفة الرياضية والفلسفة الطبيعية، والقسم الثاني يشمل فلسفة الأخلاق والفلسفة المنزلية والفلسفة السياسية أو المدنية. وبعضهم يقسمها باعتبار موضوع البحث الذي هو الله أو العالم أو الإنسان، فتكون لذلك أقساما ثلاثة، هي: فلسفة ما بعد الطبيعة، وموضوعها الخاص الله وسائر ما لا يدركه الحس عامة، والفلسفة الطبيعية، وموضوعها العالم وما يشمل من الأشياء التي تقع تحت الحس وإدراكه، والفلسفة الإنسانية وموضوعها الإنسان من نواحيه النفسية المعنوية المختلفة، وتشمل علم النفس والأخلاق والمنطق.
وربما كان منشأ تسمية بعض أقسام الفلسفة ب «ما بعد الطبيعة» أن الذين رتبوا مؤلفات أرسطو جعلوا ما كان خاصا منها بالإلهيات ونحوها بعد ما كان خاصا بمباحث الفلسفة الطبيعية؛ ومن ثم نجد ابن خلدون يقول عن علم الإلهيات، وهو فلسفة ما بعد الطبيعة: «وهو تال للطبيعيات في ترتيبهم؛ ولذلك يسمونه علم ما وراء الطبيعة.»
6
هذا، والتقسيم على النحو الأول هو جوهر تقسيم أرسطوطاليس، وعلى النحو الثاني تقسيم بعض الفلاسفة والمفكرين المحدثين، وقد استوحى المسلمون في تقسيمهم الفلسفة تقسيم أرسطو فجعلوه أساسا لهم، وما يوجد بينهم وبينه في هذه الناحية من اختلاف يسير أو كبير، فمرجعه إلى ما تأثرت به الفلسفة اليونانية في طريقها للمسلمين من اعتبارات، وما أضيف إليها من فروع وبحوث.
والذي يرجع إلى «مبادئ الفلسفة القديمة» للفارابي، و«تسع رسائل» لابن سينا، و«مفاتيح العلوم» للخوارزمي، و«المقدمة» لابن خلدون، و«كشاف اصطلاحات الفنون» للتهانوي؛ يرى أن الفلاسفة والمفكرين المسلمين بعد أن تكلموا في الفلسفة وتقسيمها اختلفوا في المنطق ومكانته من الفلسفة، هل هو مقدمة لها، أو جزء بين الفلسفة النظرية، أو جزء ثابت يبحث فيه من حيث إنه ناحية مستقلة لا آلة للعلوم؟
ومهما يكن من خلاف في تقسيم الفلسفة إلى أصول وفروع قد يتداخل بعضها في بعض، فإنه مما لا ريب فيه أن مما تبحث فيه الفلسفة تفكيرنا وإرادتنا وعواطفنا وإحساساتنا ومشاعرنا وسائر قوى الإنسان المعنوية، وذلك موضوع علم النفس،
7
ثم أفكارنا وإرادتنا تتجه إلى غايات لها، والعلم الذي يدرس هذه الغايات هو الأخلاق. والتفكير في بحثه عن الحقيقة يتبع طريقة معينة، فدراسة هذه الطريقة هو المنطق. وهذه الفروع الثلاثة، أي علوم النفس والأخلاق والمنطق، هي ما يكون العلوم النفسية، لأن كل واحد منها يتناول الجانب النفسي المعنوي في الإنسان من ناحية خاصة: علم النفس من ناحية ما فيه من قوى التفكير والإرادة والعواطف والمشاعر ونحوها، والأخلاق من ناحية توجه أعماله الإرادية إلى ناحية الخير ووضع قواعد لها، والمنطق من ناحية قيادة فكره ووضع قواعد تعصمه من الخطأ حين يبحث للوصول عن الحقيقة.
8
والخلاصة بعد ما تقدم من بيان أن لنا أن نقرر أن علم الأخلاق فرع من فروع الفلسفة الإنسانية أو النفسية، الشاملة له ولعلم النفس والأخلاق، والتي هي قسم من أقسام الفلسفة العامة. فمكانة علم الأخلاق إذن من الفلسفة هي مكانة الجزء من الكل، فهو غصن الدوحة الوارفة الظلال التي تؤتي أكلها كل حين، وتفيد الإنسانية فائدة لا يقدر قدرها. (5) صلة علم الأخلاق بغيره من العلوم
अज्ञात पृष्ठ