إنني وإن كنت أعتقد أن تعدد الزوجات يوافق الرجال أكثر مما يوافق النساء أحسبه شيئا لا يخلو من الطرافة والغرابة، ولست من الطفولة بحيث يخفى علي أن كواكب الصور المتحركة يعشقهم كثير من النساء ويعلمن - وهن يعشقنهم - أنهن لا يسيطرن على قلوبهم ومشيئتهم، ومهما يكن رأيك مثلا في «إيرول فلن» فإنك لن تجهل الواقع الذي لا شك فيه من أمره، وهو أن كثيرا من النساء يقبلن الشركة فيه، نعم، ليس كل الرجال في وسامة إيرول فلن، أو فكتور ماتيور، أو فان جونسون، أو كلارك جابل، ولكن الرجال الذين لهم نصيب من الوسامة والقسامة كثيرون في كل مكان، فلماذا لا تشترك في قربهم عدة نساء؟ إنهن ينفردن في الحجرات متى كبر الأطفال، وتتقدم السنون فتبرد حرارة الشباب، وتهدأ مرارة الغيرة، ولا يبعد أن يجد هؤلاء الشريكات مواطن للتسلية والمقارنة في التحدث عن ذلك الرجل الذي ارتبطن به جميعا برابطة الزواج ... ولقد عشت معظم أيامي في ضاحية مدينة كبيرة فلا أحسب صديقاتي إلا مستغربات عاتبات لو أصبح من حظي غدا ان أكون واحدة من هؤلاء الزوجات المشتركات، ولكن هب الرجل كان مليح الشمائل، قادرا على إيوائنا جميعا؛ ألا يخطر لك أن اللاغطات بحديث زواجي يلغطن إذن من الغيرة لا من الإنكار؟ (راجع العدد 665 من مجلة الرسالة سنة 1946).
ومهما يكن من إحساس المرأة لمشاركة الضرائر في زوجها فهو من أحاسيس الحياة الطبيعية التي تحدث في الزواج وفي غير الزواج، وليس هو بأقسى من مهانة العمل، أو مهانة الحاجة، أو مهانة الدمامة، أو مهانة الغيرة اليائسة، أو مهانة الابتذال، وليس في وسع الشرائع أن تزعم أنها تعفي النساء أو الرجال من أمثال هذه العوارض والمنغصات.
ولتصنع الشرائع ما تصنع من ضروب التحريم والتحليل، فلا مناص للمرأة ولا للرجل على السواء من مواجهة الحياة بمسراتها ومنغصاتها، ومن قبول ما لا يقبل، والرضا بما لا يرضي في حالة القدرة والاختيار.
وهل يخطر على بال أحد أن عشرة مرءوسين يتنافسون على إرضاء رئيس واحد أيسر أو أندر من حالة امرأتين يتنافسان على مرضاة زوج؟ وهل لا يحدث في الحياة أن خمسة أبناء يتنافسون على حنان أب أو أم في أسرة واحدة؟ وهل يندر في الدنيا تنافس الساسة على كسب الجماهير، أو تنافس العلماء والمصلحين على كسب الأنصار والمريدين؟
أما المسوغات لتعدد الزوجات فكثيرة؛ ترجع تارة إلى خصائص الطبيعة، وتارة إلى ضرورات المعيشة الاجتماعية.
فالرجل يؤدي وظيفة النسل طوال أيام السنة ولا تؤديها المرأة وهي حامل زهاء تسعة شهور.
والرجل يلد بعد الستين وقد يلد بعد السبعين، وقلما تلد المرأة بعد الخامسة والأربعين أو الخمسين.
ويستقل الرجل بمعاشه ولا تستقل المرأة به، ولا سيما في أثناء الحمل والرضاع وتربية الأطفال.
وقد تقرر من إحصاءات الأمم أن عدد النساء يربى على عدد الرجال في أوقات السلم فضلا على أوقات الحروب.
وأول ما تستلزمه هذه الخصائص الطبيعية أن يدخل تعدد الزوجات في حساب الشرائع وحساب المجتمعات البشرية.
अज्ञात पृष्ठ