इंग्लिश दर्शनशास्त्र सौ सालों में (भाग एक)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
शैलियों
72
وعلى الرغم من أن ظل هيجل كان يختفي وراء منطق برادلي بدوره - ولكن من مسافة أبعد وبوضوح أقل - فقد اعترف برادلي بأنه كان مدينا للوتسه أولا، ومن بعده لزيجفارث وغيره من المناطقة الألمان؛ فبفضلهم استطاع أن يرد بحجة قوية مضادة على النزعة النفسية لدى المناطقة التجريبيين الإنجليز. وكانت مهمته الأولى هي إعمال معول الهدم في أسس هذه النزعة بكشف زيف الأساس النفسي للمنطق التجريبي، أعني فكرة الترابط، التي تكون المعرفة بالنسبة إليها ربطا بين عناصر عقلية لها طابع فردي مفكك. فهو هنا يتساءل: كيف يتسنى لواقعة منعزلة لا تكاد تظهر حتى تختفي، أن تكون هي مناسبة عودة ظهور شيء كان ماثلا (
a presentation )؟ وما هو نوع العناصر التي تربط معا في الإدراك الحسي على نحو يجعل عودة ظهور أحدها في الوعي مؤديا إلى الإتيان معه بالباقين؟ إن ما يأتي من جديد في الوعي لا يمكن أن يكون هو نفس ما كان فيه من قبل، وكل عنصر في الذهن يحمل في ذاته نوعا من الجدة؛ إذ إنه يدخل في علاقات جديدة، وبذلك يتغير طابعه، حتى لو كان المظهر الوحيد لذلك التغير هو تلك النقطة الزمانية الجديدة التي عاد فيها إلى الظهور. أما ارتباط محتويات العناصر الماثلة (
presentations ) فينبغي أن يرتكز على شيء مشترك أو متماثل في هذه المحتويات، ولا يمكن أن يحدث بين جزئيات خالصة زائلة. ومن هنا وضع برادلي قضيته القائلة إن كل ارتباط إنما يحدث بين كليات، وقد اعترف برادلي بأنه كان يدين لهيجل بهذه الفكرة الهامة، الكفيلة بهدم كل المذهب الترابطي ابتداء من هارتلي وهيوم حتى مل «وبين»، كما اعترف بأنها هي التي أخذت بيده من الظلمات إلى النور. والواقع أننا لا نكاد نستطيع الآن، بعد أن تعودنا تماما على هذه الفكرة بفضل جهود المفكرين الهيجليين خلال عشرات السنين، أن ندرك دلالتها بالنسبة إلى المرحلة التي كان علم النفس والمنطق الإنجليزيين قد بلغاها عندئذ. ويكفي أن برادلي، عندما نشر الطبعة الثانية من «مبادئ المنطق» بعد فترة دامت حوالي أربعين عاما، قد رأى أن أي نقد آخر لخصومه السابقين إنما هو لغو لا داعي له، واكتفى، في إشارته إلى بعض المتشبثين المتأخرين بالمعسكر التجريبي، بقوله: «دع الموتى يدفنون الموتى.»
73
وإن كتاب برادلي ليختلف، حتى من حيث المظهر الخارجي، عن البحوث المألوفة في المنطق، فهو ليس منطقا صوريا ولا رياضيا ولا تجريبيا، وإنما هو بحث أصيل إلى أبعد حد، شخصي تماما، في قوانين الفكر والصور المنطقية. وهو موجه أساسا وبعنف ضد منطق التجريبيين، ويرجع تأثيره التاريخي إلى أنه قضى على التأثير القوي لمنطق مل، وأبعد تعاليمه عن الميدان عشرات متعددة من السنين، إلى أن حدث، في وقت قريب جدا، رد فعل بطيء لصالح مل إلى حد ما. وأفضل ما يوصف به منطق برادلي هو أنه منطق ميتافيزيقي، بمعنى أن للمسلمات الميتافيزيقية تأثيرها الفعال فيه، أو أنها على الأقل تكون أساسه الخفي، ولكنه لا يناظر إلا على نحو عام ذلك النوع من المنطق الذي يتجلى بأنقى صوره في هيجل، والذي لا تربطه به إلا نقط التقاء متفرقة، والذي نادرا ما استخدم ماهيته، وهي الديالكتيك، إذ تجنب تماما الارتقاء الديالكتيكي من مقولة إلى أخرى، وفضلا عن ذلك فإن علاقاته بالمذهب الأرسطي التقليدي في المنطق سطحية إلى حد ما، وذلك على الرغم من أنه مبني جزئيا على نتائجه، فهو يتخلى عمدا عن فكرة التصور، وينقد فكرة القياس بقسوة.
وفي مقابل التقسيم الثلاثي المألوف للبحث المنطقي إلى تصور وحكم أو تصديق واستدلال، يقتصر برادلي على الأخيرين، وهو يبدأ بالحكم لأنه يرى أن الحكم - لا التصور - هو الصورة المنطقية الأولى أو الوحدة الأصيلة للفكر، وهو يعلن منذ البداية أن الحكم لا يمكن أن يكون ربط فكرة بإحساس أو بفكرة أخرى، على أساس أن العوامل النفسانية لا دخل لها في هذا الأمر، وإنما الذي يهمنا في الحكم معناه، ومضمونه الفكري الكلي، الذي يختلف اختلافا أساسيا عن أية حادثة أو واقعة ذهنية. فالمعنى أو الفكرة المنطقية يظل على ما هو عليه مهما تغيرت المعطيات، وهو ذلك الجزء من مضمون الوعي، الذي أوقفه الذهن وأخرجه بالتالي من مجال الزمان. وعلى حين أن الحادثة الذهنية جزئية فريدة موجودة واقعيا، فإن المعنى لا ينتمي إلى مجال الوجود الفعلي على الإطلاق، وإنما هو فكري كلي. وهكذا فإن نظرية برادلي المنطقية إنما هي محاولة لإيجاد انفصال واضح بين المجالين المنطقي والنفسي، بين العوامل الفكرية الأولية من جهة، وبين الوقائع البحتة للتجربة المعرفية من جهة أخرى، والفكرة الرئيسية فيه هي أن من المستحيل قيام حكم أو أية صورة أخرى للمعرفة ما لم يوجد عامل يظل في هوية مع ذاته طوال تغير الوقائع وصيرورتها. كل هذا يعبر عنه برادلي في تعريفه المشهور للحكم، وهو التعريف الذي أثار جدلا كثيرا، والقائل إن الحكم هو «الفعل الذي يحيل مضمونا فكريا (يعترف به بما هو كذلك) إلى واقع متجاوز لذلك الفعل.»
74
فكل حكم ينطوي بالضرورة على مثل هذه الإحالة أو الإضافة، وكل إضافة تفترض مقدما، إلى جانب الطرفين المضافين، وحدة تجمعهما سويا. وهكذا يؤدي نقد فكرة الترابط إلى مذهب خاص في الحكم.
ولكن على الرغم من كل انتقادات برادلي للنزعة النفسية، فإنه هو ذاته لم يسلم منها؛ ذلك لأنه عرف الحكم تارة بأنه فعل، أي بأنه شيء ذهني، وتارة أخرى بأنه ما يقصده الفعل أو يعنيه، أي القضية المنطقية، ومثل هذا الإخفاق في الفصل بما فيه الكفاية بين المنطق وعلم النفس، يحول دون إدراجه ضمن ممثلي المنطق الخالص، ولقد كان تأرجحه بين الموقفين هو النقطة التي تركزت عليها انتقادات خصومه، وأولهم كوك ولسن
अज्ञात पृष्ठ