Daniele Castellani Perelli
ترى سيلا بن حبيب، أن حضور الإسلام في الفضاء العام لا يتعلق بالضرورة بزيادة التدين في صفوف الساكنة - ولو تغير مستوى الرؤية - وأن ما نشاهده هو ظاهرة عالمية حولت الإسلام، ف «الإسلام الذي واجهه أتاتورك هو إسلام الخلافة»، أما السلطان في إمارة عثمان، فكان خليفة لجماعة مسلمة سنية (فيما يشبه البابا عند الكاثوليكيين). ومع انهيار الإمبراطورية العثمانية، فقد السلاطين هذه الوظيفة وهذه الصفة، والتي تحولت في مصر مع «شيخ الإسلام»، الزعيم الديني الرئيسي للمسلمين السنيين. ويمثل هذا النوع من الإسلام خليطا من المذاهب الدينية والتسيير السياسي.
تقرب أتاتورك من المؤسسات التعليمية غير العلمانية؛ بحيث كانت كل تلك المؤسسات - أو على الأقل معظمها - في ظل النظام الإمبراطوري في قبضة التنظيمات الدينية، كما كانت هناك «خلايا» تنظيمات سرية داخل أجهزة الدولة. ويجب التمييز بين هذا النوع من دين الدولة وبين الدين التقليدي لعامة الناس؛ فالفلاحون على سبيل المثال لهم أشكالهم الخاصة في التدين، وما كان يواجه أتاتورك هو هذا الزواج بين الدين والإمبراطورية. أما ما يحدث اليوم فهو عودة/يقظة الإسلام عالميا والتي ساهمت فيها آثار العولمة وأزمة الدولة-الأمة.
يعاب على تركيا كما هو الحال في معظم الدول الإسلامية ، غياب العديد من القضايا الهامة في النقاش العمومي؛ فالجنين لا يعتبر شخصا من وجهة نظر الإسلام كما هو الشأن بالنسبة لليهودية، وهذا ما يدفع بالدول الإسلامية إلى تغييب النقاش العمومي حول الإجهاض؛ لأن صحة الأم توضع في المقام الأول. في حين أن مسالة صورة المرأة في الفضاء العمومي، تثير النقاش أكثر وعلى الأخص «حجاب المرأة»، بل وتستغل هذه الصورة في الفعل السياسي (ظهور زوجة رجب أردوغان مرتدية الحجاب بعد توليه رئاسة تركيا). (ب) الفعل السياسي في تركيا
تحلل بن حبيب بنية الفعل السياسي التركي لما يقارب نصف قرن، معتبرة أن حزب الشعب الجمهوري (CHP)
هو الحزب القديم لكمال أتاتورك ويمثل مصالح الجيش، والموظفين العموميين، وموظفي القضاء والمدرسين، أي مجموع القوى العلمانية التي بنت الجمهورية التركية. ويمثل أسلوبهم السياسي نوعا من اليعقوبية؛ ليس لأنهم ثوريون، وإنما لأنهم يؤمنون أن الدولة هي كل شيء، أن الجمهورية هي كل شيء، وأن الفرد لا يعني شيئا. ويشعرون اليوم أنهم مهددون جدا، وبأنهم سيصيرون مهمشين. في أواخر الخمسينيات، بدأت الهوة الأولى بين ممثلي حزب الشعب الجمهوري بظهور فئات متوسطة صناعية ومالية انتهت بولادة الحزب الديمقراطي؛ لذلك تنافست هذه النخبة البيروقراطية العسكرية والمدنية مع البرجوازية الأصلية - طبقة رأسمالية - والتي ولجت بعض السلط خلال الازدهار الاقتصادي بعد الحرب، دون الاعتماد على الدولة.
أما حزب العدالة والتنمية (AKP)
فتشكل بظهور طبقة متوسطة جديدة أصلية من أصول شعبية في الأناضول، متمثلة في مالكي محلات السيارات، ومديري الأسواق الممتازة، ومالكي الفنادق ومستثمرين في السياحة ... إنها طبقة برجوازية صغيرة شكلت قاعدة هذا الحزب (ح ع ت
AKP ). لا يتعلق الأمر ببرجوازية صناعية أو مالية، وإنما بفئة تجارية (ميركانتيلية) تحمل قيم طبقة متوسطة معادية لليسار، ومناهضة جدا للشيوعية، أشخاص يؤمنون بالملكية الخاصة.
كانت هذه البرجوازية الجديدة الأناضولية إلى حدود الأمس القريب مبعدة تماما من السياسة التركية، وتميل إلى تفويض تمثيليتها للنخب، أي إلى البرجوازية الكبيرة الصناعية بإسطنبول أو إلى الجيش، إلا أنها اليوم صارت تمتلك صوتا سياسيا؛ فمع التطور العام لتركيا رفضت أن تكون مجرد ديكور خلفي وشرعت في الاندماج الاقتصادي. إنها أساس وقاعدة حزب العدالة والتنمية.
अज्ञात पृष्ठ