दर्शन: इसके प्रकार और समस्याएँ
الفلسفة أنواعها ومشكلاتها
शैलियों
الحل الوسط الذي أتى به كانت : وعلى ذلك فإن كانت يرى أن أذهاننا تصنع «الطبيعة» أو «الواقع الفيزيائي»، ولكنها لا تصنعه من لا شيء. فحواسنا تمدنا بالمادة الخام عن طريق ردود أفعالها إزاء «الشيء في ذاته». ومع ذلك فإن هذا النصيب الذي تسهم به الحواس هو مادة خام بحق، فهو خليط ليس له أي قوام أو تنظيم. وكل ما يكتسبه من تشكيل أو تنظيم إنما يفرض عليه من أذهاننا، التي تأتي بالإطار أو القالب الذي ينبغي أن تصب فيه الكثرة من الإدراكات غير المهضومة قبيل أن تتصف بالمنطقية أو المعقولية. فليس الذهن مجرد أداة سلبية لتلقي الانطباعات، كما كان يرى المفكرون السابقون، وإنما هو أداة إيجابية لا تكف أبدا عن أداء العمل الذي تقوم به، وهو تحويل الكثرة المتدفقة من الإحساسات إلى عناصر منظمة لها معناها. وأخيرا فإن التركيب أو التكوين الخاص للذهن ذاته هو الذي يتكشف في الحصيلة النهائية لعملية المعرفة. «فالواقع» كما نعرفه هو مصنوع أكثر منه معطى، وهو تركيب أكثر مما هو تلق. وكل ما يجعل العالم مترابطا ذا معنى يأتي مما يسميه كانت «بالفهم »، بل إن الزمان والمكان، وهما الوسيلتان الرئيسيتان اللتان نعرف من خلالهما عالمنا، هما صورتان ذهنيتان أوليان للفهم، كما هي الحال أيضا في كل المقولات أو الشروط الأساسية للمعرفة، وهي الكم والكيف والعلية ... إلخ. وبينما قد تكون المادة الخام آتية من الخارج فحسب، عن طريق الإحساس، فإننا نحن الذين نصنع «عالمنا»؛ أعني ذلك الكون المنظم المعقول الذي نستطيع فيه أن نعيش ونفكر.
وهكذا يولي «كانت» أهمية متساوية «لصور الفهم» العقلية، التي هي كامنة في التفكير وضرورية لتجربة الفهم، وللمعطيات التجريبية. ذلك لأن هذه المعطيات الإدراكية تمد الذهن بمضمونه الكامل، على حين أن «الصور» الذهنية تقوم بما يوحي به اسمها بالضبط؛ أعني أنها تضفي على هذا المضمون شكلا وصورة. ويلخص «كانت» موقفه التوفيقي الشامل في عبارة مشهورة أشرنا إليها من قبل، وهي «التصورات بدون الإدراكات فارغة، والإدراكات بدون التصورات عمياء». (7) النتائج الميتافيزيقية للمذهبين العقلي والتجريبي
لسنا بحاجة إلى أن نشير إلى الصلة الوثيقة التي تقوم بين المذهب العقلي والمذهب التجريبي من جهة، وبين المذهبين اللذين سبق أن أشرنا إليهما مرارا من جهة أخرى، وهما المذهب المثالي والمذهب الطبيعي. وإذا لم يكن من الممكن أن نوحد تماما بين المثالية والمذهب العقلي، أو بين المذهب الطبيعي والتجريبية فإن العلاقات بين مجموعتي المذاهب وثيقة إلى أبعد حد. فقد كان العقليون، باستثناء فيلسوف واحد كبير (هو اسبينوزا)، إما مثاليين (مثل ليبنتس وولف)، وإما ثنائيين مع ميول مثالية واضحة (مثل ديكارت). أما التجريبية فتسير جنبا إلى جنب مع النظرة الطبيعية إلى العالم. وأساس موقف المذهب الطبيعي هو أن نظل قريبين بقدر الإمكان من التجربة في العالم الطبيعي الحالي الذي نعيش فيه. أما المثالية فقد اتجهت، على خلاف هذا الرأي، إلى الإقلال من شأن العالم التجريبي بتأكيد وجود حقيقة أعلى لنظام ترنسندنتالي (أي خارج التجربة) لا يمكن بلوغه إلا عن طريق النشاط العقلي التصوري للذهن.
وهكذا يتضح أن التقابل الأساسي بين مدرستينا الميتافيزيقيتين الكبريين يمتد إلى ميدان نظرية المعرفة. وهذا أمر لا يدعو إلى الاستغراب: فعندما يأخذ مفكر على عاتقه أن يصوغ (أو يدافع عن) نظرية كلية شاملة إلى طبيعة الأشياء، فمن المنطقي أن ينحاز إلى أسلوب التفكير أو طريقة المعرفة التي تؤيد موقفه إلى أقصى حد. ومع ذلك فمن الواجب أن نفهم أن العامل الميتافيزيقي هو أهم الجميع، وأن وسائل المعرفة تختار من أجل دعم الموقف العام. فالبحث في المعرفة ينمو من الميتافيزيقا، لا العكس. والنظرة إلى العالم أساسية، كما هي على الدوام.
الفصل التاسع
الميتافيزيقا: ما الواقع؟
نستطيع أن نقول إن الفصول السابقة قد عالجت مشكلات الوجود، والمعرفة، والاتصال معالجة دقيقة إلى حد ما. وإذا كان القارئ قد تملكه أي قدر من حب الاستطلاع الأصيل بشأن هذه المشكلة النظرية، فيكاد يكون من المحقق أن حب الاستطلاع هذا قد أشبع الآن، بل أتخم، بفضل تلك المجموعة الكبيرة من الإجابات الممكنة التي قدمناها. أما بالنسبة إلى كثير من الفلاسفة المحترفين، فإن كل ما ذكرناه إلى الآن لا يعدو أن يكون تلميحا إلى المسألة الفلسفية الحقيقية؛ لذا فقد آن الأوان لخوض تلك المشكلة التي ينظر إليها عادة عن أنها هي المشكلة الرئيسية في الميدان النظري بأسره، وهي المشكلة التي تمكننا من أن ننظر إلى كل ما ناقشناه حتى الآن على أنه مجرد مقدمة تمهد لها. فما هي طبيعة الواقع النهائي؟ وما العالم - أو ما الذي يكمن من وراء كل شيء؟ وما هو الشيء الأساسي (أو المادة، أو الفكرة أو الجوهر أو المبدأ الأساسي) في الكون؟
هذا السؤال يوجد ضمنا من وراء كل الأسئلة الأقل منه أهمية، التي تساءلناها في الفصول السابقة، كما أن كثيرا من الإجابات التي اقترحناها للأسئلة السابقة هي في الوقت ذاته إجابات ضمنية على هذه المشكلة الكبرى بدورها. فالعرض الذي قدمناه للنظريتين المتعارضتين إلى العالم، وهما المثالية والطبيعية، يشير بوضوح إلى رأيين متعارضين أيضا عن طبيعة الواقع. غير أننا لم نواجه المشكلة بعد بطريقة مباشرة. ويحق لنا أن نتوقع أن يؤدي هذا التحليل إلى الربط بين كل المناقشات والتحليلات التي عرضناها حتى الآن، بحيث يتمكن الطالب أخيرا من أن يتأمل عالم الفلسفة في نظرة شاملة. أما أن النتيجة ستكون كلا متماسكا، فهذا أمر لا نستطيع إلا أن نرجوه. وعلى أية حال، فسوف نصبح عندئذ أقدر على معالجة المشكلات المتبقية في الميدان النظري، وهي المشكلات المتعلقة بطبيعة «الحياة الخيرة»، ومسألة الواجب، وحرية الإرادة، والمشكلة الجمالية، ووجود الله، والخلود. وتلك هي المشكلات الأقرب إلى الطابع العلمي في الفلسفة، التي يستحسن أن ننتهي من تحليلنا الميتافيزيقي قبل الانتقال إليها، ذلك لأن الإجابات التي نأتي بها لهذه المشكلات العملية ستتوقف حتما، كما أوضحنا من قبل مرارا، على حلنا للمشكلة الميتافيزيقية.
تعقد المشكلة : تبدو المشكلة الميتافيزيقية لأول وهلة مسألة بسيطة متعلقة «بعدد» الكيانات التي ينطوي عليها الواقع؛ أعني، هل الواقع النهائي مفرد أم مثنى أم جمع. والواقع أن المسألة في أساسها بسيطة على هذا النحو، غير أن هذه البساطة الأصلية سرعان ما تتعقد كثيرا لوجود مشكلات كيفية أخرى متضمنة بدورها في الموضوع. فمثلا، إذا كان الواقع مفردا، فما طبيعة هذه المادة أو هذا المبدأ أو الكيان الواحد؟ وإذا كان ثنائيا، فما طبيعتا الكيانين أو الماهيتين اللتين ينطوي عليهما، وما علاقات كل منهما بالأخرى؟ وفضلا عن ذلك، فهل هذان الاثنان نهائيان بحق، أم إنهما قد يكونان أشبه بتلك النجوم المزدوجة المعروفة في الفلك، والتي تبدو دائرة حول مركز مشترك غير منظور قد يكون أكبر وأهم من كل منهما؟ وبعبارة أخرى، ألا يمكن أن يكون هذان التوأمان الميتافيزيقيان (اللذان يطلق عليهما عادة اسم «الذهن والمادة» أو «الروح والجسد») مجرد وجهين متعارضين لحقيقة واقعة واحدة تكمن من ورائهما، بحيث ينتهي الأمر بالثنائية الظاهرة لنا إلى واحدية فعلية؟ وإذا انتهينا إلى أن الكون تعددي، فما هي تلك الكيانات التي يرتد إليها الكل الظاهر؟ وكم عددها، وما صفاتها، وما علاقاتها المتبادلة؟
لم كان الإجابات كثيرة؟
अज्ञात पृष्ठ