फलक दायर
الفلك الدائر على المثل السائر (مطبوع بآخر الجزء الرابع من المثل السائر)
अन्वेषक
أحمد الحوفي، بدوي طبانة
प्रकाशक
دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
प्रकाशक स्थान
الفجالة - القاهرة
الصناعتين كلاما جيدا في هذا المعنى١. وقد ذكرنا نحن في كتاب "العبقري الحسان" أقوالا كثيرة في هذا الباب، وما أظن أن أحدا ممن يتصدى لكلام في هذا الفن إلا وقد قال قولا بالغا في هذه المسألة، فما أعلم كيف يدعي هذا الرجل على الناس أنهم يقتصرون في هذا البحث بتينك اللفظتين لا غير.
_________
١ قل أبو هلال العسكري: البلاغة من قولهم بلغت الغاية إذا انتهيت إليها، وبلغتها غيري، ومبلغ الشيء منتهاه، والمبالغة في الشيء الانتهاء إلى غايته. فسميت البلاغة بلاغة لأنها تنهي المعنى إلى قلب السامع فيفهمه، وهي البلاغ أيضا. ويقال للدنيا بلاغ لأنها تؤدي إلى الآخرة. والبلاغ أيضا التبليغ في قول الله ﷿: ﴿هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ﴾ أي تبليغ. ويقال بلغ الرجل بلاغة إذا صار بليغا، كما يقال نبل نبالة إذا صار نبيلا. ويقال: أبلغت في الكلام إذا أتيت بالبلاغة فيه.
والبلاغة من صفة الكلام لا من صفة المتكلم، وتسمية المتكلم بأنه بليغ توسع، والحقيقة أن كلامه بليغ، كما نقول فلان رجكم محكم والحقيقة أن أفعاله محكمة، إلا أن كثرة الاستعمال جعلت تسمية المتكلم بأنه بليغ كالحقيقة، كما أنها جعلت تسمية المزادة رواية كالحقيقة، وكان الراوية حامل المزادة وهو البعير ونحوه، ولذا سمي حامل الشعر راوية.
فأما الفصاحة فقد قال قوم إنها من قولهم أفصح فلان عما في نفسه إذا أظهره وأفصح الصبح إذا أضاء، وأفصح اللبن إذا انجلت رغوته فظهر. وأفصح الأعجمي إذا أبان بعد أن لم يكن يفصح ويبين.
وإذا كان الأمر على هذا فالفصاحة والبلاغة ترجعان إلى معنى واحد وإن اختلف أصلاهما؛ لأن كل واحد منهما إنما هو الإبانة عن المعنى والإظهار له.
وقال بعض علمائنا: الفصاحة تمام آلة البيان، فلا يسمى الألثغ والتمتام فصيحين، لنقصان آلتهما عن إقامة الحروف، وعلى هذا تكون الفصاحة والبلاغة مختلفتين؛ لأن الفصاحة تمام آلة البيان، فهي مقصورة على اللفظ؛ لأن الآلة تتعلق باللفظ دون المعنى، والبلاغة إنما هي إنهاء المعنى إلى القلب، فكأنها مقصورة على المعنى.
ومن الدليل على أن الفصاحة تتضمن اللفظ والبلاغة تتناول المعنى أن الببغاء يسمى فصيحا ولا يسمى بليغا؛ إذ هو يقيم الحروف وليس له قصد إلى المعنى الذي يؤديه. ويجوز مع هذا أن يسمى الكلام الواحد فصيحا بليغا إذا كان واضح المعنى سهل اللفظ جيد السبك غير مستكره فح ولا متكلف وخم، ولا يمنعه من أحد الاسمين شيء لما فيه من إيضاح المعنى وتقويم الحروف
وإذا كان الكلام يجمع نعوت الجودة ولم يكن فيه فخامة وفضل جزالة سمي بليغا ولم يسم فصيحا.
"ملخص من الصناعتين ٧-١٠".
4 / 87