ثم تواصل بحدة: لم لا يتركنا وشأننا؟ ولم تعمل كل هذا الحساب لكلمة تصدر عنه؟
ولكنه قوي، والمالك الأوحد للبيت وأدوات اللعب وكل شيء. وعلمتني التجربة أن الاستهانة به غير محمودة العواقب. ها هو يهمس أيضا: البنت ماكرة بقدر ما هي لطيفة، أنا أعرفها كما أعرفك، اسمع كلامي أنا، ولست أمانع في لعبك معها، العب معها ما شئت، ولكن عليك بالاعتدال والنظافة، وتذكر أنها تلعب مع آخرين أيضا فعاملها بالمثل، ولا تجعل منها كل شيء؛ لأنك لست لها كل شيء، إني أعرف أكثر منك فاسمع كلامي.
تمنيت أن ألعب دون قيد أو شرط ولكنني تعثرت في الخوف، ولم أنس ما سمعت عن غضبه إذا غضب أو عقوبته إذا عاقب. وتضاعف عنائي عندما حملت إلى المدرسة. والتعليم مشقة تتحدى اللهو والمرح وتلتهم الساعات بلا رحمة، فهل قضي علي أن أنفق العمر في الصراع مع الجهل؟ أما هي فلم تكن تكترث إلا بالساعة التي هي فيها. ترمق انشغالي بازدراء واستنكار، وتقول: اختر لنفسك ما يحلو.
لو خيرت لاخترت، ولكن همسه لا ينقطع عني فما حيلتي؟ ولأعترف بأنني كنت أنحرف عن الخط أحيانا، أشرد عن الدرس لأفكر فيها، أو أخلو إليها في غفلة ونأخذ في اللعب. ويسألني دائما عن مواظبتي فأتورط في الكذب. ويكفهر وجهه ويكتشف كذبي. وقلت لها: إنه لا تخفى عليه خافية. فقالت: أنت ضعيف، فيتجلى الكذب في عينيك!
ويقول هو لي مؤنبا: الكذب أرذل من الجهل.
يا له من رجل. أي ضرر يصيب العالم، إذا جهلت أن القاهرة هي عاصمة مصر؟ .. أو إذا لم أحفظ جدول الضرب؟ ويقرصني في أذني قائلا: الرجل الحقيقي يجب أن يعرف السماوات والأرض. ليست الحياة لعبا، انظر إلى النملة! هل يرضيك أن تكون أدنى مرتبة منها؟!
ويغلبني الارتباك فأقول له معاتبا: أنت الذي جئتني بها لألعب معها، فأبعدها عني.
فيقول باسما: إنك أصغر من أن تشير علي بما يجب، ولن أرتكب خطأ في حق الجيرة والقربى، وهي بمنزلة ابنتي، وليس بها من بأس كزميلة لك، فلا منع ولا إبعاد، ولكن عليك أن تعطي الدرس ما يستحقه، ولك أن تلاعبها في أوقات الفراغ.
تلك أيام مزقها العذاب وإن بدت اليوم آية في الجمال بسحر الزمن. وكان أن تغير صوتي فقالوا: ناهز البلوغ. وهمس في أذني بحزم أن الآن حرم اللعب. يا للخبر! ما شعرت برغبة في اللعب معها كما أشعر الآن.
وهي ترمقني من بعيد، ولكن جرأتها تلاشت. يتكلم لسانها بكلام، وعيناها بكلام آخر. أقول لها خلسة: لا يمكن أن نهدم في لحظة ما بنيناه في عمر مديد.
अज्ञात पृष्ठ