الأدب الفارسي
كانت لغة الفرس في عهد الدولة الساسانية هي اللغة الفهلوية، و«زند» الذي هو شرح للأفستا مكتوب بهذه اللغة، وكان لهذا الكتاب الديني أثر في حفظها، ولكن لم يصل إلى عصرنا هذا كثير من ثروة الفرس الأدبية الفهلوية التي كانت منتشرة في الدولة الساسانية وصدر الإسلام، والسبب في ذلك أن دين الإسلام ظفر بدين زردشت وحل محله، كما حلت اللغة العربية والحروف العربية محل اللغة الفهلوية والحروف الفهلوية، فذهاب الحكومة الفارسية ودينها، وحكمها بالعرب، وتحولها من مملكة إلى ولايات إسلامية، ودخول كثير من الفرس في الإسلام، واضطرارهم إلى تعرف اللغة العربية، للدين أو للدنيا أو لهما معا، وازدراء المسلمين لبيوت النيران التي هي شعائر الثنوية؛ كل هذا عرض الديانة الفارسية واللغة الفهلوية للاضمحلال ثم الفناء.
ومع هذا فقد وصلت إلينا بقية قليلة من اللغة الفهلوية، فهناك أحجار صخرية عليها نقوش فهلوية تتضمن أسماء ملوك ونبذا من تاريخ حياتهم، يرجع عهدها إلى أوائل الملوك الساسانيين، وهناك كتب فهلوية فر بها البرسيون إلى الهند عند الفتح الإسلامي كما أسلفنا، وأكثرها ديني، وهذا هو السر في بقائها في يدهم.
وكذلك بقي - من غير الكتب الدينية - قطعة كبيرة من قانون فارس في عهد الدولة الساسانية، تتضمن الكلام على الأحوال الشخصية كالزواج، وعلى الملكية وعلى الرق، وغير ذلك؛ وكتاب في صناعة تحرير المراسلات وما يحسن في بدئها وفي ختامها، وآداب المراسلات الرسمية؛ ومعجم للغة الفهلوية القديمة؛ وتاريخ خيالي للشطرنج؛ وسير لبعض ملوك الفرس.
ولم يصل إلينا شيء من شعر الدولة الساسانية - على عظمة كثير من ملوكها وحاجتهم إلى من يتغنى بمدائحهم - فهل اكتفى الفن بتعبيراته بالحفر والنقش والبناء والغناء، أو عبر أيضا بالشعر، ولكن عدا عليه الشعر العربي فقتله؟ نحن إلى الثاني أميل.
ومع قلة ما وصل إلينا من الأدب الفارسي، فالظاهر أنه وصل إلى المسلمين في العصور الأولى الإسلامية كتب كثيرة فارسية؛ فكثيرا ما يقول ابن قتيبة في كتابه عيون الأخبار: «وفي كتب العجم كذا» و«قرأت في كتاب «إبرويز» إلى ابنه «شيرويه» وهو في حبسه»؛ وكثيرا ما ينقل صاحب كتاب التاج في أخلاق الملوك عن الفرس وآدابهم وكتبهم.
وقد أثر الأدب الفارسي في الأدب العربي من وجوه : (الأول):
أن كثيرا ممن دخلوا في الإسلام اضطروا - كما أسلفنا - إلى تعلم اللغة العربية، وسرعان ما ظهر منهم ومن نسلهم شعراء؛ وقد ظهر منهم في الدولة الأموية عدد ليس بالقليل، ومن أشهرهم «زياد الأعجم» وأصله ومولده ومنشؤه بأصبهان، ثم انتقل إلى خراسان ولم يزل بها حتى مات
1 ، وكان شاعرا جزل الشعر؛ وسمي الأعجم لهذا الذي ذكره في الأغاني: وهو أنه كان يجري على لغة أهل بلاده؛ ولم يكن يطاوعه لسانه أن ينطق بالحروف العربية، فكان يقول: «ما كنت تسنأ» في (ما كنت تصنع)؛ وإذا كان يقول الشعر عن تعلم لا عن سليقة، فقد كان كثير اللحن في شعره كقوله:
إذا قلت قد أقبلت أدبرت
अज्ञात पृष्ठ