ولما استمر «رنزي» لا يحير جوابا أيضا على ذلك الاستعطاف اهتاج الفلاح الشقي وعاد إلى نغمة القدح من جديد، فأخذ يقول له: «إنك متعلم، إنك مهذب، لقد تعلمت ولكن لا لتكون سارقا، إنك متعود لأن تفعل ما يفعله كل الناس، وقد وقع مثلك أقاربك في نفس الأحبولة. وأنت يا من تمثل الاستقامة بين كل الناس قد صرت على رأس البغاة في كل البلاد، إن البستاني الذي يزرع الشر، يروي حقله بالعسف ليثمر زرعه البهتان، وبذلك تغمر الضيعة بالشر.»
ومع ذلك فإن هذه الاتهامات لم تحرك ساكنا قط عند «مدير البيت العظيم»، فأخذ الفلاح يفتتح خطبته السابعة، فيبدأ بالمديح المعتاد، فنراه يصف «مدير البيت العظيم» بأنه «السكان الذي توجه بأمره سفينة كل البلاد»، ثم يرجع فجأة إلى وصف حالته التعسة، فيقول: «إن جوفي
5
مفعم، وقلبي مثقل، وإن في السد لكسرا يتدفق منه الماء، ولهذا فإن فمي مفتوح ليتكلم.» غير أن استمرار تغاضي ذلك الحاكم وعدم اكتراثه، وهو ذو الشهرة الذائعة بالعدل والرأفة، قد زاد في غيظ ذلك الفلاح التعس وبلغ مبلغا جعله يرى أن في صمت مدير البيت العظيم ما يطلق ألسنة أكثر الناس غباء وعيا، فنراه يقول له: «لا يوجد فرد صامت لا تحفزه حالتك إلى الكلام، ولا من نائم لا تجعله حالتك يستيقظ من رقدته، ولا من إنسان مكتئب إلا جعلته يثور، ولا من فم أرتج عليه إلا افترت شفتاه، ولا من جاهل إلا صيرته حالتك حكيما، ولا من غبي إلا جعلته حالتك يتعلم.»
ولما لم يكن في مقدور ذلك الفلاح أن يكبح جماح غضبه، فإنه أخذ يلقي خطبته الثامنة، واستمر في قدحه فيقول: «إن قلبك جشع، وذلك لا يليق بك، إنك تسرق، وذلك لا ينفعك ... إن الموظفين الذين نصبوا لدرء الظلم هم مأوى لمطلقي العنان، وحتى الموظفين الذين أقيموا لمنع الظلم أصبحوا أنفسهم ظالمين.»
ومع كل ذلك فإن ذلك الفلاح لم ين عن المطالبة بتحقيق العدالة؛ ولذلك يعود من جديد إلى المطالبة بها في أعظم عبارات فاه بها في ذلك المقال العظيم؛ إذ يقول: «أقم العدل لرب العدل وهو الذي أصبح عدله حقا. أنت يا من تمثل القلم والقرطاس واللوح، بل تمثل «تحوت»؛
6
لأنك بعيد عن عمل السوء، على أن العدل عندما يكون قائما يكون حقيقة عدلا؛ لأن العدالة (يعني ماعت) أبدية، فهي تنزل مع من يقيمها إلى القبر عندما يوضع في تابوته ويثوى على الأديم، واسمه لا يمحى من الأرض بل يذكر بسبب عدله، وهكذا تكون استقامة كلمة الله.»
على أن السؤال الذي ينشأ عن ذلك طبعا بعد ذكر هذه الكلمات المؤثرة هو: هل لا يزال هناك مجال للظلم رغم ذلك، ولقد أخذ الفلاح (يسأل هذا السؤال) فقال: «هل هو ميزان يد لا يحيد؟ هل هو ميزان ثابت لا ينحرف؟» أو هل مجرد العجز عن الوصول إلى تصحيح الخطأ المشين الذي حاق به هو الدافع إلى هذا الموقف، مع أن الحاكم العادل الذي في قدرته أن يصلح هذا الخطأ كان حاضرا منذ البداية؟ «إنك لم تكن مريضا، إنك لم تفز، إنك لم تمت! [ولكن] لم تجازني حسب الكلمة الطيبة التي خرجت من فم «رع» نفسه وهي: «تكلم الصدق وافعل الصدق؛
7
अज्ञात पृष्ठ