إن أوضح بيان عن أصل «أوزير» هو حادثة العثور على ذلك الإله المتوفى بوساطة ابنه «حور» كما جاءت في متون الأهرام: «إن «حور» يأتي ويتعرف والده فيك، شابا باسمك «الماء العذب».» وبمثل ذلك الوضوح نجد الفكرة نفسها بادية في كلمات «رعمسيس الرابع» إذ يقول للإله: «إنك النيل حقا، عظيم في الحقول في باكورة الفصول، فالآلهة والناس يعيشون بالندى الذي فيك.» ففي هذين المصدرين القديمين قد وحد «أوزير» والماء؛ وبخاصة ماء النيل.
ومع أن «أوزير» صار مع الماء، بل مع ينابيع الماء العظيمة نفسا واحدة فإنه من الواضح أن وظيفة خاصة للماء هي التي امتزج بها، فالماء بوصفه مصدرا للخصب وبوصفه مانحا للحياة هو الذي وحد به أوزير، وهو الذي يسبغ الحياة على التربة، ومن ثم فإن «أوزير» كان يتصل بالتربة أيضا اتصالا وثيقا. وقد أيد هذا الرأي وأكثر منه ما جاء في أنشودة من عهد القرن الثاني عشر ق.م ؛ إذ إنها لم تقتصر على تأحيد «أوزير» بالتربة، بل أحدته هو والأرض كلها، فتقول عنه تلك الأنشودة: «أما أنت فإن النيل ينبع من عرق يديك وأنك تنفث الهواء الذي في حلقومك إلى أنوف الناس فوهبت القداسة لما تعيش عليه الناس. وكذلك توجد في أنفك الشجرة وخضرتها والأعشاب والنباتات والشعير والقمح وشجرة الحياة. وعندما تحفر الترع ... وتبنى البيوت والمعابد، وعندما تنقل الآثار وتزرع الحقول، وعندما تنحت المقابر ومزاراتها فإنها ترتكز عليك كلها، وأنت الذي تصنعها فهي على ظهرك رغم أنها أكثر من أن تدون، وظهرك لا يوجد عليه مكان خلو؛ لأنها جميعها موضوعة فوقه ...» فكاتب هذه الأنشودة يعتبر أن «أوزير» هو الأرض نفسها؛ وبخاصة الأرض المنتجة للخضرة.
ولذلك فإن الإشارات إلى أوزير المعروفة لنا تقرنه بحياة النبات أو توحده معها، ولعلنا نذكر أن المسرحية المنفية (التي يرجع عهدها إلى بداية «الاتحاد الثاني» حينما كانت قيادة الأمة في عاصمتها «منف») أطلقت على تلك البلدة اسم «مخزن غلال الإله»، ومن أجل ذلك أدخل رجال الفكر في «منف» إلى «أوزير» في مسرحيتهم المقدسة توضيحا للسبب الذي من أجله صارت «منف» «مخزن غلال الإله». ولما كان القوم لا يزالون متجهين بتفكيرهم إلى صفات «أوزير» الطبيعية فإنهم يقولون إن إطلاق هذا الاسم على «منف» نشأ من أن «أوزير» «أغرق في مياهه عند منف»، وبذلك صارت «مخزن غلال الإله».
ثم إن الآراء الواردة في متون الأهرام المبكرة التي تعتبر أقدم من تلك المسرحية تمثل «أوزير» مرتبطا ارتباطا وثيقا بالحياة النباتية.
ويؤحد «أوزير» أيضا في أقدم نسخة من كتاب الموتى مع الحنطة؛ إذ يقول المتوفى معبرا عن نفسه: «إني «أوزير»، وإني أعيش كحبة
2
حنطة وأنمو كحبة حنطة ... وإني شعير.»
ويجب أن نقرن بهذه الأقوال المبكرة تلك الصور المتكررة التي تمثل القمح نابتا من جسد «أوزير» الراقد فوق الأرض، كما تمثل شجرة نابتة من قبره أو تابوته، أو تجعل تماثيل الإله المصورة على هيئة مومية في قالب مكون من الدشيشة والتراب مدفونة مع المتوفى أو موضوعة في حقل القمح ليضمن به الزارع محصولا موفورا من أرضه.
وعلى ذلك فقد صار واضحا في أقدم المصادر التاريخية التي عرفت للآن أن «أوزير» والمياه (وبخاصة في الفيضان) والتربة والنبات كانت جميعا نفسا واحدة، وتبدو لنا تلك نتيجة للاتجاه المصري إلى التفكير بالصور الواقعية.
فهذا الإله في التفكير المصري القديم كان من غير شك عنصر الحياة الذي لا يفنى أبدا أينما كان، وكثيرا ما نرى له صورا تظهره حتى في حالة الموت محتفظا بالقوة التناسلية؛ فحياة الأرض التي تموت ثم تحيا، والتي تتصل أحيانا بالمياه التي تمنحها الحياة وأحيانا أخرى بالتربة الخصبة، والتي تظهر في النبات نفسه، كل أولئك وأوزير شيء واحد.
अज्ञात पृष्ठ