في قليل من القوم، ومعه هذا «جلدر بهادر». وكان أبغا قد سيّره معه ليستضيء برأيه فيما يأتي ويذر، ولا يخرج عن إشارته وردا وصدر. لأنه من كبار قومه، وشيوخ قور لقاي هولاكو أبيه بزعمه. فحين رأى جلدر بهادر أجناد عين تاب قال لمنكوتمر: أنج بنفسك ورح أنت ومنّا ومنهم لأنك إن قابلتهم وقاتلتهم وانتصرت عليهم فلا فخر، وإن خذلت كان عارا، ففرّ منكوتمر، ووقف جلدر بهادر ومعه بعض من كان مع منكوتمر، وتجاملوا وتصادموا، فعيّن بعض أجناد عين تاب على وتر قوس جلدر بهادر بسيفه فقطعه، / ٤٥ ب / وضربه آخر بدبّوس في رأسه فصرعه، وهرب من كان حوله، واشتغل أجناد عين تاب بالأهمّ من إمساك هذا الخصم الألدّ بما أبداه من صوله. وهم التتار لا حيلة لهم إلاّ النشّاب، ولا نفوذ لهم إلاّ ما يرسله ما لقسيّهم من قاب. لا يدرون ما المطاعنة بالرماح، ولا كيف يستقي بأشطانها ما للأجساد من أرواح. ولقد حمل بعضهم عليّ برمح ليس له سنان وطعنني عدّة طعنات بعد أن أثخنت بالجراح، فلم يؤثّر فيّ ذلك الطعان.
ثمّ إنّ النائب بعين تاب عندما اقتنص جلدر بهادر سرّح الطائر الميمون بالبطائق، بطليعة هذا النصر العزيز، وأماير هذا التأييد الذي أبرزه الله (أعظم) (^١) دليلا (^٢) عليه قبل التبريز. وللوقت كتبت جواب البطائق حسب الأوامر الشريفة السلطانية بالاحتفاظ بالمذكور، وجهّز تحتها الأمير عزّ الدين أبو شامة الشهابي الحاجب على خيل البريد، وعلى يده مثال / ٤٦ أ / شريف بتسليمه له في القيد إن كان فيما للحياة من قيد، وأن يجهّز الجماعة الذين رموه إلى الأبواب العالية. فسلّم له، ووصل إلى دمشق المحروسة ومولانا السلطان بميدان القصر الأبلق يطارد الكره، ولا أقول يلعب، ويتمّرن على المدافعة وما زال في مثل ذلك يدأب. وهو رجل تامّ الخلقة، ضخم الجثّة، عريض الأكتاف، صغير الرأس. فاستؤذن مولانا السلطان عليه وهو منجمل في المطاردة، فوقف واستوقف، وألقى عصا جوكانه (^٣) التي كانت لكرة مطاردته تتلقّف. وأحضر جلدر بهادر المذكور متوكّئا على من أحضره من ثقل قيده، ورأسه معصوبة من الضّربة التي صعّرت خدّيه في التراب،
_________
(^١) عن الهامش.
(^٢) الصواب: «دليل».
(^٣) الجوكان: لفظ فارسي بمعنى العصا المعقوفة. وهي التي كان يلعب بها السلطان ويقذف بها الكرة. وهي عصا البولو التي تشبه الآن لعبة الهوكي.
1 / 70