الْمُقدمَة
[١] الْحَمد لله الْحَيّ القيوم الَّذِي لَا يستولي على كنه قِيَامه وصف واصف الْجَلِيل الَّذِي لَا يُحِيط بِصفة جَلَاله معرفَة عَارِف الْعَزِيز الَّذِي لَا عَزِيز إِلَّا وَهُوَ بقدم الصغار على عتبَة عزه عاكف الْمَاجِد الَّذِي لَا ملك إِلَّا وَهُوَ حول سرادق مجده طائف الْجَبَّار الَّذِي لَا سُلْطَان إِلَّا وَهُوَ لنفحات عَفوه راج وسطوات سخطه خَائِف المتكبر الَّذِي لَا ولي إِلَّا وَقَلبه على محبته وقف وقالبه لخدمته وَاقِف الرَّحِيم الَّذِي لَا شئ إِلَّا وَهُوَ ممتط متن الْخطر فِي هول المواقف لَوْلَا ترصده لِرَحْمَتِهِ بوعده السَّابِق السالف الْمُنعم الَّذِي إِن يردك بِخَير فَلَيْسَ لفضله راد وَلَا صَارف المنتقم الَّذِي ان يمسسك بضر فَمَا لَهُ سواهُ كاشف ﷻ وتقدست اسماؤه فَلَا يغره موالف وَلَا يضرّهُ مُخَالف وَعز سُلْطَانه فَلَا يكيده مراوغ وَلَا يناوئه مكاشف خلق الْخلق أحزابا وأحسابا ورتبهم فِي زخارف الدُّنْيَا أرذالا وأشرافا وقربهم فِي حقائق الدّين ارتباطا وانحرافا وجهلة وعرافا وفرقهم فِي قَوَاعِد العقائد فرقا وأصنافا يتطابقون إئتلافا ويتقاطعون اخْتِلَافا فافترقوا فِي المعتقدات جحُودًا واعترافا وتعسفا وانصافا واعتدالا وإسرافا كَمَا تباينوا أصلا وأوصافا هَذَا غَنِي يتضاعف كل يَوْم مَا لَهُ أضعافا وَهُوَ يَأْخُذ جزَافا وَينْفق جزَافا وَهَذَا ضَعِيف يعول ذُرِّيَّة ضعافا يعوزه قوت يَوْم حَتَّى سَأَلَ النَّاس إلحافا وَهَذَا مَقْبُول فِي الْقُلُوب لَا يلقِي فِي حَاجته إِلَّا إِجَابَة وإسعافا وَهَذَا مبغض لِلْخلقِ تهتضم حُقُوقه ضيما وإجحافا وَهَذَا تَقِيّ موفق يزْدَاد كل يَوْم فِي ورعه وتقواه إسرافا وإشراقا وَهَذَا مخذول يزْدَاد على مر الْأَيَّام
1 / 1
فِي غيه وفساده تماديا واعتسافا ذَلِكُم تَقْدِير ربكُم الْقَادِر الْحَكِيم الَّذِي لَا يَسْتَطِيع سُلْطَان عَن قهره انحرافا القاهر الْعَلِيم الَّذِي لَا يملك اُحْدُ لحكمه خلافًا رغما لأنف الْكَفَرَة الباطنية الَّذين انكروا أَن يَجْعَل الله بَين أهل الْحق اخْتِلَافا وَلم يعلمُوا ان الِاخْتِلَاف بَين الْأمة يتبعهُ الرَّحْمَة كَمَا تتبع الْعبْرَة اخْتلَافهمْ مَرَاتِب وأوصافا
وشكرا لله الَّذِي وفقنا للإعتراف بِدِينِهِ إعلانا وإسرارا وسددنا للإنقياد لحكمه إِظْهَارًا وإضمارا وَلم يجعلنا من ضلال الباطنيه الَّذين يظهرون بِاللِّسَانِ إِقْرَارا ويضمرون فِي الْجنان تماديا وإصرارا ويحملون من الذُّنُوب اوقارا ويعلنون فِي الدّين تقوى ووقارا ويحتقبون من الْمَظَالِم أوزارا لانهم لَا يرجون لله وقارا وَلَو خاطبهم دعاة الْحق لَيْلًا وَنَهَارًا لم يزدهم دعاؤهم إِلَّا فِرَارًا فَإِذا أطل عَلَيْهِم سيف أهل الْحق آثروا الْحق إيثارا وَإِذا انقشع عَنْهُم ظله أصروا واستكبروا استكبارا فنسأل الله أَن لَا يدع على وَجه الأَرْض مِنْهُم ديارًا وَنُصَلِّي على رَسُوله الْمُصْطَفى وعَلى آله وخلفائه الرَّاشِدين من بعده صلوَات بِعَدَد قطر السَّحَاب تهمى مدرارا وتزداد على ممر الْأَيَّام استمرارا وتتجدد على توالي الأعوام تلاحقا وتكرارا
أما بعد فَإِنِّي لم أزل مُدَّة الْمقَام بِمَدِينَة السَّلَام متشوفا إِلَى أَن أخدم المواقف المقدسة النَّبَوِيَّة الامامية المستظهرية ضاعف الله جلالها وَمد على طَبَقَات
1 / 2
الْخلق ظلالها بتصنيف كتاب فِي علم الدّين أقضى بِهِ شكر النِّعْمَة وأقيم بِهِ رسم الْخدمَة واجتني بِمَا اتعاطاه من الكلفة ثمار الْقبُول والزلفة لكني جنحت الى التواني لتحري فِي تعْيين الْعلم الَّذِي اقصده بالتصنيف وَتَخْصِيص الْفَنّ الَّذِي يَقع موقع الرِّضَا من الرَّأْي النَّبَوِيّ الشريف فَكَانَت هَذِه الْحيرَة تغبر فِي وَجه المُرَاد وتمنع القريحة عَن الإذعان والإنقياد حَتَّى خرجت الاوامر الشَّرِيفَة المقدسة النَّبَوِيَّة المستظهرية بِالْإِشَارَةِ إِلَى الْخَادِم فِي تصنيف كتاب فِي الرَّد على الباطنية مُشْتَمل على الْكَشْف عَن بدعهم وضلالاتهم وفنون مَكْرهمْ واحتيالهم وَوجه استدراجهم عوام الْخلق وجهالهم وإيضاح غوائلهم فِي تلبيسهم وخداعهم وانسلالهم عَن ربقة الْإِسْلَام وانسلاخهم وانخلاعهم وإبراز فضائحهم وقبائحهم بِمَا يُفْضِي الى هتك أستارهم وكشف أغوارهم فَكَانَت المفاتحة بالإستخدام فِي هَذَا المهم فِي الظَّاهِر نعْمَة اجابت قبل الدُّعَاء ولبت قبل النداء وَإِن كَانَت فِي الْحَقِيقَة ضَالَّة كنت أنشدها وبغية كنت أقصدها فَرَأَيْت الِامْتِثَال حتما والمسارعة الى الإرتسام حزما وَكَيف لَا أسارع اليه وان لاحظت جَانب الْآمِر ألفيته أمرا مبلغه رعيم الْأمة وَشرف الدّين ومنشؤه
1 / 3
ملاذ الْأُمَم أَمِير الْمُؤمنِينَ وَمُوجب طَاعَته خَالق الْخلق رب العاملين إِذْ قَالَ الله تَعَالَى ﴿أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم﴾
وَإِن الْتفت إِلَى الْمَأْمُور بِهِ فَهُوَ ذب عَن الْحق الْمُبين ونضال دون حجَّة الدّين وَقطع لدابر الْمُلْحِدِينَ وَإِن رجعت إِلَى نَفسِي وَقد شرفت بِالْخِطَابِ بِهِ من بَين سَائِر الْعَالمين رَأَيْت المسارعة إِلَى الإذعان والامتثال فِي حَقي من فروض الْأَعْيَان إِذْ يقل على بسيط الأَرْض من يسْتَقلّ فِي قَوَاعِد العقائد بِإِقَامَة الْحجَّة والبرهان بِحَيْثُ يرقيها من حضيض الظَّن والحسبان الى يفاع الْقطع والاستيقان فانه الْخطب الجسيم وَالْأَمر الْعَظِيم الَّذِي لَا تستقل بأعيانه بضَاعَة الْفُقَهَاء وَلَا يضطلع بأركانه إِلَّا من تخصص بالمعضلة الزباء لما نجم فِي أصُول الديانَات من الْأَهْوَاء
وَاخْتَلَطَ بمسالك الْأَوَائِل من الفلاسفة والحكماء فَمن بواطن غيهم كَانَ استمداد هَؤُلَاءِ فانهم بَين مَذَاهِب الثنوية والفلاسفة يَتَرَدَّدُونَ وحول حُدُود الْمنطق فِي مجادلاتهم يدندنون وَلَقَد طَال تفتيشي عَن شبه خَصمه لما تقدر على قمعه وخصمه وَفِي مثل ذَلِك أنْشد ... عرفت الشَّرّ لَا للشر ... لَكِن لتوقيه ... وَمن لَا يعرف الشَّرّ ... من النَّاس يَقع فِيهِ ...
1 / 4
تظاهرت عَليّ أَسبَاب الْإِيجَاب والإلزام واستقبلت الْآتِي بالاعتناق والإلتزام وبادت الى الِامْتِثَال والارتسام وانتدبت لتصنيف هَذَا الْكتاب مَبْنِيا على عشرَة ابواب سَائِلًا من الله سُبْحَانَهُ التَّوْفِيق لشاكله وَالصَّوَاب وسميته (فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية) وَالله تَعَالَى الْمُوفق لإتمام هَذِه النِّيَّة وَهَذَا ثَبت الْأَبْوَاب
الْبَاب الأول فِي الْإِعْرَاب عَن الْمنْهَج الَّذِي استنهجته فِي سِيَاق هَذَا الْكتاب
الْبَاب الثَّانِي فِي بَيَان ألقابهم والكشف عَن السَّبَب الْبَاعِث لَهُم على نصب هَذِه الدعْوَة المضلة
الْبَاب الثَّالِث فِي بَيَان دَرَجَات حيلهم فِي التلبيس والكشف عَن سَبَب الإغترار بحيلهم مَعَ ظُهُور فَسَادهَا
الْبَاب الرَّابِع فِي نقل مَذْهَبهم جملَة وتفصيلا
الْبَاب الْخَامِس فِي تأويلاتهم لظواهر الْقُرْآن واستدلالهم بالأمور العددية وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي تأويلهم للظواهر والفصل الثَّانِي فِي استدلالالتهم بالأعداد والحروف
الْبَاب السَّادِس فِي إِيرَاد أدلتهم العقيلة على نصْرَة مَذْهَبهم والكشف
1 / 5
عَن تلبيساتهم الَّتِي زوقوها بزعمهم فِي معرض الْبُرْهَان على إبِْطَال النّظر الْعقلِيّ
الْبَاب السَّابِع فِي إبِْطَال استدلالهم بِالنَّصِّ على نصب الامام الْمَعْصُوم
الْبَاب الثَّامِن فِي مُقْتَضى فَتْوَى الشَّرْع فِي حَقهم من التَّكْفِير والتخطئة وَسَفك الدَّم
الْبَاب التَّاسِع فِي إِقَامَة الْبُرْهَان الفقهي الشَّرْعِيّ على أَن الإِمَام الْحق فِي عصرنا هَذَا هُوَ الإِمَام المستظهر بِاللَّه حرس الله ظلاله
الْبَاب الْعَاشِر فِي الْوَظَائِف الدِّينِيَّة الَّتِي بالمواظبة عَلَيْهَا يَدُوم اسْتِحْقَاق الْإِمَامَة
هَذِه تَرْجَمَة الْأَبْوَاب والمقترح على الرَّأْي الشريف النَّبَوِيّ مطالعة الْكتاب جملَة ثمَّ تَخْصِيص الْبَاب التَّاسِع والعاشر لمن يُرِيد استقصاء ليعرف من الْبَاب التَّاسِع قدر نعْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ وليستبين من الْبَاب الْعَاشِر طَرِيق الْقيام بشكر تِلْكَ النِّعْمَة وَيعلم ان الله تَعَالَى إِذا لم يرض أَن يكون لَهُ على وَجه الأَرْض عبد أرفع رُتْبَة من أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَا يرضى أَمِير الْمُؤمنِينَ ان يكون لله على وَجه الأَرْض عبد أعبد وأشكر مِنْهُ نسْأَل الله تَعَالَى أَن يمده بتوفيقه ويسدده لسواء طَرِيقه هَذِه جملَة الْكتاب وَالله الْمُسْتَعَان على سلوك جادة الْحق واستنهاج مَسْلَك الصدْق
1 / 6
الْبَاب الأول فِي الْإِعْرَاب عَن الْمنْهَج الَّذِي استنهجته فِي هَذَا الْكتاب
لتعلم أَن الْكَلَام فِي التصانيف يخْتَلف منهجه بِالْإِضَافَة إِلَى الْمَعْنى غوصا وتحقيقا وتساهلا وتزويقا وبالاضافة الى اللَّفْظ إطنابا وإسهابا واختصارا وايجازا وبالاضافة الى الْمَقْصد تكثيرا وتطويلا واقتصارا وتقليلا فَهَذِهِ ثَلَاثَة مقامات وَلكُل وَاحِد من الْأَقْسَام فَائِدَة وَآفَة
وَأما الْمقَام الاول فالغرض فِي الغوص وَالتَّحْقِيق والتعمق فِي أسرار الْمعَانِي الى اقصى الغايات التوقي من إزراء الْمُحَقِّقين وقدح الغواصين فانهم إِذا تأملوه فَلم يصادفوه على مُطَابقَة أوضاع الْجِدَال وموافقة حُدُود الْمنطق عِنْد النظار استركوا عمل المُصَنّف واستغثوا كَلَامه واعتقدوا فِيهِ التقاعد عَن شأو التَّحْقِيق فِي الْكَلَام والإنخراط فِي سلك الْعَوام وَلَكِن لَهُ آفَة وَهِي قلَّة جدواه وَفَائِدَته فِي حق الْأَكْثَرين فَإِن الْكَلَام إِذا كَانَ على ذوق المراء والجدال لَا على مساق الْخطاب الْمقنع لم يسْتَقلّ بدركه
1 / 7
إِلَّا الغواصون وَلم يتفطن لمغاصاته إِلَّا الْمُحَقِّقُونَ وَأما سلوك مَسْلَك التساهل والاقتصار على فن من الْكَلَام يستحسن فِي المخاطبات ففائدته أَن يستلذ وقعه فِي الأسماع وَلَا تكل عَن فهمه والتفطن لمقاصده أَكثر الطباع وَيحصل بِهِ الْإِقْنَاع لكل ذِي حجى وفطنة وان لم يكن متبحرا فِي الْعُلُوم
وَهَذَا الْفَنّ من جوالب الْمَدْح والإطراء وَلَكِن من الظاهريين وآفته أَنه من دواعي الْقدح والإزراء وَلَكِن من الغواصين فَرَأَيْت أَن أسلك المسلك المقتصد بَين الطَّرفَيْنِ وَلَا أخلى الْكتاب عَن أُمُور برهانية يتفطن لَهَا الْمُحَقِّقُونَ وَلَا عَن كَلِمَات إقناعية يَسْتَفِيد مِنْهَا المتوهمون فان الْحَاجة الى هَذَا الْكتاب عَامَّة فِي حق الْخَواص والعوام وشاملة جَمِيع الطَّبَقَات من أهل الاسلام وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَب إِلَى الْمنْهَج القويم فلطالما قيل ... كلا طرفِي قصد الْأُمُور ذميم ...
الْمقَام الثَّانِي فِي التَّعْبِير عَن الْمَقَاصِد إطنابا وإيجازا وَفَائِدَة الإطناب الشَّرْح والايضاح الْمُغنِي عَن عناء التفكر وَطول التَّأَمُّل وآفته الإملال وَفَائِدَة الايجاز جمع الْمَقَاصِد وترصيفها وايصالها إِلَى الأفهام على التقارب وآفته الْحَاجة الى شدَّة التصفح والتأمل لاستخراج الْمعَانِي الدقيقة من الْأَلْفَاظ الوجيزة الرشيقة والرأى فِي هَذَا الْمقَام الاقتصاد بَين طرفِي التَّفْرِيط والإفراط فَإِن الإطناب لَا يَنْفَكّ عَن إملال والإيجاز
1 / 8
لَا يَخْلُو عَن إخلال فَالْأولى الْميل الى الِاخْتِصَار فلرب كَلَام قل وَدلّ وَمَا أمل الْمقَام الثَّالِث فِي التقليل والتكثير
وَلَقَد طالعت الْكتب المصنفة فِي هَذَا الْفَنّ فصادفتها مشحونة بفنين من الْكَلَام فن فِي تواريخ أخبارهم وأحوالهم من بَدْء امرهم الى ظُهُور ضلالهم وَتَسْمِيَة كل وَاحِد من دعاتهم فِي كل قطر من الاقطار وَبَيَان وقائعهم فِيمَا انقرض من الْأَعْصَار فَهَذَا فن أرى التشاغل بِهِ اشتغالا بالأسمار وَذَلِكَ أليق بأصحاب التواريخ وَالْأَخْبَار فَأَما عُلَمَاء الشَّرْع فَلْيَكُن كَلَامهم محصورا فِي مهمات الدّين وَإِقَامَة الْبُرْهَان على مَا هُوَ الْحق الْمُبين فَلِكُل عمل رجال
والفن الثَّانِي فِي إبِْطَال تَفْصِيل مذاهبهم من عقائد تلقوها من الثنوية والفلاسفة وحروفها عَن اوضاعها وغيروا ألفاظها قصدا للتغطية والتلبيس هَذَا أَيْضا لَا أرى التشاغل بِهِ لَان الْكَلَام عَلَيْهَا وكشف الغطاء عَن بُطْلَانهَا بايضاح حَقِيقَة الْحق وبرهانها لَيْسَ يخْتَص بالطائفة الَّذين هم نابتة الزَّمَان فتجريد الْقَصْد الى نقل خَصَائِص مذاهبهم الَّتِي تفردوا باعتقادها عَن سَائِر الْفرق هُوَ الْوَاجِب الْمُتَعَيّن فَلَا يَنْبَغِي أَن يؤم المُصَنّف فِي كِتَابه الا الْمَقْصد الَّذِي يبغيه والنحو الَّذِي يرومه وينتحيه فَمن حسن إِسْلَام الْمَرْء ترك مَالا يعنيه وَذَلِكَ مِمَّا لَا يعنيه فِي هَذَا الْمقَام وان كَانَ
1 / 9
الْخَوْض فِيهِ على الْجُمْلَة ذبا عَن الاسلام وَلَكِن لكل مقَال مقَام فلنقتصر فِي كتَابنَا على الْقدر الَّذِي يعرب عَن خَصَائِص مَذْهَبهم وينبه على مدارج حيلهم ثمَّ نكشف عَن بطلَان شبههم بِمَا لَا يبْقى للمستبصر ريب فِيهِ فتنجلي عَن وَجه الْحق كدورة التمويه
ثمَّ نختم الْكتاب بِمَا هُوَ السِّرّ واللباب وَهُوَ إِقَامَة الْبَرَاهِين الشَّرْعِيَّة على صِحَة الْإِمَامَة للمواقف القدسية النَّبَوِيَّة المستظهرية بِمُوجب الْأَدِلَّة الْعَقْلِيَّة والفقهية على مَا أفْصح عَن مضمونه تَرْجَمَة الْأَبْوَاب
1 / 10
الْبَاب الثَّانِي فِي بَيَان ألقابهم والكشف عَن السَّبَب الدَّاعِي لَهُم على نصب هَذِه الدعْوَة وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي القابهم الَّتِي تداولتها الْأَلْسِنَة على إختلاف الْأَعْصَار والأزمنة وَهِي عشرَة ألقاب الباطنية والقرامطة والقرمطية والخرمية والحرمدينية والإسماعيلية والسبعية والبابكية والمحمرة والتعليمية
وَلكُل لقب سَبَب أما الباطنية فانما لقبوا بهَا لدعواهم أَن لظواهر الْقُرْآن وَالْأَخْبَار بواطن تجرى فِي الظَّوَاهِر مجْرى اللب من القشر وَأَنَّهَا بصورها توهم عِنْد الْجُهَّال الأغبياء صورا جلية وَهِي عِنْد الْعُقَلَاء والأذكياء رموز وإشارات إِلَى حقائق مُعينَة وَأَن من تقاعد عقله عَن الغوص على الحفايا والأسرار والبواطن والأغوار وقنع بظواهرها مسارعا إِلَى الاغترار كَانَ تَحت الأواصر والأغلال معنى بالأوزار والأثقال وَأَرَادُوا ب الأغلال التكليفات
1 / 11
الشَّرْعِيَّة فَإِن من ارْتقى إِلَى علم الْبَاطِن انحط عَنهُ التَّكْلِيف واستراح من أعبائه وهم المرادون بقوله تَعَالَى ٨٨ ﴿وَيَضَع عَنْهُم إصرهم والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم﴾ الْآيَة وَرُبمَا موهوا بالاستشهاد عَلَيْهِ بقَوْلهمْ إِن الْجُهَّال المنكرين للباطن هم الَّذين اريدوا بقوله تَعَالَى ﴿فَضرب بَينهم بسور لَهُ بَاب بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهره من قبله الْعَذَاب﴾ وغرضهم الْأَقْصَى إبِْطَال الشَّرَائِع فَإِنَّهُم إِذا انتزعوا عَن العقائد مُوجب الظَّوَاهِر قدرُوا على الحكم بِدَعْوَى الْبَاطِن على حسب مَا يُوجب الإنسلاخ عَن قَوَاعِد الدّين إِذا سَقَطت الثِّقَة بِمُوجب الالفاظ الصَّرِيحَة فَلَا يبْقى للشَّرْع عِصَام يرجع إِلَيْهِ ويعول عَلَيْهِ
وَأما القرامطة فانما لقبوا بهَا نِسْبَة الى رجل يُقَال لَهُ حمدَان قرمط كَانَ اُحْدُ دعاتهم فِي الِابْتِدَاء فَاسْتَجَاب لَهُ فِي دَعوته رجال فسموا قرامطة وقرمطية وَكَانَ الْمُسَمّى حمدَان قرمط رجلا من اهل الْكُوفَة مائلا الى الزّهْد فصادفه اُحْدُ دعاة الباطنية فِي طَرِيق وَهُوَ مُتَوَجّه الى قريته وَبَين يَدَيْهِ بقر يَسُوقهَا فَقَالَ حمدَان لذَلِك الدَّاعِي وَهُوَ لَا يعرفهُ وَلَا يعرف حَاله أَرَاك سَافَرت عَن مَوضِع بعيد فَأَيْنَ مقصدك فَذكر موضعا هُوَ قَرْيَة حمدَان فَقَالَ لَهُ حمدَان اركب بقرة من هَذِه الْبَقر لتستريح عَن تَعب الْمَشْي فَلَمَّا رَآهُ مائلا الى الزّهْد والديانة اتاه من حَيْثُ رَآهُ مائلا اليه فَقَالَ اني لم اومر بذلك فَقَالَ حمدَان وكأنك لَا تعْمل الا بامر
1 / 12
قَالَ نعم قَالَ حمدَان وبأمر من تعْمل فَقَالَ الدَّاعِي بامر مالكي ومالكك وَمن لَهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَقَالَ حمدَان ذَلِك إِذن هُوَ رب الْعَالمين فَقَالَ الدَّاعِي صدقت وَلَكِن الله يهب ملكه لمن يَشَاء قَالَ حمدَان وَمَا غرضك فِي الْبقْعَة الَّتِي انت مُتَوَجّه اليها قَالَ امرت أَن ادعو اهلها من الْجَهْل الى الْعلم وَمن الضلال الى الْهدى وَمن الشقاوة الى السَّعَادَة وان استنقذهم من ورطات الذل والفقر واملكهم مَا يستغنون بِهِ عَن الكد والتعب فَقَالَ لَهُ حمدَان انقذني انقذك الله وافض عَليّ من الْعلم مَا يحببني بِهِ فَمَا اشد احتياجي الى مثل مَا ذكرته فَقَالَ الدَّاعِي وَمَا امرت بَان اخْرُج السِّرّ المخزون لكل اُحْدُ الا بعد الثِّقَة بِهِ والعهد عَلَيْهِ فَقَالَ حمدَان وَمَا عَهْدك فاذكره لي فَانِي مُلْتَزم لَهُ فَقَالَ الدَّاعِي ان تجْعَل لي وَللْإِمَام على نَفسك عهد الله وميثاقه ان لَا يخرج سر الإِمَام الَّذِي أَلقيته اليك وَلَا تفشي سري أَيْضا
فالتزم حمدَان سره ثمَّ انْدفع الدَّاعِي فِي تَعْلِيمه فنون جَهله حَتَّى
1 / 13
استدرجه واستغواه واستجاب لَهُ فِي جَمِيع مَا دَعَاهُ ثمَّ انتدب حمدَان للدعوة وَصَارَ اصلا من أصُول هَذِه الدعْوَة فَسمى اتِّبَاعه القرمطية
وَأما الخرمية فلقبوا بهَا نِسْبَة لَهُم الى حَاصِل مَذْهَبهم وزبدته فانه رَاجع الى طي بِسَاط التَّكْلِيف وَحط أعباء الشَّرْع عَن المتعبدين وتسليط النَّاس على اتِّبَاع اللَّذَّات وَطلب الشَّهَوَات وَقَضَاء الوطر من الْمُبَاحَات والمحرمات وخرم لفظ اعجمي يُنبئ عَن الشئ المستلذ المستطاب الَّذِي يرتاح الانسان اليه بمشاهدته ويهتز لرُؤْيَته وَقد كَانَ هَذَا لقبا للمزدكية وهم اهل الْإِبَاحَة من الْمَجُوس الَّذين نبغوا فِي ايام قباذ وأباحوا النِّسَاء وان كن من الْمَحَارِم وَأَحلُّوا كل مَحْظُور وَكَانُوا يسمون خرمدينية فَهَؤُلَاءِ ايضا لقبوا بهَا لمشابهتهم اياهم فِي اخر الْمَذْهَب وان خالفوهم فِي الْمُقدمَات وسوابق الْحِيَل فِي الاستدراج وَأما البابكية فاسم لطائفة مِنْهُم بَايعُوا رجلا يُقَال لَهُ بابك الخرمي وَكَانَ خُرُوجه فِي بعض الْجبَال بِنَاحِيَة أذربيجان فِي أَيَّام المعتصم بِاللَّه واستفحل أَمرهم واشتدت شوكتهم وقاتهلم افشين صَاحب حبس المعتصم مداهنا لَهُ فِي قِتَاله ومتخاذلا عَن الْجد فِي قمعه إضمارا لموافقته فِي ضلاله فاشتدت وَطْأَة البابكية على جيوش الْمُسلمين حَتَّى مزقوا جند الْمُسلمين وبددوهم منهزمين الى أَن هبت ريح النَّصْر وَاسْتولى عَلَيْهِم
1 / 14
المعتصم المترشح للْإِمَامَة فِي ذَلِك الْعَصْر فصلب بابك وصلب أفشين بإزائه وَقد بَقِي من البابكية جمَاعَة يُقَال إِن لَهُم لَيْلَة يجْتَمع فِيهَا رِجَالهمْ وَنِسَاؤُهُمْ ويطفئون سرجهم وشموعهم ثمَّ يتناهبون النِّسَاء فيثب كل رجل إِلَى إمرأة فيظفر بهَا ويزعمون ان من استولى على امْرَأَة اسْتَحلَّهَا بالاصطياد فَإِن الصَّيْد من أطيب الْمُبَاحَات وَيدعونَ مَعَ هَذِه الْبِدْعَة نبوة رجل كَانَ من مُلُوكهمْ قبل الاسلام يُقَال لَهُ شروين
1 / 15
ويزعمون أَنه كَانَ افضل من نَبينَا ﷺ وَمن سَائِر الْأَنْبِيَاء قبله
وَأما الاسماعيلية فَهِيَ نسبى لَهُم الى ان زعيمهم مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل ابْن جَعْفَر ويزعمون ان أدوار الإمامية انْتَهَت بِهِ اذ كَانَ هُوَ السَّابِع من مُحَمَّد ﷺ وأدوار الإماميه سَبْعَة سَبْعَة عِنْدهم فأكبرهم يثبتون لَهُ منصب النُّبُوَّة وَإِن ذَلِك يسْتَمر فِي نسبه وأعقابه وَقد اورد أهل المعرفه بِالنّسَبِ فِي كتاب الشجره أَنه مَاتَ وَلَا عقب لَهُ وَأما السبعيه فَإِنَّمَا لقبوا بهَا لأمرين أَحدهمَا اعْتِقَادهم أَن أدوار الْإِمَامَة سَبْعَة وَأَن الإنتهاء الى السَّابِع هُوَ أخر الدّور وَهُوَ المُرَاد بالقيامة وَأَن تعاقب هَذِه الادوار لَا آخر لَهَا قطّ وَالثَّانِي قَوْلهم إِن تدابير الْعَالم السفلي اعني مَا يحويه مقعر فلك الْقَمَر منوطة بالكواكب السَّبْعَة الَّتِي اعلاها زحل ثمَّ المُشْتَرِي ثمَّ المريخ ثمَّ الشَّمْس ثمَّ الزهرة ثمَّ عُطَارِد ثمَّ الْقَمَر وَهَذَا الْمَذْهَب مسترق من ملحدة المنجمين وملتفت الى مَذْهَب الثنوية فِي ان النُّور يدبر اجزاؤه الممتزجة بالظلمة بِهَذِهِ الْكَوَاكِب السَّبْعَة فَهَذَا سَبَب هَذَا التقليب
1 / 16
وَأما المحمرة فَقيل انهم لقبوابه لانهم صبغواالثياب بالحمرة ايام بابك ولبسوها وَكَانَ ذَلِك شعارهم وَقيل سَببه انهم يقررون ان كل من خالفهم من الْفرق واهل الْحق حمير والاصح هُوَ التَّأْوِيل الاول
وَأما التعليمية فانهم لقبوا بهَا لِأَن مبدأ مذاهبهم ابطال الرَّأْي وَإِبْطَال تصرف الْعُقُول ودعوة الْخلق الى التَّعْلِيم من الامام الْمَعْصُوم وانه لَا مدرك للعلوم الا التَّعْلِيم وَيَقُولُونَ فِي مُبْتَدأ مجادلتهم الْحق اما ان يعرف بِالرَّأْيِ وَإِمَّا ان يعرف بالتعلم وَقد بَطل التعويل على الرَّأْي لتعارض الاراء وتقابل الاهواء وَاخْتِلَاف ثَمَرَات نظر الْعُقَلَاء فَتعين الرُّجُوع الى التَّعْلِيم والتعلم وَهَذَا اللقب هُوَ الاليق بباطنية هَذَا الْعَصْر فان تعويلهم الاكثر على الدعْوَة الى التَّعْلِيم وابطال الرَّأْي وايجاب اتِّبَاع الامام الْمَعْصُوم وتنزيله فِي وجوب التَّصْدِيق والاقتداء بِهِ منزلَة رَسُول الله ﷺ
1 / 17
الْفَصْل الثَّانِي فِي بَيَان السَّبَب الْبَاعِث لَهُم على نصب هَذِه الدعْوَة وإفاضة هَذِه الْبِدْعَة
مِمَّا تطابق عَلَيْهِ نقلة المقالات قاطبة ان هَذِه الدعْوَة لم يفتتحها منتسب الى مِلَّة وَلَا مُعْتَقد لنحلة معتضد بنبوة فان مساقها ينقاد الى الانسلال من الدّين كانسلال الشعرة من الْعَجِين وَلَكِن تشَاور جمَاعَة من الْمَجُوس والمزدكية وشرذمة من الثنوية الْمُلْحِدِينَ وَطَائِفَة كَبِيرَة من ملحدة الفلاسفة الْمُتَقَدِّمين وضربوا سِهَام الرَّأْي فِي استنباط تَدْبِير يُخَفف عَنْهُم مَا نابهم من اسْتِيلَاء اهل الدّين وينفس عَنْهُم كربَة مَا دهاهم من امْر الْمُسلمين حَتَّى اخرسوا السنتهم عَن النُّطْق بِمَا هُوَ معتقدهم من انكار الصَّانِع وَتَكْذيب الرُّسُل وَجحد الْحَشْر والنشر والمعاد الى الله فِي آخر الامر وَزَعَمُوا انا بعد أَن عرفنَا ان الانبياء كلهم ممخرقون ومنمسون فانهم يستعبدون الْخلق بِمَا يخيلونه اليهم فنون الشعبذة والزرق وَقد تفاقم ام مُحَمَّد واستطارت فِي الاقطار دَعوته واتسعت ولَايَته واتسقت اسابه وشوكته حَتَّى استولوا على ملك اسلافنا وانهمكوا فِي التنعم فِي الولايات مستحقرين عقولنا وَقد طبقوا وَجه الارض ذَات الطول وَالْعرض وَلَا مطمع فِي مقاومتهم بِقِتَال وَلَا سَبِيل الى استنزالهم عَمَّا اصروا عَلَيْهِ الا بمكر واحتيال وَلَو شافهناهم بِالدُّعَاءِ الى مَذْهَبنَا لتنمروا
1 / 18
علينا وامتنعوا من الإصغاء الينا فسبيلنا ان ننتحل عقيدة طَائِفَة من فرقهم هم اركهم عقولا واسخفهم رَأيا وألينهم عَرِيكَة لقبُول المحالات واطوعهم للتصديق بالأكاذيب المزخرفات وهم الروافض ونتحصن بالانتساب إِلَيْهِم والاعتزاء الى اهل الْبَيْت عَن شرهم ونتودد اليهم بِمَا يلائم طبعهم من ذكر مَا تمّ على سلفهم من الظُّلم الْعَظِيم والذل الهائل ونتباكى لَهُم على مَا حل بآل مُحَمَّد ﷺ ونتوصل بِهِ الى تَطْوِيل اللِّسَان فِي أَئِمَّة سلفهم الَّذين هم اسوتهم وقدوتهم حَتَّى إِذا قبحنا أَحْوَالهم فِي أَعينهم وَمَا ينْقل إِلَيْهِم شرعهم بنقلهم وروايتهم اشْتَدَّ عَلَيْهِم بَاب الرُّجُوع إِلَى الشَّرْع وَسَهل علينا استدراجهم إِلَى الانخلاع عَن الدّين وان بَقِي عِنْدهم معتصم من ظواهر الْقُرْآن ومتواتر الاخبار أوهمنا عِنْدهم ان تِلْكَ الظَّوَاهِر لَهَا أسرار وبواطن وان امارة الاحمق الانخداع بظواهرها وعلامة الفطنة اعْتِقَاد بواطنها ثمَّ نبث ايهم عقائدنا ونزعم انها المُرَاد بظواهر الْقُرْآن ثمَّ اذا تكثرنا بهؤلاء سهل علينا اسْتِدْرَاج سَائِر الْفرق بعد التحيز الى هَؤُلَاءِ والتظاهر بنصرهم
ثمَّ قَالُوا طريقنا ان نَخْتَار رجلا مِمَّن يساعدنا على الْمَذْهَب ونزعم انه من اهل الْبَيْت وانه يجب على كَافَّة الْخلق مبايعته وتتعين عَلَيْهِم طَاعَته فانه خَليفَة رَسُول الله ومعصوم عَن الْخَطَأ والزلل من جِهَة الله تَعَالَى
1 / 19
ثمَّ لَا نظهر هَذِه الدعْوَة على الْقرب من جوَار الْخَلِيفَة الَّذِي وسمناه بالعصمة فان قرب الدَّار رُبمَا يهتك هَذِه الاستار واذا بَعدت الشقة وطالت الْمسَافَة فَمَتَى يقدر المستجيب الى الدعْوَة ان يفتش عَن حَاله وان يطلع على حَقِيقَة امْرَهْ ومقصدهم بذلك كُله الْملك والاستيلاء والتبسط فِي اموال الْمُسلمين وحريمهم والانتقام مِنْهُم فِيمَا اعتقدوا فيهم وعاجلوهم بِهِ من النهب والسفك وافاضوا عَلَيْهِم من فنون الْبلَاء
فَهَذِهِ غَايَة مقصدهم ومبدأ امرهم ويتضح لَك مصداق ذَلِك بِمَال سنجليه من خبائث مَذْهَبهم وفضائح معتقدهم
1 / 20