التيسير على النساء في الحج في ضوء السنة النبوية
التيسير على النساء في الحج في ضوء السنة النبوية
प्रकाशक
دار الحضارة للنشر والتوزيع
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٤٣٤ هـ - ٢٠١٣ م
शैलियों
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فإن من نعم الله على عباده أن بعث لهم نبيه بالحنيفية السمحة، وجعل التيسير من خصائص هذه الرسالة الخاتمة، فقال: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٧] لقد رسمت هذه الآية ملامح هذه الرسالة الخالدة من خلال وصف رسولها ﷺ، ونصت على أنه بعث لوضع الإصر والغل.
إنه تصوير لحالة الضيق والمشقة التي أماطتها هذه الشريعة بالسماحة واليسر.
1 / 5
والإصر: يقول عنه النضير بن شميل: العهد الثقيل. وكل ثقيل إصر؛ لأنه يأصر صاحبه، أي: يحبسه عن الحركة» (^١) (.
والأغلال جمع غُل -بالضم- وهي جامعة الحديد تكون في العنق واليدين. قال مرتضى في «التاج» عن الأغلال: «وقد تكرر ذكرها في القرآن والسنة، ويراد بها التكاليف الشاقة، والأعمال المتبعة (^٢)
وليس التيسير ورفع الحرج قاعدة فقهية فحسب عبر عنها الفقهاء بقولهم «المشقة تجلب التيسير» وقول الإمام الشافعي: الأمر إذا ضاق اتسع (^٣)، بل التيسير، ورفع الحرج مقصد من مقاصد أعلى الشريعة، والكتاب والسنة يدلان على ذلك بصريح النص في مواضع عدة، يقول تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٦].
_________
(^١) ينظر: تاج العروس (١٠١/ ٢)، لسان العرب (٤/ ٢٢)، مادة (أص ر).
(^٢) ينظر: تاج العروس (٣/ ٢٠٨) مادة (غ ل ل)، وانظر: الدر المنثور للسيوطي (٧/ ٤٣).
(^٣) الأشباه والنظائر للسيوطي (٨٣).
1 / 6
وجاء في المسند (^١) من حديث أبي أمامة مرفوعًا: «إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة».
وأخرج البخاري (^٢) من حديث عائشة ﵂ قالت: «ما خير رسول الله ﷺ بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه» وإنما قالت: «ما لم يكن إثمًا» لأن ترك الإثم لا مشقة فيه.
وما مشروعية الرخص المقطوع بها من قصر الصلاة للمسافر مع الجمع، وتناول المحرمات في حال الاضطرار إلا دليل قطعي على مطلق رفع الحرج والمشقة.
وإذا كانت النصوص الشرعية المتقدمة جاءت لتقرير قاعدة التيسير ورفع الحرج في أمور الدين عامة، فإن قصد التيسير يظهر في الحج بخصوصه، فها هو رسول الله ﷺ يعلنها في حجة الوداع، فيما أخرجه البخاري (^٣)، ومسلم (^٤) من حديث عبد الله بن عمرو بن
_________
(^١) (٥/ ٢٦٦) ٢٢٣٤٥، وصححه الألباني في الصحيحة (٦/ ١٢٢) ٢٩٢٤.
(^٢) (٥/ ٥٧٧٥، ٢٢٦٩).
(^٣) (١/ ٤٣) ٨٣.
(^٤) (٢/ ٩٤٨) ١٠٣٦.
1 / 7
العاص أن رسول الله ﷺ وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجل، فقال: لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح فقال: «اذبح، ولا حرج». وجاء آخر، فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ قال: «ارم، ولا حرج». فما سئل النبي ﷺ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: «افعل ولا حرج».
ولأن الحج عبادة قرنت بالاستطاعة نصًا، والحج في كثير من أحكامه مبني على التخيير، والتخيير أساس التيسير، وهذا حكم عام لجميع الحجيج، فكيف الأمر بالنساء اللائي عدّ رسول الله ﷺ الحج في حقهن جهادًا، فقال فيما أخرجه الإمام أحمد» (^١)، وابن ماجة» (^٢) من حديث عائشة قالت: قلت: يا رسول الله هل على النساء من جهاد؟ قال: «نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة» واللفظ لأحمد، وصححه الألباني في الإرواء» (^٣).
وفي البخاري في باب حج النساء (^٤) من حديث عائشة قالت:
_________
(^١) (٦/ ١٦٥) ٢٥٣٦١.
(^٢) (٢/ ٩٦٨) ٢٩٠١.
(^٣) (٤/ ١٠١) ٩٨١.
(^٤) (٢/ ٦٥٨) ١٧٦٢.
1 / 8
قلت: يا رسول الله ألا نغزو، ونجاهد معكم؟ فقال: «لكن أحسن الجهاد، وأجمله، الحج: حج مبرور» فقالت عائشة: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله.
بل إن الحج جهاد كل ضعيف، كما أخرجه ابن ماجة (^١) من حديث أم سلمة قالت: قال رسول الله ﷺ: «الحج جهاد كل ضعيف» وحسنه الألباني، وعند النسائي (^٢) بسند لا بأس به من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «جهاد الكبير، والصغير، والضعيف، والمرأة الحج والعمرة».
ولا شك أن اختيار لفظ «الجهاد» من رسول الله ﷺ له دلالته، ومعانيه، «فالجهاد» حالة يتصور فيها بذل الجهد، ولحوق المشقة، وهي كلمة تعد مقدمة لنتائج من صور التيسير والتخفيف لمن كانت هذه حالة كما ستقف عليه إن شاء الله.
وفي البحث سيتضح لك منحى التعامل مع المشقات في الحج، لاسيما مع وجود الخلاف القائم وعدم وجود النص القاطع.
_________
(^١) (٢/ ٩٦٨) ٢٩٠٢.
(^٢) (٥/ ١١٣) ٢٦٢٦.
1 / 9
يقول ابن القيم في تغير الأزمنة، والأمكنة، والأحوال: «هذا فصل عظيم النفع جدًا، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يُعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وحكمته الدالة عليه، وعلى صدق رسوله» (^١).
وتغير الزمان المشار إليه هو تغير أحوال الناس، فالحجيج
الذين كانوا يعدون بالآلاف أصبحوا يعدون بالملايين، والأنفس القليلة التي كانت تموت في موسم الحج أصبحت تعد بالمئات.
ومحل الشاهد منه أن الإبقاء على أحكام الجزئيات التي تخالف مقاصد الشريعة، وتؤدي إلى مشقة وإعنات مخالف لروح الشريعة وغلط.
_________
(^١) إعلام الموقعين (٣/ ١١).
1 / 10
وأي مشقة أعظم من ذهاب الأنفس في الزحام، والإثخان بالجروح والآلام، وإلحاق الضرر بعباد الله، ألا يستحق الأمر اجتهادًا، لاسيما في حق العجزة والضعفاء؟ (^١)
وقد سعدت بتناول موضوع «التيسير على النساء في الحج في ضوء السنة النبوية»:
وقسمت البحث إلى مقدمة، ومبحثين، وخاتمة.
المقدمة: وضمنتها: أهمية البحث، وخطة البحث.
المبحث الأول: مظاهر التيسير في ما قبل الحج
وفيه خمسة مطالب:
المطلب الأول: الاستطاعة التي توجب الحج على الآفاقي.
المطلب الثاني: أذن الزوج لزوجته في فريضة الحج.
المطلب الثالث: فرض الحج.
المطلب الرابع: إحرام الحائض بالحج.
المطلب الخامس: الاشتراط للحاج.
المبحث الثاني: مظاهر التيسير في أثناء الحج.
وفيه مطلبان:
_________
(^١) ينظر تعليق الشيخ عبدالله بن بيه على كتاب (افعل ولا حرج) للدكتور سلمان العودة (٧ - ٢٣)
1 / 11
المطلب الأول: التيسير في أركان الحج: وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: التيسير في الوقوف بعرفة.
المسألة الثانية: التيسير في طواف الإفاضة.
المطلب الثاني: التيسير في واجبات الحج: وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: تعجل الدفع من مزدلفة.
المسألة الثانية: التيسير في الرمي.
المسألة الثالثة: سقوط طواف الوداع عن الحائض والنفساء.
الخاتمة.
وقد حرصت على بيان أقوال الفقهاء المتعلقة بالمسألة، مع إيراد أدلتهم، وتعليلاتهم، معتمدة على المنهج العلمي المتبع في البحوث من عزو الآيات والأقوال، وتخريج الحديث.
سائلة الله التوفيق والسداد.
1 / 12
المبحث الأول
مظاهر التيسير في ما قبل الحج
المطلب الأول
الاستطاعة التي توجب الحج على الآفاقي
لاشك أن لوجوب الحج شروطًا عند أهل العلم منها ما هو شرط للوجوب والصحة، ومنها ما هو شرط للوجوب والإجزاء، ومنها ما هو شرط للوجوب فقط، وقد بسطها الأئمة في كتبهم.
وسأطرح في هذه المسألة شرطًا من شروط الوجوب ألا وهو الاستطاعة، إذ فيه أول مظهر من مظاهر تيسير الله على عباده في الحج، ولا خلاف بين أهل العلم في أن الاستطاعة شرط لوجوب الحج (^١)، لقوله تعالى: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٧]، ولكن أهل العلم اختلفوا في بيان حقيقة هذه الاستطاعة وشروطها علمًا بأن الاستطاعة نوعان:
_________
(^١) ينظر: التمهيد (٩/ ١٢٥)، المجموع (٧/ ٦٣)، المغني (٣/ ٨٧)، البحر الرائق (٢/ ٣٣٥).
1 / 13
استطاعة بالنفس، واستطاعة بالغير. والذي يهمنا في هذه المسألة النوع الأول، ألا وهو الاستطاعة بالنفس في حق الآفاقي الذي بينه وبين مكة مسافة يعد فيها مسافرًا، وقد ذكر العلماء شروطًا لتبيين حقيقة الاستطاعة بعضها مشترك بين الرجل والمرأة، والبعض الآخر يختص بالمرأة، وسأفصل القول فيما يختص بالمرأة.
ومن الشروط التي يشترك فيها الرجل والمرأة في بيان حقيقة الاستطاعة:
١. صحة البدن بأن لا يكون مريضا لا يستطيع الثبات على الراحلة (^١).
٢. أمن الطريق، بأن يغلب على الظن السلامة (^٢).
٣. وجود الزاد المحتاج إليه.
٤. وجود الراحلة إما بالتملك أو بالكراء (^٣)».
_________
(^١) ينظر: بدائع الصنائع (٢/ ١٢٢)، المجموع (٧/ ٤١)، المغني (٣/ ٩١).
(^٢) ينظر: المجموع (٧/ ٥٠)، المبدع (٩٧/ ٣)، البحر الرائق (٢/ ٣٣٨).
(^٣) ينظر: القول الثالث والرابع: المجموع (٧/ ٤١)، المغني (٣/ ٨٨)، البحر الرائق (٢/ ٣٣٧).
1 / 14
وأما الشرط الذي تختص به المرأة:
فوجود المحرم: والمحرم للمرأة هو الزوج أو من تحرم عليه بالتأبيد، وقد اختلف أهل العلم في اشتراطه على أقوال، من أشهرها:
القول الأول، لا يجب الحج على المرأة التي لا محرم لها، قال به الحسن، والنخعي، والحنفية، والحنابلة في المذهب، وإسحاق، وابن المنذر، والبغوي (^١) واستدلوا بما يلي:
ما أخرجه البخاري (^٢)، ومسلم (^٣) من حديث أبي هريرة قال:
قال النبي ﷺ: «لا يحل لمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة، ليس معها محرم» واللفظ لمسلم. وحمل العلماء هذا الحديث على عمومه؛ لأن (امرأة) في الحديث نكرة في سياق النفي فتحمل على العموم، وعليه بوب النووي في شرحه على صحيح مسلم (باب: سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره).
_________
(^١) ينظر: مسائل أحمد لأبي داود (١٠٦)، شرح الستة (٧/ ٢٠)، تحفة الفقهاء (٢/ ٢٨٧)، شرح فتح القدير (٢/ ٤٩١).
(^٢) أبواب: تقصير الصلاة، باب: في كم يقصر الصلاة (١/ ٣٦٨) ١٠٣٦.
(^٣) كتاب الحج، باب: سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره (٢/ ٩٧٧) ١٣٣٨.
1 / 15
٢. ما أخرجه البخاري (^١)، ومسلم (^٢) من حديث ابن عباس؟ قال: قال النبي ﷺ: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم، فقال رجل: يا رسول الله، إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا، وامرأتي تريد الحج، فقال اخرج معها، واللفظ للبخاري، وبوب عليه البخاري: (باب حج النساء) قال الحافظ: أي هل يشترط فيه قدر زائد على حج الرجال أولا؟ (^٣)» قال النووي: «فيه تقديم الأهم من الأمور المتعارضة؛ لأنه لما تعارض سفره في الغزو وفي الحج معها، رجح الحج معها» (^٤) لاسيما وقد رواه سعيد بن منصور عن حماد بن زيد بلفظ: فقال رجل: «يا رسول الله ﷺ إني نذرت أن أخرج في جيش كذا وكذا»، فلو لم يكن شرطًا ما رخص له في ترك النذر (^٥).
٣. ما أخرجه الدار قطني (^٦) من حديث ابن عباس قال: قال
_________
(^١) كتاب الحج: باب حج النساء (٢/ ٦٥٨) ١٧٦٣.
(^٢) كتاب الحج: باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره (٢/ ٩٧٨) ١٣٤١.
(^٣) الفتح: (٤/ ٧٦).
(^٤) شرح النووي: (٩/ ١١٠).
(^٥) الفتح: (٤/ ٧٥).
(^٦) السنن (٢/ ٢٢٢)، ٣٠.
1 / 16
رسول الله ﷺ: «لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم»، صحح إسناده الحافظ ابن حجر في الدراية في تخريج أحاديث الهداية (^١)، قال ابن قدامة: «هذا صريح في الحكم، وفيه نهي، والنهي يقتضي التحريم» (^٢)
٤. واستدلوا بأن المرأة أنشأت سفرًا في دار الإسلام، فلم يجز بغير محرم كحج التطوع، وأن المرأة بدون المحرم يخاف عليها الفتنة. (^٣)
القول الثاني: أن المحرم ليس بشرط في الحج الواجب، فيجب عليها أن تخرج للحج إذا وجدت رفقة مأمونين رجالًا أو نساء، قال به مالك (^٤)، والأوزاعي (^٥)»، والشافعي في مذهبه (^٦)، وأحمد في رواية (^٧). واستدلوا بما يأتي:
_________
(^١) (٢/ ٤).
(^٢) المغني (٣/ ٩٨).
(^٣) ينظر: المصدر السابق، الهداية مع شرح فتح القدير: (٢/ ٤٢٠).
(^٤) ينظر: الموطأ (٢٢٤)، الملتقي الباجي (٣/ ٨٣).
(^٥) ينظر: المجموع (٧/ ٨٦)، المغني (٣/ ٢٣٧).
(^٦) ينظر: الأم (٢/ ١١٧).
(^٧) ينظر: المغني (٣/ ٢٣٧)، والإنصاف (٣/ ٤١١).
1 / 17
١. ما أخرجه البخاري (^١)، من حديث عدي بن حاتم، قال بينما أنا عند النبي ﷺ إذا أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل، فقال: يا عدي هل رأيت الحيرة، قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها، قال: «فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدًا إلا الله ..».
ووجد الاستدلال أنه خبري سياق المدح، ورفع منار الإسلام فيحمل على الجواز (^٢). وأجيب عنه:
بأنه ليس في كل شيء أخبر النبي ﷺ بأنه سيقع حرمة أوجوازًا، لأنه نص على وجود ذلك لا جوازه. وما دام أن مجرد الإخبار عن الغيبيات لا يؤخذ منه جواز، كيف يؤخذ منه الوجوب؟ على قول من قال بوجوبها عند وجود الرفقة (^٣).
٢. ما أخرجه البخاري في صحيحه (^٤) من طريق إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده: أذن عمر لأزواج النبي ﷺ في آخر حجه
_________
(^١) كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام (٣/ ١٣١٦) ٣٤٠٠.
(^٢) الفتح: (٤/ ٧٦).
(^٣) المجموع: (٧/ ٨٦).
(^٤) كتاب الحج، باب: حج النساء (٢/ ٦٥٨) ١٧٦٣.
1 / 18
حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف.
قال الحافظ: «ومن الأدلة على جواز سفر المرأة مع النسوة الثقات إذ أمن الطريق، أول أحاديث الباب، لاتفاق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف، ونساء النبي ﷺ على ذلك، وعدم نكير غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك» (^١).
وأجيب بأن زوجات النبي ﷺ أمهات المؤمنين، فيحمل هذا على الخصوص.
وتعقب بأنهن مختصات بالتحريم، لا المحرمية، وأجيب عنه أيضًا: بأن هذه الرواية المطلقة، جاءت مقيدة عند ابن الجوزي في المنتظم (^٢) بأنه أخرج معهن أولياءهن، وإرسال عثمان وعبدالرحمن المزيد العناية بهن.
٣. أن وجود من تأمنه يقوم مقام المحرم (^٣)، ويجاب عنه بأنه لا أحد أعظم أمانة من الصحابة، ومع هذا فالرسول ﷺ نهى نساءهم
_________
(^١) الفتح: (٤/ ٧٦).
(^٢) (٤/ ٣٢٧).
(^٣) الإشراف لعبد الوهاب (١/ ٢١٧).
1 / 19
أن يسافرن إلا مع محارمهن.
وبالنظر لما تقدم من الأدلة والتعليمات يظهر والعلم عند الله أنه لا يجب الحج على المرأة، إلا مع وجود زوج أو محرم لما يلي:
١. أن الأحاديث التي استدل بها الجمهور صحيحة صريحة، ولم يوجد ما يعارضها، قال ابن المنذر: «تركوا القول بظاهر الحديث، واشترط كل منهم شرطًا لا حجة له عليه» (^١).
٢. أن حديث عدي بن حاتم؟ الذي استدل به أهل القول الثاني يدل على أنها تسافر وحدها، ولكنهم شرطوا رفقة من الرجال والنساء، فلم يأخذوا بدليلهم، ولا بأدلة القول الأول.
المطلب الثاني
أذن الزوج للمرأة في حج الفريضة
إن كان الحج نفلًا لم يختلف العلماء على أن المرأة لا تحرم إلا بإذن الزوج، فإن أحرمت بغير إذنه، جاز له تحليلها إذا أراد ذلك، وقد حكي الإجماع على ذلك (^٢).
_________
(^١) ينظر: المغني (٣/ ٥٣٤).
(^٢) حكاه ابن المنذر في الإجماع (١٦)، وانظر: الكافي لابن عبد البر (١/ ٤١٣)، المجموع (٨/ ٣٢٣)، المغني (٣/ ٥٣٣)، حاشية ابن عابدين (٢/ ٤٦٥).
1 / 20
أمّا إذا كان الحج فرضًا، ففي حكم منع الزوج زوجته من الإحرام قولان:
القول الأول، ليس للزوج منع امرأته من المضي إلى الحج الواجب عليها إذا كملت شروط الوجوب. هذا ما ذهب إليه الحنفية» (^١)، والحنابلة» (^٢)، والشافعية في قول مرجوح (^٣)، وابن حزم» (^٤)، وللمالكية قولان مبناهما على القول بفورية الحج، فقال بعضهم: الحج واجب على الفور، اختاره القاضي عبد الوهاب (^٥)، وبناء على ذلك فليس للزوج منعها.
وقال بعضهم: الحج واجب على التراخي اختاره القرطبي»، وعلى هذا القول ففي حكم منعها خلاف على قولين: أحدهما ليس له منعها. واستدلوا بما يأتي:
_________
(^١) ينظر: المبسوط (٤/ ١١٢)، الدر المختار شرح تنوير الأبصار (٢/ ٤٦٥).
(^٢) ينظر: المغني (٣/ ٥٣٢)، الإنصاف (٣/ ٣٩٩).
(^٣) ينظر: الأم (٢/ ١١٧)، نهاية المحتاج (٣/ ٣٦٨).
(^٤) ينظر: المحلى (٧/ ٤٧).
(^٥) ينظر: الإشراف (١/ ٢١١).
1 / 21
١. ما أخرجه البخاري، ومسلم (^١) من حديث ابن عمر؟ أن رسول الله ﷺ قال: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله».
قالوا فإذا لم تمنع من المسجد للصلاة، فلا تمنع من قصدها الحرم للحج.
وأجيب عن الحديث بأنه محمول على أنه نهي تنزيه أو على غير المتزوجات؛ لأن غير المتزوجات لم يتعلق بهن حق على الفور، وذلك كالبنت والأخت ونحوهما، وأن المراد لا تمنعوهن مساجد الله للصلوات (^٢) (^٣).
٢. أن الحج واجب وليس له منعها من الواجبات كما ليس له منعها من الصلاة والصيام.
وأجاب الشافعية بأن مدة الحج طويلة بخلاف الصوم والصلاة.
القول الثاني. للزوج أن يمنع زوجته من الخروج للحج الواجب،
_________
(^١) ينظر: تفسير القرطبي (٤/ ١١٤).
(^٢) صحيح البخاري كتاب الجمعة، باب: هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء ..
(١/ ٣٠٥) ٨٥٨، ومسلم في صحيحه في أبواب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد ..
(١/ ٣٢٦) ٤٤٢.
(^٣) ينظر: المجموع (٨/ ٣٣٠).
1 / 22
هذا ما ذهب إليه الشافعية في أصح القولين (^١)، والقول الثاني لبعض المالكية (^٢)» الذين ذهبوا إلى أن الحج واجب على التراخي.
واستدلوا بما يأتي:
١. ما أخرجه الطبراني في الصغير (^٣)، والأوسط (^٤)، والدراقطني
في السنن (^٥)، وابن عدي في الكامل (^٦)، والبيهقي في الكبرى (^٧) من طرق عن حسان بن إبراهيم، عن إبراهيم بن الصائغ، عن نافع، عن ابن عمر عن رسول الله ﷺ في امرأة لها زوج، ولها مال، ولا يأذن لها في الحج ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها. واللفظ للدراقطني.
قال الطبراني: لم يروه عن إبراهيم إلا حسان. وكذا قال ابن عدي.
_________
(^١) ينظر: المصدر السابق، مغني المحتاج (١/ ٥٣٦).
(^٢) ينظر: القوانين الفقهية (١٢٣)، منح الجليل (٢/ ١٦٢).
(^٣) (١/ ٤٣٩) ٥٨٢.
(^٤) (٤/ ٢٩٦) ٤٢٤٧.
(^٥) (٢/ ٢٢٣) ٣١
(^٦) (٢/ ٣٧٣) ٥٠١.
(^٧) (٥/ ٢٢٤) ٩٩٠٦.
1 / 23
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (^١): «رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورجاله ثقات».
ورمز السيوطي إلى حسنه في الجامع الصغير (^٢)، ونقله الحافظ في الفتح (^٣)» وسكت عنه، وضعف الحديث الألباني في ضعيف الجامع الصغير (^٤).
٢. وذكر أصحاب هذا القول أن حق الزوج على الفور، والحج على التراخي، فقدوم ما كان على الفور، كما تقدم العدة على الحج بلا خلاف (^٥).
وأجاب الجمهور بأن حق الزوج مستمر على الدوام فلو ملك منعها في هذا العام لملكه في كل عام، فيفضي إلى إسقاط أحد أركان الإسلام بخلاف العدة فإنها لا تستمر» (^٦).
_________
(^١) (٣/ ٢١٥).
(^٢) (١/ ١٠١) ٤٩١٩، وانظر: فتح القدير للمناوي (٥/ ٢٧٨).
(^٣) (٤/ ٧٧).
(^٤) ٤٩١٩.
(^٥) ينظر: المجموع (٨/ ٣٢٩)، مغني المحتاج (١/ ٥٣٦).
(^٦) ينظر: المغني: (٣/ ٥٣١)
1 / 24