Explanation of the Book of Hajj from Bulugh al-Maram

Abdullah bin Mani' Al-Roqi d. Unknown

Explanation of the Book of Hajj from Bulugh al-Maram

شرح كتاب الحج من بلوغ المرام

प्रकाशक

الدار العالمية للنشر والتوزيع

संस्करण संख्या

الأولى

प्रकाशन वर्ष

١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م

प्रकाशक स्थान

الإسكندرية - جمهورية مصر العربية

शैलियों

مقدمة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. فهذا شرح متوسط لكتاب الحج من بلوغ المرام عقدناه في ست مجالس في أحد مجالس الرياض وقد ضمنته كثيرًا من فوائد شرح شيخنا ابن باز وشيخنا ابن عثيمين رحمهما الله وأضفت فوائد حديثية وفقهيه كثيرة نسأل الله أن ينفع به ولا يفوتني أن أشكر الأخوة الذين قاموا بتفريغ الأشرطة وطباعتها فجراهم الله خيرًا وأجزل مثوبتهم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. عبد الله بن مانع الروقي

1 / 5

نصيحة عامة وفائدة مهمة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ وبعد: فما أحب أن أنصح به إخواني قبل الولوج في الشرح هو: أن طالب العلم عندما يدرس في العبادات يقرأ في كتب الأثر - الحديث -، وهي تكاد تكون مشروحة بذاتها، فلو اعتمد الإنسان على الآثار النبوية الصحيحة لم يحتج إلى شرح في الغالب إن استقام فهمه، ثم لا بأس من فهم كلام أهل العلم والاستفادة منهم. وأحاديث العبادات كثيرة جدًّا في كتب السنة وفيها تفصيل كل شيء؛ لأن العبد في العبادات ما يتحرك إلا بأثر - حديث - صحيح؛ لأنه يتعبد الله ﷿ بقيامه وقعوده وكلامه وسكوته ... وما أشبه ذلك. فمثلًا: (الصلاة) أحاديثها في كتب الفقه كثيرة جدًّا. وأيضًا: (الحج) ففي صفة الحج حديث جابر منسك لو أن الإنسان فقهه وزاد عليه بعض الأحاديث اليسيرة فقط في تكميل النسك لاكتفى بهذا. أما في المعاملات فيضم إلى كتب الأثر كتب الفقه؛ لأن الأحاديث في المعاملات قليلة؛ لأن الأصل في المعاملات والحل وإنما جاءت الشرائع بوضع ضوابط للعباد مثل: «البيِّعان بالخيار ...» (١) و«لا تبع ما ليس عندك» (٢). فالأحاديث في البيوع مثلًا قليلة فربما لا تكون بقدر ما جاء في بعض أبواب العبادات ولا أقول كتب بل أبواب!.

(١) هذه النصيحة هي بمثابة التوعية قبل أن يلج الإنسان الشرح وقد استخلصها من وسط الدروس. والحديث رواه البخاري (١٩٧٣، ومواضع)، ومسلم (١٥٣٢)، وغيرهما. (٢) رواه أبو داود (٣٥٠٣)، والترمذي (١٢٣٢)، والنسائي (٤٦١٣)، وابن ماجه (٢١٨٧)، وأصله في صحيح البخاري بمعناه.

1 / 7

فإن شئت أن تستوفي صحتها وشرائطها؛ فهذا يحتاج لتجميعها من كتب الفقه المعتمدة على النصوص، ويحتاج إلى فهم كلام أهل العلم وقياساتهم واستنباطهم. فلهذا أهل العلم في المعاملات يشققون في المسائل ويقعدونها، لذلك الإنسان إذا درس المعاملات من كتب الحديث فقط قد يفوته بعض الأشياء المهمة في البيوع أو الأنكحة أو غيره؛ لأنها تحتاج إلى فهم وشرح وتأصيل وتقعيد.

1 / 8

قال المؤلف ﵀ -: كتاب الحج بَابُ فَضْلِهِ وَبَيَانِ مَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لَمِا بَيْنَهُمَا، وَالَحجُّ المَبْرورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الَجَنَّةَ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ] (١). وَعَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ، عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الحَجُّ، وَالعُمْرَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحِ. وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ ﷺ أَعْرَابيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَخْبِرْنِي عَنِ العُمْرَةِ، أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ فَقَالَ: «لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَك» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ]. وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ عَنْ جَابِرٍ ﵁ مَرْفُوعًا «الحَجُّ وَالعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ». وَعَنْ أَنَسٍ ﵁ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: «الزَّادُ والرَّاحِلَةُ». رَوَاهُ الدَّرَاقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَالرَّاجِحُ إِرْسَالُهُ. وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا، وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَقَى رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: «مَنِ القَوْمُ؟» (قَالُوا: المُسْلِمُونَ)، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: «رَسُولُ اللهِ» فَرَفَعَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَك أَجْرٌ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ].

(١) سيأتي تخريج الأحاديث - إن شاء الله - كلٌ في موضعه.

1 / 9

يقول المؤلف ﵀: (كتاب الحج) أي: هذا كتاب الحج، ثم بدأ بفضله وبيان من فرضه عليه، والحج لا شك أنه ركن من أركان الإسلام فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: «بني الإسلام على خمس ...» وذكر الصيام الركن الرابع ثم ذكر الحج (١)، وفي رواية أنه ذكر الحج ثم ذكر بعده الصيام (٢)، وهذه رواية البخاري فيها تقديم الحج وتأخير الصيام، ولكن المشهور في الأحاديث في ترتيب أركان الإسلام أن الحج هو آخرها، وهذه رواية مسلم في صحيحه وأصحاب السنن وغيرهم ففيها تقديم الصيام على الحج. ولن نطيل الكلام في مسألة فرضية الحج، إنما الكلام في المسائل التي تحتاج بحث ونظر. ومن المسائل المهمة: متى فرض الحج؟ وعلى هذا ينبني الخلاف في مسألة وجوب الحج هل هو على الفور أم على التراخي؟. الصحيح أن الحج فرض في العام التاسع من الهجرة، وأما قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]. فهذه الآية نزلت في صلح الحديبية في العام السادس، وهذه الآية ليس فيها إلا إتمام فرائض الحج والعمرة وسننهما كما فسرها جماعة من السلف من الصحابة والتابعين. وأما فرض الحج فهو في آية آل عمران ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ (٣) الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: ٩٧]. فمن باب الاستطراد النافع نقول:

(١) أخرجه مسلم (١٩)، والترمذي في الجامع (٢٦٠٩)، والنسائي في المجتبى (٥٠٠١)، وغيرهم من أصحاب السنن والمعاجم والمسانيد. (٢) أخرجه البخاري رقم (٨)، ومسلم (٢٠، ٢١) وقد تكلم الحافظ ابن حجر على هذه الرواية كلاما جيدًا فانظره في شرح الحديث، وأيضًا كلام الإمام النووي في شرح حديث رقم (١٦) من صحيح مسلم وقد أورد كلام أهل العلم في النظر فيها فانظره ففيه فوائد. (٣) هكذا الأفصح أن يقال حِج البيت وليس حَج البيت كما هو كتاب الله وأيضًا يقال ذو الحِجة.

1 / 10

هل يدل هذا على أن من لم يحج كافر؟ الأمر كما روي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: ﴿.. وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ ..﴾ [النمل: ٤٠]، قال: «من كفر بالحج فلم ير حجه برًا ولا تركه مأثمًا» (١). وإن كان هذا الخبر به ضعفًا لكن معناه صحيح فعلى معناه يدل مفهوم كتاب الله وسنة النبي ﷺ وآثار الصحابة ﵃ وإجماع الأمة. فمما لا شك فيه أن الذي لا يرى الحج برًّا ولا يرى تركه إثمًا كافر (٢). وقد نزلت آية آل عمران: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ في العام التاسع من الهجرة في عام الوفود باتفاق أهل السير. وأما قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ فنزلت في العام السادس من الهجرة، وكانت مكة في قبضة المشركين حيث أنها ظلت في أيديهم إلى العام السابع، وفي هذا العام أتى النبي ﷺ بعمرة القضية (٣). وفي العام الثامن من الهجرة كان فتح مكة وفي التاسع كان عام الوفود (٤) وكان النبي ﷺ ماكثًا في المدينة مشتغلًا باستقبال الناس لدخولهم في الإسلام زرافات ووحدانا، وكان هذا أنفع.

(١) رواه البيهقي في شعب الإيمان (٣/ ٤٢٧ رقم ٣٩٧١)، وفي السنن الكبرى (٤/ ٣٢٤ رقم ٨٣٨٩) من كلام ابن عباس فيما رواه عنه علي بن أبي طلحة، ورواية علي بن أبي طلحة وإن كان من رجال مسلم إلا أن روايته عن ابن عباس منقطعة عند أهل العلم، ولكنها وجدت بالتتبع والاستقراء موفقة للصحيح. (٢) وقد عدد أهل التفسير والأثر الشواهد على هذا في تفسير الآية السابقة فلمزيد بيان انظر إن شئت تفسير الآية في تفسير الطبري والقرطبي وفتح القدير والدر المنثور وروح المعاني ... وغيرهم. وانظر أيضًا في المسألة ذاتها كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٢٠/ ٩١)، وشرح العمدة (٣/ ٦٣٣)، وانظر بدائع الصنائع (٢/ ٢٩٠). (٣) قال ابن عبد البر في التمهيد (١٥/ ٢١٢)، وابن حجر في الفتح (٣/ ٦٠٢): سميت بذلك لأن رسول الله ﷺ قاضي قريشًا وصالحهم في ذلك العالم على الرجوع عن البيت وقصده من قابل إن شاء فسميت بذلك عمرة القضية. اهـ. وكانت في ذي القعدة. (٤) سُمي بهذا لكثرة الوفود التي وفدت إلى رسول الله ﷺ فيه، ولمزيد من التفصيل انظر كتاب المغازي في المجلد السابع من صحيح البخاري بداية من حديث رقم (٤٣٦٥)، ومسلم كتاب الفضائل.

1 / 11

وأيضًا هناك مانع آخر منعه ﷺ من الحج في العام التاسع؛ أن المشركين كانوا يحجون، ولهذا بعث النبي ﷺ بأبي بكر وأتبعه بعلي بن أبي طالب، فكانوا يُعْلِنُون أنه لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عُريان ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة (١). فكان هذا إعلانًا من الله ورسوله أن الحج في السنة القادمة لا يحج إلا المسلمون، وهذان مانعان مشهوران عند أهل العلم من عدم حج النبي ﷺ سنة تسع للهجرة. فالخلاصة موانع حج النبي ﷺ في العام التاسع: أولًا: أن الحج كان فيه مشركون كثير سنة تسع. الأمر الثاني: أن النبي اشتغل في العام التاسع بالوفود، وعدد الوفود الذين قدموا على النبي ﷺ أفاد الحافظ أنهم بلغوا ستين وفدًا كما ذكره في فتح الباري في باب حج أبي بكر بالناس من كتاب المغازي (٨/ ٨٣). وهناك أمر ثالث ذكره شيخ الإسلام والحافظ ابن حجر وغيرهم: وهو أن الزمان لم يكن قد استدار، وكانت قريش وغيرها من مشركي العرب يعبثون في الزمان، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا﴾ [التوبة: ٣٧]. فكانوا يؤخرون الشهور، فكانت الأيام لم تقع على هيئتها كما خلقها الله ﷿، لهذا لما خطب النبي ﷺ سنة عشر من الهجرة في حجة الوداع قال: «إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض» (٢). أي: وقعت الأيام موقعها، وكان شهر ذي الحجة موافق لأول ابتداء الخلق، فكان الحج حقيقيًّا، وإن كان هذا في كونه مانع نظرًا من حيث إن الناس - كما أجمع أهل العلم - لو وقفوا في اليوم الثامن أو اليوم العاشر بعرفة لصح حجهم باتفاق.

(١) أخرجه البخاري (٣٦٢، ١٥٤٣، ٤٣٧٨)، ومسلم (١٣٤٧). (٢) رواه البخاري (٤٣٨٥، ٥٢٣٠)، ومسلم (١٦٧٩).

1 / 12

فهذا الوجه فيه ضعف من هذه الحيثية، ويمكن أن يقال بالفرق فإنما صح حج الناس في مثل هذه الصورة لعدم العلم. فالصحيح أن الحج فرض في العام التاسع من الهجرة، وعلى هذا ما يكون النبي تركه إلا بأعذار فيكون الأصل الحج على الفور. وقد حكى شيخ الإسلام اتفاق الصحابة والسلف أنه على الفور كما في شرح العمدة (٢/ ٢١٥). ويدل عليه أثر عمر ﵁، وقد روي عنه من غير وجه وهو ثابت عن قوله: «من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديًّا أو نصرانيًّا» (١). وفي لفظ عنه: «ولقد هممت أن أبعث رجالًا إلى هذه الأمصار فينظروا كل رجل ذا جِدة لم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين» (٢). قال شيخ الإسلام في شرح العمدة: وهذا قول عمر ولم يخالفه مخالف من الصحابة اهـ. والمشهور عند الشافعية أن الحج فرض في العام السادس من الهجرة، وعلى هذا جرى قولهم واشتهر عنهم أن الحج ليس بواجب على الفور، وإنما على التراخي، والعجيب أنهم يقولون: الحج ليس بواجب على الفور، ولكن من مات علمنا أنه واجب عليه، فيلزمه إن كان ترك مالًا أن يخرج من تركته من يحج عنه. واحتج بعض الشافعية وغيرهم بأنه في قراءة بعض أصحاب ابن مسعود كعلقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود، وصح عن إبراهيم النخعي أنه قرأ قوله تعالى: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ بلفظ: (وأقيموا).

(١) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (٣/ ٣٠٦) رقم (١٤٤٥٥) بلفظ: «من مات وهو موسر لم يحج فليمت على أي حال شاء يهوديا أو نصرانيا»، والبيهقي في سننه الكبرى (٤/ ٣٣٤) رقم (٨٤٤٤)، أبو نعيم في الحلية (٩/ ٢٥٢) بألفاظ تدل على نفس المعنى كلها عن عمر ﵁. (٢) ذكره شيخ الإسلام في شرح العمدة (٢/ ٢١٥) لكني لم أقف عليه في الأمهات.

1 / 13

ولكن هذه القراءة ضعيفة من وجهين: الأول: أنها تخالف الرسم العثماني فتكون شاذة. الثاني: أنها تفسيرية (أقيموا) و(أتموا) متقاربان. والصحيح أنها تفسيرية للآية بالرسم المشهور ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ .. الآية﴾. وعلى هذا لا حجة لمن قال أن الحج واجب على التراخي، فالصحيح أن الإنسان إذا بلغ سن البلوغ، كما لو بلغ في شوال أو في ذي القعدة، وكان موسرًا تلك السنة فيجب عليه أن يحج في أول سنة يأتي عليه فيها الحج، ومن مات وقد فرَّط في أداء الحج بعد القدرة عليه فَيُخْشَى ألا ينفعه تأديته عنه بعد موته (١). وهل الحج عبادة بدنية أو مالية؟ الأصل فيه أنه عبادة بدنية ولكن قد يحتاج الإنسان فيه إلى المال، ولكن المال ليس فيها على وجه اللزوم مثل الجهاد، فالجهاد عبادة مالية وبدنية لما يحتاج إليه من المركوب والسلاح وما أشبه ذلك، وأما الحج فبإمكان الحاج أن يحج ولا ينفق شيئًا. هذا هو الأصل ولكن الغالب على أهل الآفاق أنهم يحتاجون إلى مال فهذا لا يخرجه عن الأصل. فشروط الحج: ١ - الإسلام. ٢ - البلوغ. ٣ - العقل. ٤ - الحرية. ٥ - القدرة. ونظمها بعضهم في بيتين قال: الحج والعمر ة واجبان ... في العمر مرة بلا تواني شرط إسلام كذا حرية ... عقل بلوغ قدرة جلية

(١) انظر كلام ابن القيم في تهذيب السنن (٣/ ٢٨٢).

1 / 14

الحديث الأول فضل العمرة والحج عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «العُمْرَةُ إلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ (١) لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةَ» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ] (٢). في هذا الحديث من الفوائد: أن فضل العمرة دون فضل الحج، ولهذا عبَّر بأن العمرة تكفر ما بينها وبين العمرة التي تليها، وأما الحج المبرور فليس له جزاء إلا الجنة، وهذا لا شك فيه فالحج والعمرة لا يستويان لا في الأجر ولا في الوجوب، فالحج واجب بالنص والإجماع والعمرة فيها خلاف يأتي ذكره إن شاء الله، والعمرة أقل أعمالًا ولهذا كانت العمرة كفارة لما بينها وبين العمرة التي تليها. قوله: «الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةَ» يقول الشيخ ابن عثيمين ﵀: (والحج المبرور ما اجتمع فيه أمور: أولًا: أن يكون خالصًا لله ﷿ وهذا شرط في كل عبادة. ثانيًا: أن يكون بمال حلالٍ، فإذا كان بمال حرام فليس بمبرور. بل قال بعض أهل العلم: إن الحج بمال حرام لا يُقْبل، والصحيح أنه صحيح مع الإثم، لأن الجهة منفكة؛ لأن المال الحرام لا يطرأ على شرائط الحج، ولا على أركانه ولا على واجباته، أشبه بالصلاة في الدار المغصوبة على القول الراجح بل هو أولى من ذلك. ثالثًا: أن يقوم بفعل ما يجب وأن يترك ويجتنب كل ما يحرم لقوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ...﴾ الآية [البقرة: ١٩٧].

(١) المبرور: هو الذي لم يخالطه آثام ومعاصٍ. (٢) رواه البخاري (١٧٧٣)، ومسلم (١٣٤٩). انظر تحفة الأشراف (٩/ ٣٩٠، ٣٨٦).

1 / 15

فإذا اجتمعت هذه الأشياء في الحج يرجى للإنسان أن يكون حجه مبرورًا). هل الحج يكفر السيئات الصغائر فقط دون الكبائر؟ اشتهر عند أكثر أهل العلم أن الحج يكفر الصغائر فقط، وذهب بعضهم أن الحج يكفر حتى الكبائر، واحتجوا بما أخرجه البخاري في صحيحه أن النبي ﷺ قال: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» (١). ولا شك أن الإنسان تلده أمه ليس عليه من الذنوب لا صغائر ولا كبائر. واحتجوا أيضًا بما رواه مسلم من طريق عبد الرحمن بن شماسة المهري قال: حضرنا عمرو بن العاص في الوفاة فَحوَّل وجهه تجاه الجدار، فأخذ يبكي ثم قال: إني كنت على أطباق ثلاثة، ثم ذكر أنه أتى النبي ﷺ يريد أن يبايعه فقال: يا رسول الله أبسط يدك لأبايعك! فبسط النبي ﷺ يده فقبض عمرو يده فقال ﷺ: «مالك يا عمرو؟» قال: أردت أن أشترط! قال: «تشترط بماذا؟» قال: اشترط أن يغفر الله لي. فقال: «أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الحج يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها» (٢). وليس في هذا الحديث أن التوبة تهدم ما قبلها بل لا يصح بهذا اللفظ حديث (٣). والشاهد أن الحج يهدم ما كان قبله ولا شك أن الصغائر تمحوها الصلاة والوضوء وما أشبه ذلك، فلا يُعَبَّر بشيء أنه يُهْدَم إلا بشيء قائم وهو الذنوب الكبار، والاستدلال بهذا ظاهر على أن الحج يكفر الذنوب الكبار. وهذا مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في الجملة، فشيخ الإسلام يرى أن من الأعمال الصالحة ما يكفر حتى الكبائر.

(١) رواه البخاري (١٤٤٩، ١٧٢٣، ١٧٢٤)، ومسلم (١٣٥٠). (٢) رواه مسلم (١٢١). (٣) أي: لا يثبت في هذا الحديث هذا اللفظ، لكن التوبة النصوح ثبت بالكتاب والسنة فضلها والحث عليها.

1 / 16

قالوا: لهذا غزوة بدر - كما ثبت في الصحيح أن النبي ﷺ قال: «لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: أعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» (١) - كَفَّرت عمن شهدها ما عمل بعد ذلك، على أحد التفاسير المشهورة للخبر وهو الصحيح. فالحسنات العظام تُكَفَّر ما تصادف من السيئات، فقد تمحو كل السيئات وقد تمحوا أكثرها دون كونها مختصة بالصغائر، وهذا هو القول الراجح في الغزو، وفي بر الوالدين، وفي الحج، وفي العمرة، إذا كانت خالصة لله، وقد يكون هذا حتى في الصلوات التي يكون فيها خشوع واستحضار لعظمة الله ﷿. لكن قال أهل العلم: إنه لا يُكَفِّر من السيئات إلا المقبول من العمل الصالح، فلو أن إنسانًا قام يصلي وقلبه ليس بخاشع بل في أودية الدنيا، فحسب هذه أن يسقط بها الفرض فضلًا عن أن تكفر شيئًا من السيئات، كما قال شيخ الإسلام وابن القيم والحافظ ابن حجر: (وإنما يكفر من الذنوب ما استجيب وما قبل من الأعمال الصالحة) وهذا ينبغي أن يكون معلومًا.

(١) أخرجه البخاري (٢٨٤٥، ٢٩١٥، ٣٧٦٢، ٤٠٢٥، ٤٦٠٨، ٥٩٠٤، ٦٥٤٠)، ومسلم (٢٤٩٤)، وغيرهما من أصحاب السنن والمعاجم والمسانيد.

1 / 17

الحديث الثاني ما على النساء من جهاد وَعَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ! عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الحَجُّ، وَالعُمْرَةُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَاللَّفْظُ لَهُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيح (١). هذا الحديث: أصله في صحيح البخاري؛ «أن عائشة ﵂ قالت: نرى الجهاد أفضل الأعمال أفنجاهد؟ فقال ﷺ: «لكن أفضل الجهاد حج مبرور» (٢). وقد احتج بهذا اللفظ الذي في السنن وفي مسند الإمام أحمد وابن ماجة على أن العمرة واجبة؛ لأن النبي ﷺ قال: «عليهن» وهذه الصيغة عند أهل العلم ليست صريحة في الوجوب ولكنها ظاهرة فيه. ففي حديث: «يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة» (٣) ليس كل الخصال المذكورة واجبة. فهذا الحديث أحد الأحاديث التي استدل بها من قال بأن العمرة واجبة كالحج، وهذا اختيار شيخنا ابن باز ﵀، واختيار الشيخ ابن عثيمين، وهو مذهب البخاري كذلك في صحيحه، قال: باب وجوب العمرة وفضلها، واحتج بحديث الترجمة حديث الباب الأول «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما».

(١) أخرجه أحمد (٦/ ١٦٥)، وابن ماجه (٢٩٠١)، وابن خزيمة (٣٠٧٤)، انظر تحفة الأشراف (١٢/ ٤٠٢). (٢) أخرجه البخاري (١٥٢٠، وأطراف ١٨٦١، ٢٧٨٤، ٢٨٧٥، ٢٨٧٦). التحفة (١٧٨٧١). (٣) أخرجه البخاري (٢٥٦٠، ٢٧٣٤، ٢٨٢٧)، ومسلم (٧٢٠، ١٠٠٧، ١٠٠٩)، وغيرهما.

1 / 18

ولما لم يصح على شرط البخاري حديث في وجوب العمرة وإنما اكتفى بالترجمة، وهذه عادته ﵀؛ أنه إذا لم يصح الحديث على شرطه إما أن يذكر اختياره في الترجمة، أو يسند إلى بعض الصحابة والتابعين اختياره هذا، ومن درس البخاري علم هذا. فائدة: إن الحديث بهذا اللفظ غير محفوظ، فإن هذا اللفظ جاء من طريق محمد بن فضيل عن حبيب بن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة زوج النبي ﷺ به. وهذا الإسناد ظاهره الصحة، ولكن ذِكْر الحديث بلفظ الأمر تفرد به محمد بن فضيل، فقد روى الحديث عن حبيب بن أبي عمرة بلفظ الخبر والفضيلة، وليس بلفظ الأمر، جماعة من الرواة منهم: ١ - عبد الواحد بن زياد (١). ٢ - خالد بن عبد الله الطحان (٢). ٣ - سفيان الثوري (٣). ٤ - جرير بن عبد الحميد (٤). ٥ - يزيد بن عطاء اليشكري (٥). هؤلاء يروونه بلفظ البخاري، فالصحيح أن هذا اللفظ - لفظ الأمر - غير محفوظ فلم يتم الاستدلال به على وجوب العمرة. هذا أحد الأدلة التي استدل بها من قال إن العمرة واجبة.

(١) انظر «صحيح البخاري» (١٨٦١)، وأحمد (٦/ ٧٩). (٢) انظر «صحيح البخاري» (١٥٢٠). (٣) انظر «صحيح البخاري» (٢٨٧٦). (٤) انظر «سنن النسائي» (٥/ ١١٤). (٥) وهو لين الحديث، انظر «مسند أحمد» (٦/ ٧١).

1 / 19

وكذلك استدلوا بحديث عمر الذي أصله في مسلم في سياق أركان الإسلام قال: «وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة» (١). ولكنه بهذا اللفظ «تحج وتعتمر» تفرد به سليمان التيمي، ومسلم ﵀ رواه بدون هذه اللفظة، وساق إسناده من طريق سليمان التيمي نفسه لكن لم يسق لفظه فقال: بنحوه. أي: كما تقدم بلفظه الأول الذي ليس فيه زيادة «وتعتمر» فمسلم عَدَل عن هذه اللفظة، وهذا هو الحديث الثاني الذي استدل به من قال بوجوب العمرة، وهو معلول بتفرد سليمان التيمي فقد خالفه جماعة من الحفاظ. وكذلك استدلوا بحديث الصُّبي ابن معبد عند أبي داود وغيره أنه أتى عمر فقال: إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليّ في كتاب الله! فقال: (هديت لسنة نبيك) (٢). فهذا مع كونه غير صريح إلا إنه اختلف في لفظة بهذا السياق (إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليّ) فهو بهذا الحرف فيه نظر، ثم إنه لو كان محفوظًا (إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليّ) ليس المراد بالكتابة: الفرض فهو قابل للتأويل بمعنى أنها مشروعة، ثم إنه أحال على كتاب الله، وليس في كتاب الله وجوب العمرة كما هو معلوم!. وإن أُريد به في حكم الله وأقره عمر، فيكون قولًا له ﵁. وأصح ما استدل به على وجوب العمرة ما أخرجه أصحاب السنن من حديث أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي ﷺ فقال يا رسول الله! إن أبي شيخ كبير لا يستطيع: الحج، ولا العمرة، ولا الظعن؟ فقال له النبي ﷺ: «حج عن أبيك واعتمر» (٣).

(١) بهذا اللفظ رواه ابن خزيمة (١/ ٣) رقم (١)، وابن حبان (١/ ٣٩٧) رقم (١٧٣)، والدارقطني (٢/ ٢٨٢) رقم (٢٠٧)، والبيهقي (٤/ ٣٤٩) رقم (٨٥٣٧). (٢) أخرجه أبو داود (١/ ٥٥٩) رقم (١٧٩٨، ١٧٩٩)، وغيره. (٣) أخرجه الترمذي (٣/ ٢٦٩) رقم (٩٣٠)، وأبو داود (١/ ٥٦٢) رقم (١٨١٠)، والنسائي (٥/ ١١١، ١١٧) رقم (٢٦٢١، ٢٦٣٧)، وابن ماجه (٢/ ٩٧٠) رقم (٢٩٠٦)، وأحمد (٤/ ١٠، ١١، ١٢) وابن حبان (٩/ ٣٠٤)، وغيرهم من أصحاب السنن والمعاجم والمسانيد.

1 / 20

وقد أخرج البيهقي بسنده من طريق مسلم قال: سمعت أحمد بن حنبل ﵀ يقول: (لا أعلم حديثًا أصح وأجود إسنادًا في إيجاب العمرة من هذا). هكذا قال الإمام أحمد وقد روُي عنه بالإسناد الصحيح، ولكن نازع الإمام أحمد جماعة من الحفاظ المتأخرين كابن دقيق العيد، وقالوا: لمن هذا فيه مشروعية العمرة عن الأموات ليس فيه أنها واجبة ابتداءً، وإنما فيه الإذن بالحج عنه والاعتمار هذا مجمل الأدلة على وجوب العمرة. وشيخنا ابن باز ﵀ يحتج بزيادة: «تحج وتعتمر» وبهذا اللفظ: «عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة». والبخاري كما ذكر قال: باب وجوب العمرة وفضلها. ومسألة وجوب العمرة تكاد تكون مناصفة بين أهل العلم ليس فيها جمهور. هذه الأدلة، وفيما تقدم كنا نميل إلى الوجوب لكن الآن أقل ما يقال: (وفي الوجوب نظر). فالأحوط ألا يدع الإنسان العمرة، ولكن مع القول بأنها واجبة فهي ليست ركنًا من أركان الإسلام باتفاق العلماء، فقد يكون الشيء واجبًا وليس ركنًا، وهذا يكون في كثير من التكاليف الشرعية، تكون واجبة ولكنها ليست من الأركان، فالواجبات في العبادات غير الأركان كثيرة، فهذه زكاة الفطر ليست ركن من أركان الإسلام وهي واجبة بالنص والإجماع.

1 / 21

الحديث الثالث، والرابع هل العمرة واجبة كالحج وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ﵄ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ ﷺ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ العُمْرَةِ، أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ فَقَالَ: «لَا، وَأَنْ تَعْتَمِر خَيْرٌ لَك» [رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ]. وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ (١). وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ عَنْ جَابِرٍ ﵁ مَرْفُوعًا: «الحَجُّ وَالعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ» (٢). أما الحديث الأول في نفي وجوب العمرة، ولا يصح في نفي وجوب العمرة حديث كما قال الشافعي وغيره. وتقدم أن الأحاديث التي فيها وجوب العمرة فيها مقال على ما تقدم وأما الحديث الآخر «الحَجُّ وَالعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ» فلا يثبت ولا يصح. والعلماء في العمرة على ثلاثة أقوال: ١ - منهم من يرى أنها سنة. ٢ - ومنهم من يرى أنها واجبة مطلقًا. ٣ - ومنهم من يرى أنها واجبة على غير أهل مكة وإنما هي مستحبة لهم؛ لأنهم أهل البيت ويطوفون، وهذا أعظم أركان العمرة والبيت عندهم فالعمرة ليست واجبة عليهم.

(١) ضعيف مرفوعًا، صحيح موقوفًا: أخرجه أحمد (٣/ ٣١٦)، والترمذي (٩٣١)، وغيرهما. وإسناده ضعيف لضعف حجاج بت أرطاة وتدليسه، وقد عنعنه. ورواه البيهقي (٤/ ٣٤٩)، بسنده موقوفًا على جابر ﵁، ثم قال: هذا هو المحفوظ عن جابر موقوف غير مرفوع. (٢) أخرجه ابن عدي (٤/ ١٤٦٨) وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة، وقال ابن عدي: غير محفوظ.

1 / 22

والصحيح: أن العمرة إما يقال أنها واجبة مطلقًا أو ليست واجبة، أما التفريق بين أهل مكة وغيرهم ففيه نظر، وقد اختلف الصحابة في العمرة فعلَّق البخاري في صحيحه ما يدل على وجوبها عن ابن عمر وابن عباس وصح عن جابر عدم الوجوب.

1 / 23

الحديث الخامس في تفسير الزاد وَعَنْ أَنَسٍ ﵁ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا السَّبِيلُ؟ قَالَ: «الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ». رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَالرَّاجِحُ إرْسَالُهُ (١). وَأَخْرَجَهُ التَّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ (أَيْضًا)، وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ (٢). هذا الحديث وما جاء في معناه جاء من طرق لا يثبت فيها شيء يعني: لا يثبت فيها أن تفسير السبيل: الزاد والراحلة، فهذا حديث أنس لا يثبت وكذلك حديث ابن عمر. وما جاء عن الحسن مرسلًا فيه إبراهيم بن يزيد الخوزي، ولا يصح في هذا الباب حديث. ولكن عند أهل العلم أن الحج يحتاج إلى الاستطاعة، ولهذا نص الله ﷿ عليها، وإن كانت الاستطاعة واجبة في كل عبادة، ولكن إنما نص الله ﷿ على الاستطاعة في الحج؛ لأنها تحتاج إلى الشخوص إلى البيت؛ ولأن هذه العبادة لا تصح إلا بمكان واحد في الدنيا بخلاف الصلاة والصيام والعبادات الأخرى، فالإنسان يعبد الله في أي مكان فجاء النص عليها في كتاب الله تعالى، ولأن قاصد بيت الله الحرام يحتاج غالبًا مالًا ومركوبًا، فهنّ على الاستطاعة؛ لأنها لا تنفك غالبًا عن قاصد البيت الحرام.

(١) ضعيف: أخرجه الدارقطني (٢/ ٢١٦)، والحاكم (١/ ٤٤٢). وقد رجح البيهقي كما في سننه الإرسال ووصف عدم الإرسال بأنه وهم. وقد جاء من وجوده عدة عند الدارقطني وغيره ولا يسلم أحدها من ضعف. انظر: «نصب الراية» (٣/ ٨)، و«التلخيص» (٢/ ٤٢٣)، وقد استوفى العلامة الألباني الكلام عليه وطرقه في «الإرواء» (٤/ ١١٠) رقم (٩٨٨). (٢) ضعيف جدًّا: أخرجه الترمذي (٨١٣)، وفي إسناد متروك، وهو: إبراهيم بن يزيد الخوزي.

1 / 24

الحديث السادس في حج الصبي الذي لم يبلغ وَعَنٍ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَقَى رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: «مَنِ القَوْمُ؟» قَالُوا: المُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: «رَسُولُ اللهِ» فَرَفَعَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَك أَجْرٌ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ] (١). فائدة حديثية: هذا الحديث يروى من طرق عن إبراهيم ومحمد وموسى بني عقبة ثلاثتهم عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس مرفوعًا: فرواه عن إبراهيم: مالك، والثوري، وابن المبارك، وابن عيينة، وزهير بن معاوية، ومعمر ابن الماجشون، وابن إسحاق كلهم متصلًا سوى رواية مالك، والثوري، وزهير بن معاوية؛ فمالك اختلف عليه في وصل هذا الحديث، فرواه جماعًة مرسلًا وآخرون متصلًا، وممن وصله عن مالك ابن وهب في الرواية المحفوظة عنه، وأبو مصعب، والشافعي، وابن عثمة، وعبد الله بن يونس. وأما الثوري فوصله عنه أبو نعيم الفضل بن دكين، وأرسله وكيع والقطان وابن مهدي. وأما رواية محمد بن عقبة فرواه عن الثوري واختلف عليه، فرواه محمد بن كثير العبدي ويحيى القطان وابن مهدي موصولًا، وأرسله وكيع، فرواية القطان وابن مهدي عن الثوري موصولة بطريق محمد ومرسلة بطريقة إبراهيم، وطريقا ابن مهدي كلاهما عند مسلم، ورواية الثوري في مسلم الغالب أن مسلمًا بينه وبين الثوري واسطتان وابن عيينه واسطة واحدة، وكذا كتب السنن.

(١) أخرجه مسلم (١٣٣٦). انظر تحفة الأشراف (٥/ ١٩٩).

1 / 25