شرح العقيدة الطحاوية - يوسف الغفيص
شرح العقيدة الطحاوية - يوسف الغفيص
शैलियों
مذهب التفويض مذهب مخالف لطريقة السلف
قال المصنف ﵀: [وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول ﷺ فهو كما قال، ومعناه على ما أراد، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا].
علق المصنف المراد في باب الأسماء والصفات على مراد الله ورسوله، وهو تعليق صحيح؛ فإن المعتقد الذي يجب على كل مسلم هو ما أراده الله ورسوله ﷺ، ولكن الإجمال لهذا التعليق كأنه يُشعر بأن ثمة قدرًا من التفويض في المعنى في بعض الموارد، وهذا لا يُقصد به أن أبا جعفر ﵀ ينزع إلى مذهب التفويض، فإنه ليس كذلك فيما يظهر من كلامه، وإنما المراد أن نبين أن الكلام وإنك ان معتبرًا بمراد الله ورسوله لكن ينبغي أن يكون بينًا في تفسير هذا المعنى.
وتفصيل هذا أن يقال: إن مراد الله ﷾ ومراد رسوله ﷺ بين، سواء كان مرادًا علميًا أو مرادًا إراديًا، ولما نزل القرآن وتكلم النبي ﷺ بلسان عربي مبين لم يبق شيء مما أنزل على محمد ﷺ لا يُعرف معناه، وقد علم هذا المعنى أمته، وإن كانت الأمة قد تختلف في تحصيل علمه ﵌، إلا أنهم لا يجمعون على الغلط.
وقد شاع في كلام كثير من المتأخرين من متكلمة الأشاعرة ومن تأثر بهم من الفقهاء وغيرهم، أن التفويض مذهب مأثور عن السلف، أي: تفويض المعنى، وتقدم أن المعنى بإجماع السلف في صفات الله معلوم، وأن القول الذي قاله مالك ﵀ لا يختص بصفة الاستواء بل هو مطرد في سائر الصفات، وصفة الرؤية التي ذكر الطحاوي ﵀ عندها هذا التعليق أوضحها النبي ﷺ إيضاحًا تامًا لا يمكن معه أن يقال: إنا لا نعلم المراد من هذا الحديث، وأما مقالة التفويض فهي من شر مقالات أهل البدع والإلحاد، كما قال شيخ الإسلام ﵀.
وطريقة التفويض: طريقة ملفقة استعملها قوم من الأشاعرة للتوفيق بين طريقتهم الكلامية وطريقة السلف، ولم يكن هذا المعنى مقصودًا عند أئمة الجهمية والمعتزلة، لأنه لم يكن من شأن الجهمية والمعتزلة انتحال مذهب السلف وأهل السنة، وهذا هو الفرق الموجب لظهور مسألة التفويض.
بخلاف الأشاعرة فإنهم ينتحلون مذهب أهل السنة ويعظمون طريقة الأئمة ولكنهم يرونها تخالف طريقتهم في نفس الأمر، فإن السلف لم يستعملوا التأويل، فصاروا يجعلون السلف على التفويض.
وصار الواحد من متكلميهم ربما استعمل طريق التأويل وصححه، فإذا بان له في آخر أمره بطلانه، صرح بأنه رجع إلى مذهب السلف وهو التفويض، كما صرح بذلك أبو المعالي الجويني، فإنه كتب (الإرشاد)، وكتب (الشامل) وغيرها من الكتب على طريقة التأويل، وعلى طريقة أبي هاشم الجبائي من المعتزلة، ثم في آخر أمره رجع عن طريق التأويل وغلطها، ونزع إلى مذهب التفويض.
8 / 2