Explanation of Lāmiyya by Ibn Taymiyyah
شرح لامية ابن تيمية
शैलियों
أدلة توحيد الربوبية
أدلة الربوبية كثيرة جدًا في القرآن، بل إنها من الأمور التي يشعر بها الإنسان في ذاته، وقد دل عليها الكتاب والسنة والفطرة والعقل، والأعرابي في الجاهلية يقول: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، أفلا يدل على اللطيف الخبير؟! نقول: بلى.
وقال الشاعر:
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
بل نجد أعظم من ذلك أن الله قد أعطانا لفتة فقال: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات:٢١] في نفسك أنت فقط تعرف أنك لا تستطيع شيئًا، ولهذا لو نظر الإنسان إلى مثال بسيط، من يزور مثلًا أصحاب مرض الكلى، تجده يدخل جهازًا ضخمًا جدًا ويجلس أربع ساعات من أجل أن يغسل، ومع ذلك في جوفه قطعة لحم صغيرة جدًا تقوم بهذه المهمة كاملة: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات:٢١] .
ومن اللطائف في قضية العقل، أن العقل مليء بالخلايا، وهذه الخلايا مخزونة بأشياء عجيبة جدًا فمثلًا: تجد أن الإنسان وهو جالس يستذكر حدثًا منذ عشرين سنة مباشرة، ويتصوره مباشرة، كأنها أشرطة، قالوا: فلو أريد أن يركب في عقل، أي: يؤتى عن طريق الكمبيوتر الآن مثلما يعمله عقل الإنسان، قالوا: وجدوا أن شرائح الاسطوانات يمكن أن تملأ الكرة الأرضية في حجمها، فتجد الإنسان وهو جالس يسمع كلمة مباشرة يبتسم، يسمع كلمة يبكي، يسمع كلمة يتغير يغضب، انفعالات سريعة جدًا، لكن إذا طلبت -مثلًا- جهاز كمبيوتر يحتاج يقول: انتظر الآن الجهاز يرد، الإنسان سريع سبحان الله العظيم: ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات:٢١] .
إذًا: هذا دليل على قضية الربوبية، وأدلته في القرآن: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ [العنكبوت:٦١] ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح:١٠-١٢] إلى غيرها، وما كانت كفار قريش تقول: إن آلهتها هي التي تحيي وتميت، ولا تقول: إن آلهتها هي التي تدبر هذا الكون.
ذكروا من الأدلة العقلية دليلًا عقليًا على ربوبية الله تعالى، ومن الأدلة ما أومأ إليه شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ في قوله تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور:٣٥] هل أنت خلقت من غير شيء؟ ستجد الإجابة معروفة: أنني خلقت من شيء.
أم أنا الذي خلقت نفسي؟ أعرف بأني لم أخلق نفسي.
لم يأتِ الجواب، كأنه يريد أن تستنتج هذا أنت بعقلك، فتعرف بأن الخالق لك هو الله وحده لا شريك له.
ذكروا قصة مشهورة عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى، أنه جاءه بعض الملاحدة، وكانوا ينكرون الرب، فقال: دعونا من مسألة الرب، أي: كونه موجودًا أو غير موجود، أريد أن أسألكم سؤالًا، وكان في العراق ﵀، قال: هناك سفينة على نهر دجلة تأتي إلى طرف الشاطئ وتحمل البضائع بدون أن يكون لها ربان، أي: قائد لها، ثم تنزل البضائع في الشاطيء من الجهة الأخرى وترجع دون أن يكون معها أحد، قالوا: هذا أمر مستحيل ولا يمكن تصديقه، قال: سبحان الله! سفينة صغيرة، وفي شواطئ نهر فقط، ويستحيل هذا الأمر، كيف بالكون كله، فبهتوا وأقروا بأن الله هو المدبر لهذا الكون وحده لا شريك له.
ويضربون أمثلة على توحيد الربوبية وتفاصيله وغيره، كقول بعض الشيوعيين والدهريين والطبائعيين وغيرهم إن الأمر حدث بالصدفة، ولا يمكن أن يكون له إلهٌ ولا ربٌ، وهذا كلام باطل، ولهذا ضربوا بمثالين لطيفين: قالوا: لو قلنا بقضية الصدفة، فلو جئنا مثلًا بقرد وأعطيناه آلة كاتبه، ثم قلنا للناس: ضرب هذا القرد على الآلة الكاتبة، فأخرج لنا رسالة عظيمة جدًا ولطيفة في مسائل في علمٍ من العلوم، قالوا: لا يمكن أبدًا، كيف يكتب الحروف ويصيغها؟ قلنا: صدفة، قالوا: لا نصدق، قلنا: سبحان الله!! الكون كله تقولون: صدفة بنظامه، وله مئات السنين بل آلاف السنين، والله قد جعل له سننًا كونية باقية فيه، تقولون: إنه صدفة، وهذا القرد لا يمكن أن يكتب صدفة، فدل على نقص عقولهم.
ومن اللطائف الأخرى، قالوا: حدث أن مطبعة انفجرت، فطارت الحروف والأوراق ولصقت بالورقة وأخرجت لنا رسالة أو قصيدة جميلة جدًا، وهذا حدث صدفة، قالوا: لا يمكن أبدًا، فيقال: إذا لم يمكن هذا في ورقة وفي رسالة صغيرة، فكيف بهذا الكون العظيم البديع الذي دبره الله ﷾؟
9 / 11