سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ)
قال الله: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾، وقد جاء عنه ﷺ في سبب نزولها أنه قال: (التثبت من الرحمان، والعجلة من الشيطان) وهذا التبين احترازًا لكم من أن تصيبوا قومًا بمقتضى النبأ الكاذب، ويذكرون في سبب النزول قصة أو حادثة يتفق عليها كثير من المفسرين ويردها البعض كـ الفخر الرازي وهي: أن الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق قدم على النبي ﷺ فأسلم، وأرسله النبي ﷺ، أو هو طلب من النبي أن يرجع إلى قومه فيعرض عليهم الإسلام فمن أجابه أخذ منه زكاة المال، وأخذ موعدًا من رسول الله أن يرسل إليه رسولًا يقبض ما يجمعه من الزكاة، فأرسل إليه الرسول، فلما خرج، قيل: إنهم استبطئوا موعد رسول الله، فقال الحارث لقومه: ما من رسول الله خلف وقد عدني وما أرى رسول رسول الله تأخر إلا عن وشاية علينا، قوموا لنذهب بصدقاتنا إلى رسول الله، فلما تأخر رسول رسول الله لأخذ الزكاة جمع وجهاء القوم وأخذ الزكاة وجاء في طريقه إلى المدينة ليقدمها إلى رسول الله حسب الوعد، يقولون: لما ذهب ذاك المرسول إذا به رأى تجمع القوم قادمين، وكان بينه وبينهم في الجاهلية حرب، فخاف على نفسه فرجع، فلما رجع أخبر النبي ﷺ بخبر غير الواقع، وقال: إنهم ارتدوا، ومنعوا الزكاة، وكادوا يقتلونني.
وفي رواية: أن الرسول ﷺ حينما بلغه ذلك جهز خالد بن الوليد ليذهب إليهم، فلما خرج خالد من المدينة لقيه الحارث بوجهاء قومه، فقالوا له: لمن بعثت يا خالد؟ قال: لكم، قالوا: ولماذا؟ قال: لأنكم فعلتم كذا وكذا وكذا، فأقسموا بالله أو بالذي بعث محمدًا نبينًا ما جاءنا أحد ولا وجدنا أحدًا ولا لقينا أحدًا، وإنما جئنا حينما جاء الموعد ولم يأت مبعوث رسول الله ليأخذ الصدقة.
وفي بعض الروايات أن خالدًا وصل إلى ديارهم وأرسل عيونًا بين يديه، لينظروا: هل ارتد القوم فعلًا أم أنهم على إسلامهم، فذهبت العيون وجاءوا وقالوا: يا خالد جئناهم على المغرب فإذا بهم يؤذنون ويصلون، انتظرنا إلى العشاء فإذا بهم يؤذنون ويصلون، انتظرنا إلى الفجر فإذا بهم يؤذنون ويصلون، فدخل إليهم خالد وقال لهم الخبر.
وعلى كل: فالبعض يجعل هذه الآية نزلت في هذا الصحابي، وبعض العلماء يقول: إن أصحاب رسول الله ﷺ كلهم عدول وليس فيهم من يوصف بهذا الوصف، ولكن من حيث الترتيب الزمني في نزول هذه الآية فقد صادفت قصة الوليد بن أبي معيط، وصادف نزول الآية وقوع هذا الخبر، وليست هي نازلة في شأنه، ولكن تزامنت معها، وبهذا يبرأ جانب الصحابي الجليل من أن يوصف بالفسق، وسدًا على طوائف يطعنون في أصحاب رسول الله جملة وتفصيلًا من القمة إلى النهاية، وإذا سدّ هذا الباب كان أسلم وأولى، وأصحاب رسول الله ﷺ حقيقون بأن تدفع عنهم هذه التهم، وكما قيل: قوم اصطفاهم الله لصحبة رسوله؛ لابد أن يكونوا على أعلى المستوى.
3 / 3