الدر المختار
تأليف
محمد بن علي بن محمد بن علي بن عبد الرحمن الحنفي الحصكفي
المتوفى سنة ١٠٨٨هـ
شرح
تنوير الأبصار وجامع البحار
للشيخ محمد بن عبد الله بن أحمد الغزي الحنفي التمرتاشي
المتوفى سنة ١٠٠٤هـ
في فروع الفقه الحنفي
حققه وضبطه
عبد المنعم خليل إبراهيم
دار الكتب العلمية
الطبعة الأولى (١٤٢٣هـ- ٢٠٠٢م)
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
[خطبة الكتاب]
حمدا لك يا من شرحت صدورنا بأنواع الهداية سابقا، ونورت بصائرنا بتنوير الأبصار لاحقا، وأفضيت علينا من أشعة شريعتك المطهرة بحرا رائقا، وأغدقت لدينا من بحار منحك الموفرة نهرا فائقا، وأتممت نعمتك علينا حيث يسرت ابتداء تبييض هذا الشرح المختصر تجاه وجه منبع الشريعة والدرر، وضجيعيه الجليلين أبي بكر وعمر، بعد الاذن، بعد الإذن منه ﷺ وعلى آله وصحبه، الذين حازوا من منح فتح كشف فيض فضلك الواقي حقائق.
وبعد؛ فيقول الفقير راجي لطف ربه الخفي، محمد علاء الدين الحصكفي، ابن الشيخ علي الامام بجامع بني أمية، ثم المفتي بدمشق المحمية، الحنفي: لما بيضت الجزء الاول من (خزائن الاسرار، وبدائع الافكار، في شرح تنوير الابصار، وجامع البحار)، قدرته في عشر مجلدات كبار، فصرفت عنان العناية نحو الاختصار، وسميته بالدر المختار، في شرح تنوير الأبصار، الذي فاق كتب هذا الفن في الضبط والتصحيح والاختصار، ولعمري لقد أضحت روضة هذا العلم به مفتحة الازهار، مسلسلة الأنهار، من عجائبه ثمرات التحقيق تختار، ومن غرائبه ذخائر تدقيق تحير الأفكار، لشيخ شيخنا
شيخ الإسلام محمد بن عبد الله التمرتاشي الحنفي الغزي، عمدة المتأخرين الأخيار، فإني أرويه عن شيخنا الشيخ عبد النبي الخليلي، عن المصنف عن ابن نجيم المصري، بسنده إلى صاحب المذهب أبي حنيفة، بسنده إلى النبي ﷺ المصطفى المختار، عن جبريل، عن الله الواحد القهار، كما هو مبسوط في إجازاتنا بطرق عديدة، عن المشايخ المتبحرين الكبار.
وما كان في الدرر والغرر لم أعزه إلا ما ندر، وما زاد وعز نقله عزوته لقائله، روما للاختصار، ومأمولي من الناظر فيه أن ينظر بعين الرضا والاستبصار، وأن يتلافى تلافه بقدر الإمكان، أو يصفح ليصفح عنه عالم الأسرار والإضمار، ولعمري إن السلامة من هذا الخطر لأمر يعز على البشر، ولا غرو فإن النسيان من خصائص الانسانية، والخطأ والزلل من شعائر الآدمية، وأستغفر الله مستعيذا به من حسد يسد باب الانصاف، ويرد عن جميع [جميل] الأوصاف.
ألا وإن الحسد حسك، من تعلق به هلك، وكفى للحاسد ذما [في] آخر سورة الفلق، في اضطرابه بالقلق، لله در الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله.
وما أنا من كيد الحسود بآمن ... ولا جاهل يزري ولا يتدبر
1 / 7
ولله در القائل:
هم يحسدوني وشر الناس كلهم ... من عاش في الناس يوما غير محسود
إذ لا يسود سيد بدون ودود يمدح، وحسود يقدح، لأن من زرع الإحن حصد المحن، فاللئيم يفضح، والكريم يصلح، لكن يا أخي بعد الوقوف على حقيقة الحال، والاطلاع على ما حرره المتأخرون كصاحب البحر والنهر والفيض، والمصنف وجدّنا المرحوم وعزمي زاده وسعدي أفندي والزيلعي والأكمل والكمال وابن الكمال مع تحقيقات سنح بها البال، وتلقيتها عن فحول الرجال، ويأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه، ومع هذا فمن أتقن كتابي هذا فهو الفقيه الماهر، ومن ظفر بما فيه، فسيقول بمل فيه: * كم ترك الأول للآخر *.
ومن حصله فقد حصل له الحظ الوافر، لأنه هو البحر لكن بلا ساحل، ووابل القطر، غير أنه متواصل، بحسن عبارات، ورمز إشارات، وتنقيح معاني، وتحرير مباني، وليس الخبر كالعيان،
وستقر به بعد التأمل العينان، فخذ ما نظرت من حسن روضه الأسمى، ودع ما سمعت عن الحسن وسلمى:
خذ ما نظرت ودع شيئا سمعت به ... في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل
هذا، وقد أضحت أعراض المصنفين أغراض سهام ألسنة الحساد، ونفائس تصانيفهم معرضة بأيديهم تنتهب فوائدها ثم ترميها بالكساد:
أخا العلم لا تعجل بعيب مصنف ... ولم تتيقن زلة منه تعرف
فكم أفسد الراوي كلاما بعقله ... وكم حرف الاقوال قوم وصحفوا
وكم ناسخ أضحى لمعنى مغيرا ... وجاء بشيء لم يرده المصنف
وما كان قصدي من هذا أن يدرج ذكري بين المحررين، من المصنفين والمؤلفين، بل، القصد رياضة القريحة وحفظ الفروع الصحيحة، مع رجاء الغفران، ودعاء الاخوان، وما علي من إعراض الحاسدين عنه حال حياتي فسيتلقونه بالقبول إن شاء الله تعالى بعد وفاتي، كما قيل:
ترى الفتى ينكر فضل الفتى ... لؤما وخبثا فإذا ما ذهب
لج به الحرص على نكتة ... يكتبها عنه بماء الذهب
فهاك مؤلفا مهذبا لمهمات هذا الفن، مظهرا لدقائق استعملت الفكر فيها إذا ما الليل جن، متحريا أرجح الاقوال وأوجز العبارة، معتمدا في دفع الايراد بألطف الاشارة، فربما خالفت في حكم أو دليل، فحسبه من لا اطلاع له ولا فهم عدولا عن السبيل، وربما غيرت تبعا لما شرح عليه المصنف كلمة أو حرفا، وما درى أن ذلك لنكته تدق عن نظره وتخفى.
وقد أنشدني شيخي الحبر السامي والبحر الطامي، واحد زمانه وحسنة أوانه، شيخ الاسلام الشيخ خير الدين الرملي أطال الله بقاءه:
1 / 8
قل لمن لم ير المعاصر شيئا ... ويرى للاوائل التقديما
إن ذلك القديم كان حديثا ... وسيبقى هذا الحديث قديما
على أن المقصود والمراد، ما أنشدنيه شيخي رأس المحققين النقاد، محمد أفندي المحاسني، وقد أجاد:
لكل بني الدنيا مراد ومقصد ... وإن مرادي صحة وفراغ
لابلغ في علم الشريعة مبلغا ... يكون به لي في الجنان بلاغ
ففي مثل هذا فلينافس أولو النهى ... وحسبي من الدنيا الغرور بلاغ
فما الفوز الا في نعيم مؤبد ... به العيش رغد والشراب يساغ
1 / 9
مقدمة
حق على من حاول علما أن يتصوره بحده أو رسمه، ويعرف موضوعه وغايته واستمداده.
فالفقه لغة: العلم بالشيء، ثم خص بعلم الشريعة، وفقِه بالكسر فقها: علم، وفقُه بالضم فقاهة: صار فقيها. واصلاحا عند الأصوليين: العلم بالأحكام الشرعية الفرعية [المكتسب] من أدلتها التفصيلية، وعند الفقهاء: حفظ الفروع وأقله ثلاث مسائل، وعند أهل الحقيقة: الجمع بين العلم والعمل لقول الحسن البصري: إنما الفقيه، المعرض عن الدنيا الزاهد في الاخرة، البصير بعيوب نفسه، وموضوعه: فعل المكلف ثبوتا أو سلبا، واستمداده من الكتاب والسنة والاجماع والقياس وغايته الفوز بسعادة الدارين.
وأما فضله فكثير شهير، ومنه ما في الخلاصة وغيرها: النظر في كتب أصحابنا من غير سماع أفضل من قيام الليل، وتعلم الفقه أفضل من تعلم باقي [ما في] القرآن، وجمع [وجميع] الفقه لا بد منه.
وفي الملتقط وغيره عن محمد: لا ينبغي للرجل أن يعرف بالشعر والنحو، لان آخر أمره الى المسألة وتعليم الصبيان، ولا بالحساب، لان آخر أمره الى مساحة الارضين، ولا بالتفسير، لان آخر أمره إلى التذكير والقصص، بل يكون علمه في الحلال والحرام وما لا بد منه من الاحكام، كما قيل:
إذا ما اعتز ذو علم بعلم ... فعلم الفقه أولى باعتزاز
فكم طيب يفوح ولا كمسك ... وكم طير يطير ولا كبازي
وقد مدحه الله تعالى بتسميته خيرا بقوله تعالى: ﴿ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا﴾ [البقرة: ٢٦٩] وقد فسر الحكمة زمرة أرباب التفسير بعلم الفروع الذي هو علم الفقه، ومن هنا قيل:
وخير علومٍ علمُ فقه لانه ... يكون إلى كل العلوم توسلا
فإن فقيها واحدا متورعا ... على ألف ذي زهد تفضل واعتلى
وهما مأخوذان مما قيل للامام محمد الفقيه:
تفقه فإن الفقه أفضل قائد ... إلى البر والتقوى وأعدل قاصد
وكن مستفيدا كل يوم زيادة ... من الفقه واسبح في بحور الفوائد
فإن فقيها واحدا متورعا ... أشد على الشيطان من ألف عابد
1 / 11
ومن كلام علي ﵁:
ما الفضل الا لاهل العلم إنهم ... على الهدى لمن استهدى أدلاء
ووزن كل امرئ ما كان يحسنه ... والجاهلون لاهل العلم أعداء
ففز بعلم ولا تجهل به أبدا ... الناس موتى وأهل العلم أحياء
وقد قيل: العلم وسيلة الى كل فضيلة، العلم يرفع المملوك الى مجالس الملوك، لولا العلماء لهلك الامراء. وإنما العلم لاربابه ولاية ليس لها عزل:
إن الامير هو الذي ... يضحي أميرا عند عزله
إن زال سلطان الولا ... ية كان في سلطان فضله
واعلم أن تعلم العلم يكون فرض عين، وهو بقدر ما يحتاج لدينه. وفرض كفاية، وهو ما زاد عليه لنفع غيره، ومندوبا، وهو التبحر في الفقه وعلم القلب. وحراما، وهو علم الفلسفة والشعبذة، والتنجيم
والرمل وعلوم الطبائعيين والسحر، والكهانة، ودخل في الفلسفة المنطق، ومن هذا القسم علم الحرف
وعلم الموسيقى. ومكروها وهو أشعار المولدين من الغزل والبطالة. ومباحا: كأشعارهم التي لا يستخف فيها، كذا في فوائد شتى من (الاشباه والنظائر).
ثم نقل مسأله الرباعيات، ومحصلها أن الفقه هو ثمرة الحديث وليس ثواب الفقيه أقل من ثواب المحدث، وفيها: كل إنسان غير الانبياء لا يعلم ما أراد الله تعالى له وبه، لان إرادته تعالى غيب، الا الفقهاء فإنهم علموا إرادته تعالى بهم بحديث الصادق المصدوق: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين) وفيها: كل شيء يسأل عنه العبد يوم القيامة إلا العلم، لانه طلب من نبيه أن يطلب
الزيادة منه، فقال تعالى: ﴿وقل رب زدني علما﴾، فكيف يسأل عنه؟ وفيها: إذا سئلنا عن مذهبنا ومذهب مخالفنا قلنا وجوبا: مذهبنا صواب يحتمل الخطأ، ومذهب مخالفنا خطأ يحتمل الصواب، وإذا سئلنا عن معتقدنا ومعتقد خصومنا قلنا وجوبا: الحق ما نحن عليه، والباطل ما عليه خصومنا وفيها: العلوم ثلاثة: علم نضج وما احترق، وهو علم النحو والاصول، وعلم لا نضج ولا احترق، وهو علم البيان والتفسير وعلم نضج واحترق، وهو علم الحديث والفقه.
وقد قالوا: الفقه زرعه عبد الله من مسعود ﵁، وسقاه علقمة، وحصده إبراهيم النخعي، وداسه حماد، وطحنه أبو حنيفة، وعجنه أبو يوسف، وخبزه محمد، فسائر الناس يأكلون من خبزه، وقد نظمه بعضهم فقال:
الفقه زرع ابن مسعود، وعلقمةٌ ... حَصَّاده، ثم إبراهيم دَوَّاسُ
نعمان طاحنه، يعقوب عاجنه ... محمد خابز، والآكلُ الناسُ
وقد ظهر علمه بتصانيفه كالجامعين والمبسوط والزيادات والنوادر، حتى قيل: إنه
1 / 12
صنف في العلوم الدينية تسعمائة وتسعة وتسعين كتابا.
ومن تلامذته الشافعي ﵁ وتزوج بأم الشافعي وفوض إليه كتبه وماله، فبسببه صار الشافعي فقيها.
ولقد أنصف الشافعي حيث قال: من أراد الفقه فليلزم أصحاب أبي حنيفة، فإن المعاني قد تيسرت لهم، والله ما صرت فقيها الا بكتب محمد بن الحسن.
وقال إسماعيل بن أبي رجاء: رأيت محمدا في المنام فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، ثم قال: لو أردت أن أعذبك ما جعلت هذا العلم فيك، فقلت له: فأين أبو يوسف؟ قال: فوقنا بدرجتين قلت: فأبو حنيفة؟ قال: هيهات، ذلك في أعلى عليين، كيف وقد صلى الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة، وحج خمسا وخمسين حجة، ورأى ربه في المنام مائة مرة؟ ولها قصة مشهورة.
وفي حجته الاخيرة استأذن حجبة الكعبة بالدخول ليلا، فقام بين العمودين على رجله اليمنى ووضع اليسرى على ظهرها حتى ختم نصف القرآن، ثم ركع وسجد، ثم قام على رجله اليسرى ووضع اليمنى على ظهرها حتى ختم القرآن، فلما سلم بكى وناجى ربه وقال: إلهي ما عبدك هذا العبد الضعيف حق عبادتك، لكن عرفك حق معرفتك فهب نقصان خدمته لكمال معرفته، فهتف هاتف من جانب البيت: يا أبا حنيفة قد عرفتنا حق المعرفة وخدمتنا فأحسنت الخدمة، قد غفرنا لك ولمن اتبعك ممن كان على مذهبك الى يوم القيامة. وقيل لأبي حنيفة: بم بلغت ما بلغت؟ قال: ما بخلت بالإفادة، وما استنكفت عن الاستفادة. وقال مسافر بن كرام: من جعل أبا حنيفة بينه وبين الله رجوت أن لا يخاف وقال فيه:
حسبي من الخيرات ما أعددته ... يوم القيامة في رضا الرحمن
دين النبي محمد خير الورى ... ثم اعتقادي مذهب النعمان
وعنه ﵊ (إن آدم افتخر بي وأنا أفتخر برجل من أمتي اسمه نعمان وكنيته أبو حنيفة، هو سراج امتي) وعنه ﵊ (إن سائر الانبياء يفتخرون بي، وأنا أفتخر بأبي حنيفة، من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني) كذا في التقدمة شرح مقدمة أبي الليث قال في الضياء المعنوي: وقول ابن الجوزي: إنه موضوع، تعصب، لانه روي بطرق مختلفة.
وروى الجرجاني في مناقبه بسنده لسهل بن عبد الله التستري أنه قال (لو كان في أمة موسى وعيسى مثل أبي حنيفة لما تهودوا ولما تنصرا).
ومناقبه أكثر من أن تحصى، وصنف فيها سبط ابن الجوزي مجلدين كبيرين، وسماه (الانتصار لامام أئمة الامصار). وصنف غيره أكثر من ذلك.
والحاصل أن أبا حنيفة النعمان من أعظم معجزات المصطفى ﷺ بعد القرآن، وحسبك من مناقبه اشتهار مذهبه، ما قال قولا الا أخذ به إمام من الائمة الاعلام، وقد جعل الله الحكم لاصحابه وأتباعه من زمنه الى هذه الايام، الى أن يحكم بمذهبه عيسى ﵇،
وهذا يدل على أمر عظيم اختص به من بين سائر العلماء العظام، كيف لا وهو كالصديق ﵁، له أجره من دوَّن الفقه وألَّفه وفرع أحكامه على أصوله
1 / 13
العظام، الى يوم الحشر والقيام. وقد تبعه على مذهبه كثير من الاولياء الكرام، ممن اتصف بثبات المجاهدة، وركض في ميدان المشاهدة، كابراهيم بن أدهم، وشقيق البلخي، ومعروف الكرخي، وأبي يزيد البسطامي، وفضيل بن عياض، وداود الطائي، وأبي حامد اللفاف، وخلف بن أيوب، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، وأبي بكر الوراق، وغيرهم ممن لا يحصى لبعده أن يُستقصى، فلو وجدوا فيه شبهة ما اتبعوه، ولا اقتدوا به ولا وافقوه.
وقد قال الاستاذ أبو القاسم القشيري في رسالته مع صلابته في مذهبه وتقدمه في هذه الطريقة: سمعت الاستاذ أبا علي الدقاق يقول: أنا أخذت هذه الطريقة من أبي القاسم النصراباذي، وقال أبو القاسم: أنا أخذتها من الشبلي، وهو أخذها من السري السقطي، وهو من معروف الكرخي، وهو من داود الطائي.
وهو أخذ العلم والطريقة من أبي حنيفة، وكل منهم أثنى عليه وأقر بفضله، فعجبا لك يا أخي:
ألم يكن لك أسوة حسنة في هؤلاء السادات الكبار؟ أكانوا متهمين في هذا الاقرار والافتخار، وهم أئمة هذه الطريقة، وأرباب الشريعة والحقيقة، ومن بعدهم في هذا الامر فلهم تبع، وكل ما خالف ما اعتمدوه مردود ومبتدع.
وبالجملة، فليس أبو حنيفة في زهده وورعه وعبادته وعلمه وفهمه بمشارك.
ومما قال فيه ابن المبارك ﵁:
لقد زان البلاد ومن عليها ... إمام المسلمين أنو حنيفة
بأحكام وآثار وفقه ... كآيات الزبور على صحيفه
فما في المشرقين له نظير ... ولا في المغربين ولا بكوفه
يبيت مشمرا سهر الليالي ... وصام نهاره لله خيفه
فمن كأبي حنيفة في علاه ... إمام للخليقة والخليفة
رأيت العائبين له سفاها ... خلاف الحق مع حجج ضعيفة
وكيف يحل أن يؤذي فقيه ... له في الارض آثار شريفة
وقد قال ابن إدريس مقالا ... صحيح النقل في حكم لطيفة
بأن الناس في فقه عيال ... على فقه الامام أبي حنيفة
فلعنة ربنا أعداد رمل ... على من رد قول أبي حنيفة
وقد ثبت أن ثابتا والد الامام أدرك الامام علي بن أبي طالب فدعا له ولذريته بالبركة.
وصح أن أبا حنيفة سمع الحديث من سبعة من الصحابة كما بسط في أواخر منية المفتي، وأدرك بالسن نحو عشرين صحابيا كما بسط في أوائل الضياء. وقد ذكر العلامة شمس الدين محمد أبو النصر بن عرب شاه الانصاري الحنفي في منظومته الالفيه المسماة بجواهر العقائد ودرر القلائد ثمانية من الصحابة ممن روى عنهم الامام الاعظم أبو حنيفة ﵃ أجمعين حيث قال:
1 / 14
معتقدا مذهب عظيم الشان ... أبي حنيفة الفتى النعمان
التابعي سابق الائمة ... بالعلم والدين سراج الامة
جمعا من اصحاب النبي أدركا ... إثرهمُ قد اقتضى وسلكا
طريقة واضحة المنهاج ... سالمة من الضلال الداجي
وقد روى عن أنس وجابر ... وابن أبي أوفى كذا عن عامر
أعني أبا الطفيل ذا ابن واثله ... وابن أنيس الفتى وواثله
عن ابن جزء قد روى الامام ... وبنت عجرد هي التمام
رضي الله الكريم دائما ... عنهم وعن كل الصحاب العظما
وتوفي ببغداد، قيل: في السجن ليلي القضاء وله سبعون سنة بتاريخ خمسين ومائة، قيل ويوم توفي ولد الامام الشافعي ﵁، فعد من مناقبه وقد قيل: الحكمة في مخالفة تلامذته له أنه رأي صبيا يلعب في الطين فحذره من السقوط، فاجابه بأن: احذر أنت السقوط، فإن في سقوط العالم سقوط العالم، فحينئذ قال لاصحابه: إن توجه لكم دليل فقولوا به، فكان كل يأخذ برواية عنه ويرجحها، وهذا من غاية احتياطه وورعه، وعلم بأن الاختلاف من آثار الرحمة، فمهما كان [الاختلاف] أكثر كانت الرحمة أوفر، لما قالوا: رسم المفتي أن ما اتفق عليه أصحابنا في الروايات الظاهرة يفتى به قطعا.
واختلف فيما اختلفوا فيه، والاصح كما في السراجية وغيرها أنه يفتى بقول الامام على الاطلاق، ثم بقول الثاني، ثم بقول الثالث، ثم بقول زفر والحسن بن زياد، وصحح في الحاوي القدسي قوة المدرك.
وفي وقف البحر وغيره: متى كان في المسألة قولان مصححان جاز القضاء والافتاء بأحدهما.
وفي أول المضمرات: أما العلامات للافتاء فقوله: وعليه الفتوى، وبه يفتى، وبه نأخذ، وعليه الاعتماد، وعليه عمل اليوم، وعليه عمل الامة، وهو الصحيح، أو الاصح، أو الاظهر، أو الاشبه، أو الاوجه، أو المختار، ونحوها مما ذكر في حاشية البزدوي اه.
قال شيخنا الرملي في فتاويه: وبعض الالفاظ آكد من بعض، فلفظ الفتوى آكد من لفظ الصحيح، والاصح والاشبه وغيرها، ولفظ وبه يفتى آكد من الفتوى عليه، والاصح آكد من الصحيح، والاحوط آكد من الاحتياط انتهى.
قلت: لكن في شرح المنية للحلبي عند قوله: ولا يجوز مس مصحف الا بعلافه إذا
تعارض إمامان معتبران عبر أحدهما بالصحيح والاخر بالاصح، فالاخذ بالصحيح أولى لانهما اتفقا على أنه صحيح، والاخذ بالمتفق أوفق فليحفظ.
في رأيت في رساله آداب المفتي: أذا ذيلت رواية في كتاب معتمد بالاصح أو الاولى، أو الاوفق ونحوها، فله أن يفتي بها وبمخالفها أيضا أيا شاء، وإذا ذيلت بالصحيح أو المأخوذ به، أو وبه يفتى، أو عليه الفتوى لم يفت بمخالفه الا إذا كان في الهداية مثلا هو الصحيح، وفي الكافي بمخالفه هو الصحيح، فيخير فيختار
1 / 15
الاقوى عنده والاليق والاصح انتهى. فليحفظ.
وحاصل ما ذكره الشيخ قاسم في تصحيحه: أنه لا فرق بين المفتي والقاضي، الا أن المفتي مخبر عن الحكم، والقاضي ملزم به، وأن الحكم والفتيا بالقول المرجوح جهل وخرق للاجماع، وأن الحكم الملفق باطل بالاجماع، وأن الرجوع عن التقليد بعد العمل باطل اتفاقا،
وهو المختار في المذهب، وأن الخلاف خاص بالقاضي المجتهد، وأما المقلد فلا ينفذ قضاؤه، بخلاف مذهبه أصلا كما في القنية.
قلت: ولا سيما في زماننا، فإن السلطان ينص في منشوره على نهيه عن القضاء بالاقوال الضعيفة، فكيف بخلاف مذهبه فيكون معزولا بالنسبة لغير المعتمد من مذهبه، فلا ينفذ قضاؤه
فيه وينقض كما بسط في قضاء الفتح والبحر والنهر وغيرها.
قال في البرهان: وهذا صريح الحق الذي يعض عليه بالنواجذ، نعم أمر الامير متى صادف فصلا مجتهدا فيه نفذ أمره، كما في (سير التاترخانية) و(شرح السير الكبير) فليحفظ.
وقد ذكروا أن المجتهد المطلق قد فقد.
وأما المقيد فعلى سبع مراتب مشهورة.
وأما نحن فعلينا اتباع ما رجحوه وما صححوه كما لو أفتوا في حياتهم.
فإن قلت: قد يحكون أقوالا بلا ترجيح، وقد يختلفون في التصحيح.
قلت: يعمل بمثل ما عملوا من اعتبار تغير العرف وأحوال الناس، وما هو الاوفق وما ظهر عليه التعامل وما قوي وجهه، ولا يخلو الوجود عمن يميز هذا حقيقة لا ظنا، وعلى من لم يميز أن يرجع لمن يميز لبراءة ذمته، فنسأل الله تعالى التوفيق والقبول، بجاه الرسول، كيف لا وقد يسر الله تعالى ابتداء تبييضه في الروضة المحروسة، والبقعة المأنوسة، تجاه وجه صاحب الرسالة، وحائز الكمال والبسالة، وضجيعيه الجليلين الضرغامين الكاملين ﵄، وعن سائر الصحابة أجمعين، ووالدينا ومقلديهم بإحسان الى يوم الدين، ثم تجاه الكعبة الشريفة تحت الميزاب، وفي الحطيم والمقام، والله الميسر للتمام.
1 / 16
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الطهارة
قدمت العبادات على غيرها اهتماما بشأنها، والصلاة تالية للايمان، والطهارة مفتاحها بالنص، وشرط بها مختص، لازم لها في كل الاركان، وما قيل قدمت لكونها شرطا لا يسقط أصلا، ولذا فاقد الطهورين يؤخر الصلاة، وما أورد من أن النية كذلك، مردود كل ذلك.
أما النية ففي القنية وغيرها: من توالت عليه الهموم تكفيه النية بلسانه.
وأما الطهارة، ففي الظهيرية وغيرها: من قطعت يداه ورجلاه وبوجهه جراحة يصلي بلا وضوء ولا تيمم ولا يعيد، قال بعض الافاضل في الاصح: وأما فاقد الطهورين، ففي الفيض وغيره أنه يتشبه عندهما، وإليه صح رجوع الامام، وعليه الفتوى.
قلت: وبه ظهر أن تعمد الصلاة بلا طهر غير مكفر، كصلاته لغير القبلة أو مع ثوب نجس، وهو ظاهر المذهب كما في الخانية، وفي سير الوهبانية:
وفي كفر من صلى بغير طهارة ... مع العمد خُلف في الروايات يُسطر
ثم هو مركب إضافي مبتدأ أو خبر أو مفعول لفعل محذوف، فإن أريد التعداد بني على السكون وكسر تخلصا من الساكنين، وإضافته لامية لا ميمية.
وهل يتوقف حده لقبا على معرفة مفرديه؟ الراجح نعم، فالكتاب مصدر بمعنى الجمع لغة، جعل شرعا عنوانا لمسائل مستقلة بمعنى المكتوب.
والطهارة مصدر طهَر بالفتح ويضم: بمعنى النظافة لغة، ولذا أفردها.
وشرعا: النظافة عن حدث أو خبث ومن جمع نظر لانواعها وهي كثيرة، وحكمها شهيرة.
وحكمها استباحة ما لا يحل بدونها (وسببها) أي سبب وجوبها (ما لا يحل) فعله فرضا كان أو غيره كالصلاة ومس المصحف (إلا بها) أي بالطهارة، صاحب البحر قال بعد سرد الاقوال ونقل كلام الكمال: الظاهر أن السبب هو الارادة في الفرض والنفل، لكن بترك إرادة النفل يسقط الوجوب.
ذكره الزيلعي في الظهار. وقال العلامة قاسم في نكته: الصحيح أن سبب وجوب الطهارة وجوب الصلاة أو إرادة ما لا يحل إلا بها.
(وقيل) سببها (الحدث) في الحكمية، وهو وصف شرعي يحل في الاعضاء يزيل الطهارة، وما قيل: إنه مانعية شرعية قائمة بالاعضاء إلى غاية استعمال المزيل فتعريف بالحكم (والخبث)
1 / 17
في الحقيقة وهو عين مستقذرة شرعا، وقيل سببها القيام إلى الصلاة، ونسبا إلى أهل الظاهر وفسادهما ظاهر.
واعلم أن أثر الخلاف إنما يظهر في نحو التعاليق، نحو: إن وجب عليك طهارة فأنت طالق، دون الاثم للاجماع على عدمه بالتأخير عن الحدث، ذكره في التوشيح، وبه اندفع ما في السراج من إثبات الثمرة من جهة الاثم،
بل وجوبها موسع بدخول الوقت كالصلاة، فإذا ضاق الوقت صار الوجوب فيهما مضيقا.
وشرائطها ثلاثة عشر على ما في الاشباه: شرائط وجوبها تسعة، وشرائط صحتها أربعة، ونظمها شيخ شيخنا العلامة علي المقدسي شارح نظم الكنز فقال: شرط الوجوب العقل والاسلام وقدرة ماء والاحتلام وحدث ونفي حيض وعدم نفاسها وضيق وقت قد هجم وشرط صحة عموم البشره بمائه الطهور ثم في المنزه
فقد نفاسها وحيضها وأن يزول كل مانع عن البدن
وجعلها بعضهم أربعة: شرط وجودها الحسي: وجود المزيل والمزال عنه.
والقدرة على الازالة.
وشرط وجودها الشرعي: كون المزيل مشروع الاستعمال في مثله.
وشرط وجوبها: التكليف والحدث.
وشرط صحتها: صدور الطهر من أهله في محله مع فقد مانعه،
ونظمها فقال: تعلم شروطا للوضوء مهمة مقسمة في أربع وثمان فشرط وجود الحس منها ثلاثة سلامة أعضاء وقدرة إمكان لمستعمل الماء القراح هو معا وشرط وجود الشرع خذها بإمعان فمطلق ماء مع طهارته ومع طهورية أيضا ففز ببيان وشرط وجوب وهو إسلام بالغ مع الحدث التمييز بالعقل يا عاني وشرط لتصحيح الوضوء زوال ما يبعد إيصال المياه من أدران كشمع ورمص ثم لم يتخلل الوضوء مناف يا عظيم ذوي الشأن وزيد على هذين أيضا تقاطر مع الغسلات ليس هذا لدى الثاني وصفتها: فرض
للصلاة، وواجب للطواف، قيل ومس المصحف للقول بأن المطهرين الملائكة، وسنة للنوم، ومندوب في نيف وثلاثين موضعا ذكرتها في الخزائن: منها بعد كذب وغيبة وقهقهة وشعر وأكل جزور
وبعد كل خطيئة، وللخروج من خلاف العلماء.
وركنها: غسل ومسح وزوال نجس.
وآلتها: ماء وتراب ونحوهما.
ودليلها: آية
1 / 18
* (إذا قمتم إلى الصلاة) * وهي مدنية إجماعا.
وأجمع أهل السير أن الوضوء والغسل فرضا بمكة مع فرض الصلاة بتعليم جبريل ﵇، وأنه ﵊ لم يصل قط إلا بوضوء، بل هو شريعة من قبلنا، بدليل
هذا ضوئي ووضوء الانبياء من قبلي.
وقد تقرر في الاصول أن شرع من قبلنا لنا شرع إذا قصه الله تعالى ورسوله من غير إنكار ولم يظهر نسخه، ففائدة نزول الآية تقرير الحكم الثابت، وتأتي اختلاف العلماء الذي هو رحمة.
كيف وقد اشتملت على نيف وسبعين حكما مبسوطة في تيمم الضياء عن فوائد الهداية وعلى ثمانية أمور كلها مثنى طهارتين: الوضوء والغسل، ومطهرين: الماء والصعيد، وحكمين: الغسل والمسح، وموجبين: الحدث
والجنابة، ومبيحين: المرض والسفر، ودليلين: التفصيلي في الوضوء، والاجمالي في الغسل، وكنايتين: الغائط والملامسة، وكرامتين: تطهير الذنوب وإتمام النعمة: أي بموته شهيدا، لحديث من داوم على الوضوء مات شهيدا ذكره في الجوهرة.
وإنما قال آمنوا بالغيبة دون آمنتم ليعم كل من آمن إلى يوم القيامة.
قاله في الضياء، وكأنه مبني على أن في الآية التفاتا، والتحقيق خلافه.
وأتى في الوضوء بإذا التحقيقية، وفي الجنابة بأن التشككية للاشارة إلى أن الصلاة من الامور اللازمة والجنابة من الامور العارضة، وصرح بذكر الحدث في الغسل والتيمم دون الوضوء ليعلم أن الوضوء سنة وفرض والحدث شرط للثاني لا للاول، فيكون الغسل على الغسل والتيمم على التيمم عبثا، والوضوء على الوضوء نور على نور.
أركان الوضوء أربعة
عبر بالاركان، لانه
أفيد مع سلامته عما يقال: إن أريد بالفرض القطعي يرد تقدير الممسوح بالربع وإن أريد العملي يرد المغسول، وإن أجيب عنه بما لخصناه في شرح الملتقى.
ثم الركن ما يكون فرضا داخل الماهية، وأما الشرط فما يكون خارجها، فالفرض أعم منهما، وهو ما قطع بلزومه
حتى يكفر جاحده كأصل مسح الرأس.
وقد يطلق على العملي وهو ما تفوت الصحة بفواته، كالمقدار الاجتهادي في الفروض فلا يكفر جاحده،
(غسل الوجه) أي إسالة الماء مع التقاطر ولو قطرة.
وفي الفيض: أقله قطرتان في الاصح (مرة) لان الامر لا يقتضي التكرار (وهو) مشتق من المواجهة، واشتقاق الثلاثي من
المزيد إذا كان أشهر في المعنى شائع، كاشتقاق الرعد من الارتعاد واليم من التيمم (من مبدأ سطح جبهته) أي المتوضئ بقرينة المقام (إلى أسفل ذقنه) أي منبت أسنانه السفلى (طولا) كان عليه شعر أو لا، عدل من قولهم من قصاص شعره الجاري على الغالب، إلى المطرد ليعم الاغم والاصلع والانزع (وما بين شحمتي الاذنين عرضا) وحينئذ (فيجب غسل المياقي)
وما يظهر من الشفة عند انضمامها (وما بين العذار والاذن) لدخوله في
1 / 19
الحد، وبه يفتى (لا غسل باطن العينين) والانف والفم وأصول شعر الحاجبين واللحية والشار وونيم ذباب للجرح (وغسل اليدين) أسقط لفظ فرادى لعدم تقييد الفرض بالانفراد (والرجلين) الباديتين السليمتين، فإن المجروحتين والمستورتين بالخف وظيفتهما المسح (مرة) لما مر (مع المرفقين
والكعبين) على المذهب، وما ذكروا أن الثابت بعبارة النص غسل يد ورجل والاخرى بدلالته.
ومن البحث في إلى وفي القراءتين في - أرجلكم - قال في البحر: لا طائل تحته بعد انعقاد الاجماع على ذلك (ومسح ربع الرأس مرة)
فوق الاذنين ولو بإصابة مطر أو بلل باق بعد غسل على المشهور لا بعد مسح إلا أن يتقاطر، ولو مد أصبعا أو أصبعين لم يجز إلا أن يكون مع الكف أو بالابهام والسبابة مع ما بينهما أو بمياه، ولو أدخل رأسه الاناء أو خفه أو جبيرته وهو محدث
أجزأه، ولم يصر الماء مستعملا وإن نوى اتفاقا على الصحيح كما في البحر عن البدائع.
(وغسل جميع اللحية فرض) يعني عمليا (أيضا) على المذهب الصحيح المفتى به المرجوع إليه، وما عدا هذه الرواية مرجوع عنه كما في البدائع.
ثم لا خلاف أن المسترسل لا يجب غسله ولا مسحه
بل يسن، وأن الخفيفة التي ترى بشرتها يجب غسل ما تحتها، كذا في النهر.
وفي البرهان: يجب غسل بشرة لم يسترها الشعر كحاجب وشارب وعنفقة في المختار (ولا يعاد الوضوء) بل ولا بل المحل (بحلق رأسه ولحيته كما لا يعاد) الغسل للمحل ولا الوضوء (بحلق شاربه وحاجبه وقلم ظفره) وكشط جلده (وكذا لو كان على أعضاء وضوئه قرحة) كالدملة (وعليها جلدة رقيقة فتوضأ وأمر الماء عليها ثم نزعها، لا يلزمه إعادة غسل على ما تحتها) وإن تألم بالنزع على
الاشبه لعدم البدلية، بخلاف نزع الخف، فصار كما لو مسح خفه ثم حته أو قشره.
فروع: في أعضائه شقاق غسله إن قدر، وإلا مسحه وإلا تركه ولو بيده، ولا يقدر على الماء تيمم، ولو قطع من المرفق غسل محل القطع. ولو خلق له يدان ورجلان، فلو يبطش بهما غسلهما، ولو بإحداهما فهي الاصلية فيغسلها، وكذا الزائدة إن نبتت من محل افرض، كأصبع وكف زائدين، وإلا فما حاذى منهما محل الفرض غسله، وما لا فلا، لكن يندب.
مجتبى. وسننه: أفاد أنه لا واجب للوضوء ولا للغسل وإلا لقدمه، وجمعها، لان كل سنة مستقلة بدليل وحكم.
وحكمها ما يؤجر على فعله ويلام على تركه، وكثيرا ما يعرفون به لانه محط مواقع أنظارهم.
وعرفها الشمني بما ثبت بقوله ﵊ أو بفعله، وليس بواجب ولا مستحب، لكنه تعريف لمطلقها، والشرط في المؤكدة المواظبة مع ترك، ولو حكما، لكن شأن الشروط
أن لا تذكر في التعاريف. وأورد عليه في البحر المباح، بناء على ما هو المنصور من أن الاصل في الاشياء التوقف، إلا أن الفقهاء كثيرا ما يلهجون بأن الاصل الاباحة فالتعريف عليه
(البداية بالنية) أي نية عبادة لا تصح إلا بالطهارة.
كوضوء أو رفع حدث أو امتثال أمر، وصرحوا بأنها بدونها ليس بعبادة، ويأثم بتركها، وبأنها فرض في الوضوء المأمور
1 / 20
به، وفي التوضؤ بسؤر حمار ونبيذ تمر كالتيمم، وبأن وقتها عند غسل الوجه.
وفي الاشباه: ينبغي أن تكون عند غسل اليدين للرسغين لينال ثواب السنن.
قلت: لكن في القهستاني: ومحلها قبل سائر السنن كما في التحفة، فلا تسن عندنا قبيل غسل الوجه، كما تفرض عند الشافعي اهـ.
وفيها سبع سؤالات مشهورة، نظمها العراقي فقال:
سبع سؤالات لذي الفهم أتت تحكى لكل عالم في النية حقيقة حكم محل زمن وشرطها والقصد والكيفية (و) البداءة (بالتسمية) قولا، وتحصل بكل ذكر، لكن الوارد عنه ﵊ باسم الله العظيم، والحمد لله على دين الاسلام (قبل الاستنجاء
وبعده) إلا حال انكشاف وفي محل نجاسة فيسمي بقلبه، ولو نسيها فسمى في خلاله لا تحصل السنة، بل المندوب، وأما الاكل فتحصل السنة في باقيه لا فيما فات، وليقل: بسم الله أوله وآخره (و) البداءة (بغسل اليدين) الطاهرتين ثلاثا قبل الاستنجاء وبعده،
وقيد الاستيقاظ اتفاقي، ولذا لم يقل قبل إدخالهما الاناء لئلا يتوهم اختصاص السنة بوقت الحاجة، لان مفاهيم الكتب حجة، بخلاف أكثر مفاهيم النصوص كذا في النهر، وفيه من الحد المفهوم معتبر في الروايات اتفاقا
ومنه أقوال الصحابة.
قال: وينبغي تقييده بما يدرك بالرأي لا ما لا يدرك به اهـ.
وفي القهستاني عن حدود النهاية: المفهوم معتبر في نص العقوبة كما في قوله تعالى: * (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) * (المطففين: ٥١) وأما اعتباره في الرواية فأكثري لا كلي (إلى الرسغين) بضم مفصل الكف بين الكوع والكرسوع، وأما البوع ففي الرجل.
قال: وعظم يلي الابهام كوع وما يلي لخنصره الكرسوع والرسغ في الوسط وعظم يلي إبهام رجل ملقب ببوع فخذ بالعلم واحذر من الغلط
ثم إن لم يمكن رفع الاناء أدخل أصابغ يسراه مضمومة
وصب على اليمنى لاجل التيامن.
ولو أدخل الكف إن أراد الغسل صار الماء مستعملا، وإن أراد الاغتراف: لا، ولو لم يمكنه الاغتراف بشئ ويداه نجستان تيمم وصلى ولم يعد.
(وهو) سنة كما أن الفاتحة واجبة (ينوب عن الفرض)
ويسن غسلها أيضا مع الذراعين.
(والسواك) سنة مؤكدة كما في الجوهرة عن المضمضة، وقيل قبلها، وهو للوضوء عندنا إلا إذا نسيه فيندب للصلاة كما يندب لاصفرار سن وتغير رائحة وقراءة قرآن،
وأقله ثلاث في الاعالي وثلاث في الاسافل (بمياه) ثلاثة.
(و) ندب إمساكه (بيمناه) وكونه لينا، مستويا بلا عقد، في غلظ الخنصر وطول شبر.
ويستاك عرضا لا طولا، ولا مضطجعا فإنه يورث كبر الطحال، ولا يقبضه فإنه يورث الباسور، ولا يمصه فإنه يورث العمى، ثم يغسله، وإلا فيستاك الشيطان به، ولا
1 / 21
يزاد على الشبر، وإلا فالشيطان يركب عليه، ولا يضعه بل ينصبه وإلا فخطر الجنون.
قهستاني، ويكره بمؤذ، ويحرم بذي سم.
ومن منافعه: أنه شفاء لم دون الموت، ومذكر للشهادة عنده.
وعند فقده أو فقد أسنانه تقوم الخرقة الخشنة أو الاصبع مقامه، كما يقوم العلك مقامه للمرأة مع القدرة عليه.
(وغسل الفم) أي استيعابه، ولذا عبر بالغسل أو للاختصار (بمياه) ثلاثة (والانف) ببلوغ الماء.
المارن (بمياه) وهما سنتان مؤكدتان مشتملتان على سنن خمس: الترتيب، والتثليث،
وتجديد الماء، وفعلهما باليمنى (والمبالغة فيهما) بالغرغرة، ومجاوزة المارن ٢ > (لغير الصائم) لاحتمال الفساد، وسر تقديمهما اعتبار أوصاف الماء، لان لونه يدرك بالبصر، وطعمه بالفم، وريحه بالانف.
ولو عنده ماء يكفي للغسل مرة معهما وثلاثا بدونهما غسل مرة.
ولو أخذ ماء فمضمض بعضه واستنشق بباقيه أجزأه، وعكسه لا.
وهل يدخل أصبعه في فمه وأنفه؟ الاولى نعم.
قهستاني. (وتخليل اللحية) لغير المحرم بعد التثليث، ويجعل ظهر كفه إلى عنقه (و) تخليل (الاصابع)
اليدين بالتشبيك والرجلين بخنصر يده اليسرى بادئا بخنصر رجله اليمنى وهذا بعد دخول الماء خلالها، فلو منضمة فرض (وتثليث الغسل) المستوعب، ولا عبرة للغرفات،
ولو اكتفى بمرة إن اعتاده أثم، وإلا لا، ولو زاد لطمأنينة القلب أو لقصد الوضوء على الوضوء
لا بأس به، وحديث فقد تعدى محمول على الاعتقاد، ولعل كراهة تكراره في مجلس تنزيهه،
بل في القهستاني معزيا للجواهر الاسراف في الماء الجاري جائز، لانه غير مضيع، فتأمل (ومسح كل رأسه مرة) مستوعبة، فلو تركه وداوم عليه أثم،
(وأذنيه) معا ولو (بمائه) لكن لو مس عمامته فلا بد من ماء جديد (والترتيب) المذكور في النص، وعند الشافعي ﵁: فرض
وهو مطالب بالدليل (والولاء) بكسر الواو: غسل المتأخر أو مسحه قبل جفاف الاول بلا عذر: حتى لو فني ماؤه فمضى لطلبه لا بأس به، ومثله الغسل والتيمم، وعند مالك فرض، ومن السنن:
الدلك، وترك الاسراف، وترك لطم الوجه بالماء، وغسل فرجها الخارج.
(ومستحبه) ويسمى مندوبا وأدبا وفضيلة، وهو ما فعله النبي (ص) مرة وتركه أخرى وما أحبه السلف
(التيامن) في اليدين والرجلين ولو مسحا، لا الاذنين والخدين، فيلغز أي عضوين لا يستحب التيامن فيهما؟ (ومسح الرقبة) بظهر يديه (لا الحلقوم) لانه بدعة.
(ومن آدابه) عبر بمن لان له آدبا أخر أوصلها في الفتح إلى نيف وعشرين، وأوصلتها في الخزائن إلى نيف وستين (استقبال القبلة
ودلك أعضائه) في المرة الاولى (وإدخال خنصره) المبلولة (صماخ أذنيه) عند مسحهما (وتقديمه على الوقت لغير المعذور) وهذه إحدى المسائل الثلاث المستثناة من قاعدة الفرض أفضل من النفل لان الوضوء قبل الوقت مندوب وبعده فرض.
الثانية: إبراء المعسر مندوب أفضل من إنظاره الواجب.
الثالثة: الابتداء بالسلام سنة أفضل من رده، وهو فرض، ونظمه من قال:
1 / 22
الفرض أفضل من تطوع عابد حتى ولو قد جاء منه بأكثر إلا التطهر قبل وقت وابتداء للسلام كذاك إبرا معسر (وتحريك خاتمه الواسع) ومثله القرط، وكذا الضيق إن علم وصول الماء وإلا فرض
(وعدم الاستعانة بغيره) إلا لعذر، وأما استعانته ﵊ بالمغيرة فلتعليم الجواز (و) عدم (التكلم بكلام الناس) إلا لحاجة تفوته (والجلوس في مكان مرتفع) تحرزا عن الماء المستعمل.
وعبارة الكمال: وحفظ ثيابه من التقاطر، وهي أشمل (والجمع بين نية القلب وفعل اللسان) هذه رتبة وسطى بين من سن التلفظ بالنية ومن كرهه لعدم نقله عن السلف (والتسمية) كما مر (عند غسل كل عضو) وكذا الممسوح (والدعاء بالوارد عنده) أي عند كل عضو، وقد رواه ابن حبان وغيره عنه ﵊ من طرق،
قال محقق الشافعية الرملي: فيعمل به في فضائل الاعمال وإن أنكره النووي.
فائدة: شرط العمل بالحديث الضعيف عدم شدة ضعفه، وأن يدخل تحت أصل عام، وأن لا يعتقد سنية ذلك الحديث.
وأما الموضوع فلا يجوز العمل به بحال، ولا روايته إلا إذا قرن ببيانه (والصلاة والسلام على النبي بعده) أي بعد الوضوء، لكن في الزيلعي أي بعد كل عضو (وأن يقول بعده) أي
الوضوء (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، وأن يشرب بعده من فضل وضوئه) كماء زمزم (مستقبل القبلة قائما) أو قاعدا، وفيما عداهما يكره قائما تنزيها،
وعن ابن عمر كنا نأكل على عهد النبي (ص) ونحن نمشي، ونشرب ونحن قيام ورخص للمسافر شربه ماشيا.
ومن الآداب تعاهد موقيه وكعبيه وعرقوبيه وأخمصيه، وإطالة غرته وتحجيله،
وغسل رجليه بيساره، وبلهما عند ابتداء الوضوء في الشتاء والتمسح بمنديل وعدم نفض يده،
وقراءة سورة القدر وصلاة ركعتين، في غير وقت كراهة.
(ومكروهة: لطم الوجه) أو غيره (بالماء) تنزيها، والتقتير (والاسراف) ومنه الزيادة على الثلاث (فيه) تحريما لو بماء النهر والمملوك له.
وأما الموقوف على من يتطهر به، ومنه ماء المدارس، فحرام (وتثليث المسح بماء جديد) أما بماء واحد فمندوب أو مسنون.
ومن منهياته التوضؤ بفضل ماء المرأة وفي موضع نجس، لان لماء الوضوء حرمة، أو
في المسجد إلا في إناء أو في موضع أعد لذلك، وإلقاء النخامة، والامتخاط في الماء.
(وينقضه خروج) كل خارج (نجس) بالفتح ويكسر (منه) أي من المتوضئ الحي معتادا أو لا، من السبيلين
أو لا (إلى ما يطهر) بالبناء للمفعول: أي يلحقه حكم التطهير.
ثم المراد بالخروج من السبيلين مجرد الظهور، وفي غيرهما عين السيلان ولو بالقوة لما قالوا، لو مسح الدم كلما خرج ولو تركه لسال نقض، وإلا لا،
كما لو سال في باطن عين أو جرح أو ذكر ولم يخرج، وكدمع وعرق إلا عرق مدمن الخمر فناقض على ما سيذكره المصنف، ولنا فيه كلام (و) خروج غير نجس مثل (ريح أو دودة أو حصاة من دبر لا) خروج ذلك من جرح، ولا خروج (ريح من قبل) غير مفضاة،
أما هي فيندب
1 / 23
لها الوضوء وقيل يجب، وقيل لو منتنة (وذكر) لانه اختلاج، حتى لو خرج ريح من الدبر وهو يعلم أنه لم يكن من الاعلى، فهو اختلاج فلا ينقض، وإنما قيد بالريح لان
خروج الدودة والحصاة منهما ناقض إجماعا كما في الجوهرة (ولا) خروج (دودة من جرح أو أذن أو أنف) أو فم (وكذا لحم سقط منه) لطهارتهما وعدم السيلان فيما عليهما وهو مناط النقض (والمخرج) بعصر.
والخارج) بنفسه (سيان) في حكم النقض على المختار كما في البزازية، قال: لان في الاخراج خروجا فصار كالفصد.
وفي الفتح عن الكافي أنه الاصح،
واعتمده القهستاني.
وفي القنية وجامع الفتاوي: إنه الاشبه، ومعناه أنه الاشبه بالمنصوص رواية والراجح دراية، فيكون الفتوى عليه.
(و) ينقضه (قئ ملا فاه) بأن يضبط بتكلف (من مرة) بالكسر: أي صفراء (أو علق) أي سوداء، وأما العلق النازل من الرأس فغير ناقض (أو طعام أو ماء) إذا وصل إلى معدته وإن لم يستقر، وهو نجس مغلظ ولو من صبي ساعة ارتضاعه
هو الصحيح لمخالطة النجاسة.
ذكره الحلبي.
ولو هو في المرئ فلا نقض اتفاقا كقئ حية أو دود كثير لطهارته في نفسه، كماء فم النائم فإنه طاهر مطلقا به يفتى، بخلاف ماء فم الميت فإنه نجس كقئ عين خمر أو بول وإن لم ينقض لقلته لنجاسته بالاصالة إلا بالمجاورة (لا) ينقضه قئ من (بلغم) على المعتمد (أصلا) إلا المخلوط بطعام فيعتبر الغالب، ولو استويا فكل على حدة.
(و) ينقضه (دم) مائع من جوف أو فم
(غلب على بزاق) حكما للغالب (أو ساواه) احتياطا (لا) ينقضه (المغلوب بالبزاق) والقيح كالدم والاختلاط بالمخاط كالبزاق.
(وكذا ينقضه علقه مصت عضوا وامتلات من الدم، ومثلها القراد إن) كان (كبيرا) لانه
حينئذ (يخرج منه دم مسفوح) سائل (وإلا) تكن العلقة والقراد كذلك (لا) ينقض (كبعوض وذباب) كما في الخانية لعدم الدم المسفوح، وفي القهستاني: لا نقض ما لم يتجاوز الورم، ولو شد بالرباط إن نفذ البلل للخارج نقض
(ويجمع متفرق القئ) ويجعل كقئ واحد (لاتحاد السبب) الغثيان عند محمد وهو الاصح، لان الاصل إضافة الاحكام إلى أسبابها إلا لمانع، كما بسط في الكافي.
(و) كل (ما ليس بحدث) أصلا بقرينة زيادة الباء كقئ قليل ودم لو ترك لم يسل (ليس بنجس) عند الثاني،
وهو الصحيح رفقا بأصحاب القروح، خلافا لمحمد.
وفي الجوهرة: يفتى بقول محمد: لو المصاب مائعا.
(و) ينقضه حكما (نوم يزيل مسكته) أي قوته الماسكة بحيث تزول مقعدته ومن الارض، وهو النوم على أحد جنبيه أو وركيه أو قفاه أو وجهه (وإلا) يزل مسكتة (لا) ينقض، وإن تعمده في الصلاة أو غيرها على المختار
كالنوم قاعدا ولو مستندا إلى ما لو أزيل لسقط على المذهب وساجدا على الهيئة المسنونة ولو في غير الصلاة على المعتمد.
ذكره الحلبي، أو متوركا أو محتبيا ورأسه على ركبتيه
أو شبه المنكب أو في محمل أو سرج أو إكاف ولو الدابة عريانا، فإن حال الهبوط نقض وإلا لا.
ولو نام قاعدا يتمايل
1 / 24
فسقط، إن انتبه حين سقط فلا نقض، به يفتى، كناعس يفهم أكثر ما قيل عنده.
والعته لا ينقض كنوم الانبياء عليهم الصلاة والسلام، وهل ينقض إغماؤهم
وغشيهم؟ ظاهر كلام المبسوط نعم.
(و) ينقضه (إغماء) ومنه الغشي (وجنون وسكر) بأن يدخل في مشيه تمايل ولو بأكل الحشيشة
(وقهقهة) هي ما يسمع جيرانه (بالغ) ولو امرأة سهوا (يقظان) فلا يبطل وضوء صبي ونائم بل صلاتهما، به يفتى (يصلي) ولو حكما كالباني (بطهارة صغرى) ولو تيمما
(مستقلة) فلا يبطل وضوء في ضمن الغسل، لكن رجح في الخانية والفتح والنهر النقض عقوبة له، وعليه الجمهور كما في الذخائر الاشرفية (صلاة كاملة) ولو عند السلام عمدا فإنها تبطل الوضوء لا الصلاة، خلافا لزفر كما حرره في الشرنبلالية.
ولو قهقه إمامه أو أحدث عمدا ثم قهقه المؤتم ولو مسبوقا فلا نقض، بخلافهما بعد كلامه عمدا في الاصح.
ومن مسائل الامتحان - ولو نسي الباني المسح فقهقه قبل قيامه للصلاة
انتقض لا بعده لبطلانها بالقيام إليها (ومباشرة فاحشة) بتماس الفرجين ولو بين المرأتين والرجلين مع الانتشار (للجانبين) المباشر والمباشر ولو بلا بلل على المعتمد.
(لا) ينقضه (مس ذكر) لكن يغسل يده ندبا (وامرأة) وأمرد،
لكن يندب للخروج من الخلاف لا سيما للامام، لكن بشرط عدم لزوم ارتكاب مكروه مذهبه.
(كما) لا ينقض (لو خرج من أذنه) ونحوها كعينه وثديه (قيح) ونحوه كصديد وماء سرة وعين (لا بوجع وإن) خرج (به) أي بوجع (نقض) لانه دليل الجرح، فدمع من بعينه رمد أو عمش ناقض، فإن استمر صار ذا عذر.
مجتبى، والناس عنه غافلون.
(كما) ينقض (لو حشا إحليله بقطنة وابتل الطرف الظاهر) هذا لو القطنة عالية أو محاذية لرأس الاحليل وإن متسفلة عنه لا ينقض، وكذا الحكم في الدبر والفرج الداخل (وإن ابتل) الطرف (الداخل لا) ينقض ولو سقطت، فإن رطبة انتقض وإلا لا، وكذا لو أدخل أصبعه في
دبره ولم يغيبها، فإن غيبها أو أدخلها عند الاستنجاء بطل وضوءه وصومه.
فروع: يستحب للرجل أن يحتشي إن رابه الشيطان، ويجب إن كان لا ينقطع إلا به أقدر ما يصلي.
باسوري خرج من دبره، إن أدخله بيده انتقض وضوءه، وإن دخل بنفسه لا، وكذا لو
خرج بعض الدودة فدخلت.
من لذكره رأسان، فالذي لا يخرج منه البول المعتاد بمنزلة الجرح.
الخنثى غير المشكل فرجه الآخر كالجرح، والمشكل ينتقض وضوءه بكل.
منكر الوضوء هل يكفر إن أنكر الوضوء للصلاة؟ نعم، ولغيرها لا شك في بعض وضوئه، أعاد ما شك فيه لو في خلاله ولم يكن الشك عادة له، وإلا لا.
ولو علم أنه لم يغسل عضوا وشك في تعيينه غسل رجله اليسرى لانه آخر العمل.
ولو أيقن بالطهارة وشك بالحدث أو بالعكس أخذ باليقين، ولو تيقنهما وشك في السابق فهو متطهر، ومثله المتيمم.
1 / 25
ولو شك في نجاسة ماء أو ثوب أو طلاق أو عتق لم يعتبر، وتمامه في الاشباه.
(وفرض الغسل) أراد به ما يعم العملي كما مر، وبالغسل المفروض كما في الجوهرة، وظاهره عدم شرطية غسل فمه وأنفه في المسنون، كذا في البحر: يعني عدم فرضيتها فيه،
وإلا فهما شرطان في تحصيل السنة (غسل) كل (فمه).
ويكفي الشرب عبا، لان المج ليس بشرط في الاصح (وأنفه) حتى ما تحت الدرن (و) باقي (بدنه) لكن في المغرب وغيره: البدن من المنكب إلى الالية، وحينئذ فالرأس والعنق واليد والرجل خارجة لغة، داخلة تبعا شرعا (لا دلكه) لانه متمم، فيكون مستحبا لا شرطا، خلافا لمالك.
(ويجب) أي يفرض (غسل) كل ما يمكن من البدن بلا حرج مرة كأذن و(سرة وشارب وحاجب و) أثناء (لحية) وشعر رأس ولو متلبدا لما في - فاطهروا - من المبالغة (وفرج خارج) لانه كالفم لا داخل لانه باطن، ولا تدخل أصبعها في قبلها، به يفتى (لا) يجب (غسل ما فيه حرج كعين) وإن اكتحل بكحل نجس
(وثقب انضم و)، لا (داخل قلفة) بل يندب هو الاصح قاله الكمال، وعلله بالحرج فسقط الاشكال.
وفي المسعودي: إن أمكن فسخ القلفة بلا مشقة يجب وإلا لا (وكفى، بل أصل ضفيرتها) أي شعر المرأة المضفور للحرج، أما المنقوض فيفرض غسل كله اتفاقا، ولو لم يبتل أصلها يجب نقضها مطلقا هو الصحيح، ولو ضرها غسل رأسها تركته، وقيل تمسحه ولا
تمنع نفسها عن زوجها، وسيجئ في التيمم (لا) يكفي بل (ضفيرته) فينقضها وجوبا (ولو علويا أو تركيا) لامكان حلقه.
(ولا يمنع) الطهارة (ونيم) أي خرء ذباب وبرغوث لم يصل الماء تحته (وحناء) ولو جرمه، به يفتى (ودرن ووسخ) عطف تفسير، وكذا دهن ودسومة (وتراب) وطين ولو (في ظفر مطلقا) أي قرويا أو مدنيا في الاصح بخلاف نحو عجين.
(و) لا يمنع (ما على ظفر صباغ و) لا (طعام بين أسنانه) أو في سنه المجوف.
به يفتى.
وقيل إن صلبا منع، وهو الاصح.
(ولو) كان (خاتمه ضيقا نزعه أو حركه) وجوبا (كقرط، ولو لم يكن بثقب أذنه قرط فدخل الماء فيه) أي الثقب (عند مروره) على أذنه (أجزأه كسرة وأذن دخلهما الماء، وإلا) يدخل (أدخله) ولو بأصبعه، ولا يتكلف بخشب ونحوه، والمعتبر غلبة ظنه بالوصول.
فروع: نسي المضمضة أو جزءا من بدنه فصلى ثم تذكر، فلو نفلا لم يعد لعدم صحة شروعه.
عليه غسل وثمة رجال لا يدعه وإن رأوه، والمرأة بين رجال أو رجال ونساء تؤخره لا بين نساء فقط، واختلف في الرجل بين رجال ونساء أو نساء فقط كما بسطه ابن الشحنة.
وينبغي لها
أن تتيمم وتصلي لعجزها شرعا عن الماء، وأما الاستنجاء فيترك مطلقا، والفرق لا يخفى.
(وسننه) كسنن الوضوء سوى الترتيب.
وآدابه كآدابه سوى استقبال القبلة لانه يكون
1 / 26