وبعد: فهذه ألوكة سطرناها، ورسالة أصدرناها، إلى من بلغه وانتهت إليه، من أهل الجهات الآنسية، وما تليها وتتاخمها ، من الأقطار الإمامية، سلام عليكم فإنا نحمد الله إليكم، ونثني عليه بما أولانا من نعمه، وخولنا من فضله وكرمه، ونوصيكم بتقوى الله وطاعته، والانتهاء عن محارمه ومراقبته، وأن تقيموا صلواتكم، وتؤدوا زكواتكم، وتذكروه صباحا ومساء وسائر أوقاتكم، وتقدموا صالحا تجدوه بعد وفاتكم، فإن الله سبحانه لم يخلقكم عبثا، ولا يترككم سدى، بل كلفكم التكاليف الشاقة، وحتم عليكم الامتثال ومد فوقكم رواقه، وألزمكم الانقياد لأوامره ونواهيه، وعقد عليكم نطاقه، وزهدكم في هذه الدنيا الفانية، التي لا تدوم لها صحبة، ولا يخلو أحد فيها عن نكبة، ورغبكم في الآخرة الباقية التي لا ينقطع نعيمها، ولا يظعن (1) مقيمها، فيا عجباه من هذه الغفلة، والاغترار مع قصر مدة المهلة، وفقكم الله للطاعة، وصانكم عن الإهمال لأمره وحقه والإضاعة، وجعل بضاعتكم التقوى فهي أشرف بضاعة، ثم أنكم من أعرف الناس بحقوق الأئمة، وما أوجب الله لهم من الإجابة والإعانة على الأمة، وقد أكدتم لنا ذلك بالعهود والمواثيق، وسلكتم في المتابعة والمشايعة في أوضح طريق، وبنيتم في أمرنا على قواعد التحقيق، وساقكم إلى محبتنا سائق الرشاد وقادكم قائد التوفيق، ولم تزل الدنيا حوادثها تتوالى، ولا زالت الليالي كما علمتم حبالى، وبلغ في هذا الأوان، ما حدث في نواحي ذمار، وكان وصار، من أهل البغي والطغيان، والجهل لما أوجب الله من حق إمام الزمان، من يبالغ في الفساد، ويسلك مسالك العناد، ويحاول تغيير البلاد، وتوجيه العناية في ذلك إلى ناحية هداد، والظاهر أنه بغير رضا من الشيخ ملك اليمن، وإن ذلك لهوى وغرض ممن له حقد على جانب الحق وإحن، وما أنتم رحمكم الله بمستضعفين في الأرض، ومدافعة البغي وأهله حتم عليكم وفرض، وقد ألزمناكم جميعا الجهاد والاجتهاد في دفع أهل البغي والعناد، وإعانة الأمير الكبير الجواد، على ذلك المراد، والاستماع لما يرد به منا إليكم الفقيه الأكمل فلان الدين والانقياد، فقد استنهضناه للوصول إليكم وقراءة هذه الألوكة عليكم، وألزمناكم بتلقي ما يرد به إليكم بالقبول، وأن تقولوا: سمعنا وأطعنا ما يأمرنا به الإمام ويقول، وأن تصدقوا ذلك بالفعل الصالح الراجح المقبول، فإن ذلك واجب عليكم يقضي بوجوبه المعقول والمنقول، وكيف ترتضون أن ينبسط عليكم من يرغم الأنوف ويهين، ويخشن المقالة ولا يلين، ويليكم غير الإمام الأمين؟ وستصبحون إن رضيتم بذلك من النادمين، وفقكم الله وأعانكم، فهو خير موفق ومعين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.
إنتهت الرسالة وهي من مختصرات رسائله المحبرة، الجامعة
للمعاني المحررة، وإنشاؤها هي والرسالة الأولى بفلله.
[كتابه عليه السلام إلى مدينة خمر]
وكتب عليه السلام كتابا وجهه إلى مدينة خمر بجهة الظاهر، وذلك أن أهل خمر ونواحيه صاروا ممن انتظم في زمرة أتباع الحق، ومال عن ذوي الابتداع من الخلق، الخائضين للجج البغي والشق، فلا أحد أظلم منهم وأعق، ثم أنه تألب البغاة الطغاة من دولتي صنعاء وصعدة، وقصدوا حرب خمر بجنود عظيمة، فأمدهم الإمام عليه السلام بكتائب من أحزاب الحق وأجناده، فأمدهم الله بتأييده وحسن مواده، فقتل من جنود البغي من قتل، وهم نفر كثير، ولم يحظ البغاة مما راموه باليسير، فحينئذ أرسل الإمام بهذا الكتاب إليهم، ليشجعهم على قتال ذوي العناد، ويرغبهم في فضيلة المصابرة والجهاد، وكان رقمه له على أوفاز (1) ولكنه عليه السلام ممن اختص بالكمال وفاز، ووجه به من كحلان في أواخر جمادي الأولى من السنة المذكورة آنفا.
पृष्ठ 414