ورجونا أن الله سبحانه وتعالى لعلمه بما نحن عليه من كراهة الولاية، وتوقي خطر البداية فيها والنهاية، وكون إقدامنا لم يكن إلا تحرجا عن الإحجام، وخوفا للتفريط في جنب المنعم بصنوف الإنعام، يخلصنا من أخطارها، ويقينا مخوف شرها ومضارها، وتبلغ المسلمين ما أملوه من أوطارها، ففي الصحيحين عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لبعض أصحابه: «لا تسأل الأمارة فإنك إذا أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها، وإن أنت أعطيتها عن مسألة وكلت إليها»(1)، ونظرنا إلى أن الأمر بالمعروف الأكبر، والنهي عن الفحشاء والمنكر، معلومان الوجوب بالضرورة من الدين، وأن الظنون لا تعارض اليقين، قال الله تبارك وتعالى:?ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون? [البقرة:104] وقال تعالى: ?ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة?[النحل:125]، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :«والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله يبعث عليكم عقابا ثم تدعونه فلا يستجيب لكم»(2)، وقال أبو بكر: يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية:?ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم? [المائدة:105]، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده»(3)، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : «ياأيها الناس مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم، وقبل أن تستغفروه فلا يغفر لكم، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يدفع رزقا، ولا يقرب أجلا، وأن الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم ثم عموا بالبلاء»(1)، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : «لا تزال لا إله إلا الله تدفع ممن قالها وترد عنهم العذاب والنقمة مالم يستخفوا بحقها، قالوا: يا رسول الله: وما الإستخفاف بحقها؟ قال : أن يظهر العمل بمعاصي الله فلا ينكروا ولا يغيروا»(2)، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: «يا أيها الناس إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيب لكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم، فما زاد عليهن حتى نزل»(3)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا، ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر»(4).
وألهمنا أن الترهيب المذكور في الولاية، والتهديد والزجر عنه، والوعيد الشديد، خرج مخرج الإطلاق للتحريج، والتحذير والتشديد، مع كون اطلاقه راجعا ومردودا إلى صريح التقييد في قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر، وقد ضرب صلى الله عليه وآله وسلم على منكبيه: «يا أبا ذر: إنك ضعيف وأنها (يعني الأمارة) أمانة، وأنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها»(5).
पृष्ठ 366