ليغتسلن فيه فوجدن تابوتا فأخذنه وظنن أن فيه مالا، فحملنه على حالته حتى أدخلنه إلى آسية، فلما فتحته رأت فيه غلاما فألقى الله عليها محبة منه، فرحمته آسية وأحبته حبا شديدا، فلما بلغ الذباحين أن في دار الملك غلاما استأذنوه بأن يدخلوا داره ويذبحوا الغلام تنفيذا لأمره، فأذن لهم بذلك، فأقبلوا على آسية بشفارهم ليذبحوا الغلام، فقالت آسية للذباحين: انصرفوا فإن هذا ليس من بني إسرائيل فإن أتى فرعون استوهبته منه، فإن وهبه لي كنتم أحسنتم وإن أمركم بذبحه فلا مانع من ذلك، ثم إنها أتت به إلى فرعون وقالت له: ليس لي ولا لك ولد فلا تقتلوا هذا عسى أن ينفعنا، فسمح به إليها أن تربيه، فلما آمنت آسية عليه سمته موسى وأحضرت المراضع فجعل كلما أخذته امرأة منهن لترضعه لم يقبل ثديها حتى أشفقت آسية عليه أن يمنع من اللبن فيموت فأمرت بإخراجه إلى السوق ترجو أن يصيب امرأة يرضعوه من ثديها إلى أن أتت أمه وأعطته ثديها فرضع منها، فانطلق البشير إلى آسية يبشرها بأنه وجد لابنها امرأة مرضعة فأمرت بإحضارها وقالت لها: امكثي عندي لترضعي ابني هذا فإني لم أحب شيئا مثل حبه قط، فقالت لها: لا أستطيع أن أدع بيتي وولدي فيضيع فإن طابت نفسك أن تعطينه فأذهب به إلى بيتي فيكون معي ولا أولي له إلا خيرا فعلت وإلا فإني غير تاركة بيتي، فأعطتها إياه فأخذته ورجعت إلى بيتها، فلما ترعرع قالت آسية لأم موسى: أحب أن تريني ابني، فوعدتها يوما تريها إياه فيه فقالت لخواصها وجواريها: لا يبقى منكن أحد إلا استقبل ابني بهدية ومكرمة فإني باعثة بأمينة تحصي ما تصنع كل قهرمانة منكن.
فلم تزل الهدايا والتحف تستقبله من وقت أن خرج من بيت أمه إلى أن دخل على آسية، فلما دخل عليها أكرمته وفرحت به وأعجبها ما رأت من حسن أثرها عليه ثم قالت لها: انطلقي به إلى فرعون ليكرمه، فلما دخل عليه أكرمه ووضعه في حجره فتناول الغلام لحية فرعون حتى جذبها ونتف منها بعض شعيرات، فغضب غضبا شديدا وخاف منه وقال: هذا عدوي المطلوب، فأرسل الذباحين ليذبحوه، فبلغ ذلك آسية، فجاءت تسعى إلى فرعون وقالت له: ما بدا لك في هذا الصبي الذي وهبته لي؟ فأخبرها بما فعل، فقالت له: إنما هو صبي لا يعقل وإنما صنع هذا من صباه، وأنا أجعل فيه بيني وبينك أمرا نعرف به الحق وأضع له حليا من الذهب والياقوت، وأضع له جمرا فإن أخذ الياقوت فهو يعقل فاذبحه وإن أخذ الجمر علمت أنه صبي، ثم وضعت له طشتا فيه الياقوت وطشتا آخر فيه الجمر فمد الغلام يده إلى الجوهر ليقبض عليه فزاغت عينه إلى الجمر فقبض على جمرة ووضعها في فمه فجاءت على لسانه فأحرقته فقالت له آسية: ألا ترى إلى فعله وأنه صبي لا يعقل فكف عن قتله.
وكانت يوما متطلعة من كوة في قصر فرعون إذ نظرت إلى الماشطة امرأة (حزقيل) تعذب وتقتل فبينما فبينما هي كذلك إذ دخل عليها فرعون وجعل يخبرها بخبر الماشطة امرأة حزقيل وما صنع بها فقالت آسية: الويل لك يا فرعون. فقال لها: لعلك قد اعتراك الجنون الذي اعترى صاحبتك. فقالت: ما اعتراني جنون ولكني آمنت بالله ربي وربك ورب العالمين، فدعا فرعون أمها وقال لها: إن ابنتك قد أخذها الحنون الذي أخذ الماشطة ثم إنه أقسم لتذوقن الموت أو لتكفرن بإلهها فخلت بها أمها وسألتها موافقة فرعون فيما أراد فأبت وقالت: تريدين أن أكفر بالله؟ فلا والله ما أفعل ذلك أبدا، فأمر بها فرعون فمدت بين أربعة أوتاد ثم ما زالت تعذب حتى ماتت ولسانها لا يفتر عن ذكر الله وهي تقول: (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله) (التحريم: ١١) . رحمها الله رحمة واسعة.
اعتماد زوجة المعتمد بن عباد
هي أم أولاده وتشتهر بالرميكية، وسبب اتصالها بالمعتمد هو كما قيل: إن المعتمد ركب في النهر ومعه ابن عمار وزيره وقد زردت الريح النهر فقال ابن عمار لوزيره: أجز (صنع الريح من الماء زرد) . فأطال الوزير الفكرة فقالت
1 / 41