تُزْجِي أغَنَّ كَأَنَّ إبْرَةَ رَوْقِهِ ... قَلَمٌ أَصَابَ مِنَ الدَّوَاةِ مِدَادَهَا (١)
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: يا أمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ هَذَا بَيْتٌ حَسَدَ عَدِيًّا عَلَيْهِ جَرِيْرٌ. قال: وَكِيْفَ ذَاكَ؟، قَالَ: زَعَمَ أَبُو عَمْرٍو أنَّ جَرِيْرًا قَالَ لَمَّا ابْتَدَأَ عَدِيُّ بن الرِّقَاعِ يُنشِد: [من الكامل]
عَرَفَ الدِّيَارَ تَوَهُّمًا فَاعْتَادَهَا
قُلْتُ فِي نَفْسِي: قَدْ رَكِبَ مَرْكَبًا صَعْبًا سَيُبْدِعُ فِيْهِ، فَمَا زَالَ يَتَخَلَّصُ مِنْ حَسَنٍ إلَى حَسَنٍ حَتَّى قَالَ:
تُزْجِي أغَنَّ كَأنَ إبْرَةَ رَوْقِهِ.
قَالَ: فَرَحِمْتُهُ، وَظنَنْتُ أنَّ مَادَّتَهُ سَتَقْصُرُ بِهِ فَلَمَّا قَالَ: [من الكامل]
قَلَمٌ أصَابَ مِنَ الدَّوَاةِ مِدَادَهَا
حَالَتْ الرَّحْمَةُ حَسَدًا (٢).
فَقَالَ الرَّشِيْدُ: للَّهِ دَرُّكَ يا أصمَعِيُّ (٣)، ثُمَّ أطْرَقَ، وَرَفَعَ رَأسَهُ وَقَالَ: أتُرَاكَ
(١) لَا يُعْرَفُ لأَحَدٍ مِثْلَ هَذَا التَّشْبِيْهِ إِلَّا قَوْلِ ابنِ المُعْتَزِّ وَمِنْهُ أَخَذُوا عَلَى قَالِبِهِ ضربَ حَيْثُ قَالَ (١):
قَدْ أَطْلَعَتْ إبرَ القرُوْنِ كَأَنَّهَا ... أَخْذُ المُرَاوِدِ مِنْ سَحِيْقِ الإِثْمَدِ
(٢) الكامل للمبرد ٣/ ١٤١.
(٣) قَوْلُهَمْ: للَّهِ دَرُّ فُلَانٍ دُعَاءً لَهُ وَقِيْلَ مَعْنَاهُ: جَعَلَ اللَّهُ أعْمَالَهُ فِي الأَعْمَالِ الحَسَنَةِ الَّتِي يَرْضَاهَا اللَّهُ. وَمَعْنَاهَا التَّعَجُّبُ. رَوىَ ابْنُ جنِّيٍ عَنِ أَبِي عَلِيٍّ أَنْ مَعْنَى قَوْلهُمْ: للَّهِ درُّكَ: للَّهِ مَا ظَهَرَ مِنْ فِعْلِكَ. =
(١) ديوانه ١/ ٢٥١.