Duroos of Sheikh Khalid Al-Mosleh
دروس للشيخ خالد المصلح
शैलियों
النموذج الأول في تعامل الصحابة مع القرآن
إن وقفة مع بعض ما حفظته السنة من تعامل الصحابة وتلقيهم الحي للقرآن العظيم يعجب منه الإنسان، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة ﵁ قال: (نزل على رسول الله ﷺ قول الله جل وعلا: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة:٢٨٤]) هذه الآية يحفظها كثير منا، ويقرؤها كثير منا، لكنها لا تستوقف أكثرنا؛ وذلك لأننا نقرأ القرآن لا على وجه التلقي لما فيه من المعالم، وإنما نقرأ القرآن طلبًا للأجر بقراءة لفظه دون نظر إلى ما تضمنه من المعنى، صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أنزل الله جل وعلا على رسوله ﷺ هذه الآية التي فيها إثبات الملك لله ﷿، إثبات ما في السموات وما في الأرض له ﷾، وأنه جل وعلا يحاسب الناس على ما دار في صدورهم ونفوسهم، ولو لم يتكلموا به ولو لم يعملوا، فصحابة رسول الله ﷺ لما سمعوا هذا اشتد عليهم الأمر، فأتوا إلى رسول الله ﷺ -كما في الصحيحين- ثم بركوا على الركب -أي: جلسوا على الركب من شدة ما جاءهم في هذه الآية- فقالوا: يا رسول الله! كلفنا من العمل ما نطيق: الصلاة الصيام الجهاد الصدقة -أي: كل هذا نطيقه- وقد نزلت علينا آية لا نطيقها، فقال رسول الله ﷺ -مؤدبًا ومعلمًا لهم كيف يتلقون القرآن، وكيف يتلقون كلام رب العالمين: (أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟! قولوا: سمعنا وأطعنا)، فما كان منهم ﵃ إلا أن انقادوا إلى توجيه النبي ﷺ: ﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ [البقرة:٢٨٥]، فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم، وتكلموا بها وقرءوها، وقبلوها قبولًا تامًا؛ جاء التخفيف من رب العالمين، وجاء الفرج من الله جل وعلا الذي قال: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾ [النساء:١٤٧] «مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ» أي: بإلحاق المشقة بكم: «إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ»، جاء الفرج من الله جل وعلا لهذه الأمة، ونزل في كتاب الله جل وعلا تزكيتها، وبيان فضل صحابة رسول الله ﷺ؛ فقال الله جل وعلا: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة:٢٨٥ - ٢٨٦] فجاء التخفيف من رب العالمين بعد إثبات إيمانهم وقبولهم لما جاء عن الله وعن رسوله ﷺ.
أيها الإخوة! الشاهد من هذه القصة ومن هذا الحديث أن الصحابة ﵃ لم يكونوا يتقبلون القرآن ويتلقونه على أنه شيء يتلى، وتستنبط منه الأحكام، ويعرف ما فيه من المعاني فقط، بل قرءوه ﵃ على أنهم هم المخاطبون، وهم المعنيون بما فيه من المعاني؛ ولذلك شق عليهم، فراجعوا رسول الله ﷺ في الذي شق عليهم من هذا القرآن، وهذه القصة ليست الفريدة، وليست الوحيدة التي حفظتها كتب السنة من أفعال الصحابة ﵃ عندما أنزل الله جل وعلا ما وجدوا فيه مشقة وعسرًا وصعوبة.
2 / 8