Duroos of Sheikh Abdullah Al-Jalali
دروس للشيخ عبد الله الجلالي
शैलियों
التوسط في الإنفاق
ثم يقول الله ﷿ عن عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان:٦٧].
الإسراف: هو تعدي الحدود في النفقة.
لاسيما إذا كان ذلك في معصية الله ﷿، والقوام: الإنفاق في طاعة الله ﷿.
ولو أنفق الإنسان كل ماله فالإسراف أن ينفق ولو درهمًا أو نصف درهم في معصية الله ﷿، والقوام: أن ينفق ما ينفقه في طاعة الله ﷾.
إذًا عندنا نفقة في معصية الله ﷿ -سواءٌ أكانت قليلة أم كثيرة- فهي تدخل في باب الإسراف، وفاعلها من الذين لا يحبهم الله ﷿، وعندنا أمر آخر وهو النفقة فيما يرضي الله ﷾، فهي طاعة لله ﷿، ولا تدخل في باب الإسراف أبدًا ولو أنفق الإنسان كل ماله، ولذلك جاء أبو بكر الصديق ﵁ بماله كله ذات يوم إلى رسول الله ﷺ فوضعه في حجر رسول الله ﷺ، فقال له رسول الله ﷺ: (يا أبا بكر! ما تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم الله ورسوله)، فدعا له الرسول ﷺ بخير، وكعب بن مالك ﵁ حينما أنزل الله توبته في قوله سبحانه: ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ [التوبة:١١٨] جاء فقال: يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي شكرًا لله، فقال له رسول الله ﷺ: (أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك)، يقول العلماء في هذين الخبرين الصحيحين: أما الأول فإن أبا بكر ﵁ يعرف عنه رسول الله ﷺ الجلد والصبر، فهو يتحمل شظف العيش، ويستطيع أن يتحمل كل شيء في ذات الله ﷿، فقبل منه الرسول ﷺ كل ماله، أما بالنسبة لـ كعب بن مالك فقد عرف منه الرسول ﷺ أنه لا يتحمل شظف العيش، فأمره أن يحتفظ بشيء من ماله، ويكفي أن يقدم جزءًا من ماله لله ﷿ شكرًا لله ﷾.
أما الدرهم -ولو كان حقيرًا تنفقه في معصية الله فإنه محرم، أما الإنفاق في المباحات فإذا وصل إلى درجة المبالغة فيدخل في قول الله تعالى: (يُسْرِفُوا)، أي أن الإسراف هو المبالغة ولو كان في بعض الأمور المباحة؛ لأن الله تعالى قد ذم قومًا فقال: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا﴾ [الأحقاف:٢٠]، فهذه صفة الكافرين يجب على المسلم أن يبتعد عنها حتى لا تكون صفة من صفاته.
إذًا: القوام -وهو قوام الحياة- يكون وسطًا بين الإسراف وبين التقتير، فالإسراف هو المبالغة في البذل، والتقتير هو البخل في البذل، فكما حرم الله ﷿ وذم الإسراف والزيادة في البذل ولو كان ذلك في المباحات فقد ذم الله ﷿ التقتير، والتقتير يشمل أمورًا، منها: منع ما أوجب الله ﷿ من النفقات والزكاة والصدقات الواجبة إلى غير ذلك، ومن التقتير: البخل على النفس وعلى الأهل، بحيث يصبح ذلك الإنسان لا يؤدي ما أوجب الله ﷿ عليه تجاه نفسه وتجاه أهله وذويه الذين أمرهم الله ﷿ بالإنفاق عليهم، قال ﷿: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق:٧]، إذًا التقتير محرم وممنوع، كما أن الإسراف أيضًا محرم وممنوع، فلا يجوز للإنسان أن يبخل بما أوجب الله عليه، أما إذا وصل الأمر إلى البخل بالأمور الواجبة العظيمة كالبخل بالزكاة -نعوذ بالله- أو البخل في النفقات الواجبة؛ فإن هذا من أعظم المحرمات عند الله ﷿، لاسيما إذا كان في الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام، قال ﷿: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [فصلت:٦ - ٧]، وقاتل أبو بكر الصديق ﵁ من منع الزكاة بعد وفاة رسول الله ﷺ وقال: (والله! لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالًا -أو عناقًا- كانوا يؤدونه لرسول الله ﷺ لقاتلتهم عليه).
إذًا معنى ذلك أن التقتير إذا وصل إلى البخل بما أوجب الله ﷿ فهنا يكون الوعيد الشديد، نسأل الله العافية والسلامة.
فالله تعالى قد توعد الذين يبخلون بالزكاة بأنه يُحمى على هذا المال في نار جهنم، ثم يكوى به الجنب والجبين والظهر، وكلما برد أعيد فأحمى في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة -وهو يوم القيامة- حتى يقضى بين العباد، ثم يرى مصيره إما إلى الجنة وإما إلى النار، والله تعالى يقول: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ [التوبة:٣٤ - ٣٥].
فعلى المسلم أن يحسب كل ماله على رأس كل سنة مالية بالنسبة له؛ ليدفع ربع عشر هذا المال بعد أن يحصيه إحصاءً كاملًا، وبعد أن يخصم منه ما عليه من ديون، ثم بعد ذلك عليه أن يؤدي ربع عشر هذا المال، وهذا الذي يقدمه هو الذي يقربه إلى الله ﷿ يوم القيامة، ولذلك الرسول ﷺ يقول: (داووا مرضاكم بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة، وادفعوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع).
11 / 8