Duroos by Sheikh Ali Bin Umar Badahdah
دروس للشيخ علي بن عمر بادحدح
शैलियों
التثبت والتبين
التثبت والتبين معلم واضح في منهج الإسلام؛ إذ لا ينبغي تعجل لا تستجلى فيه الحقيقة، ولا رد فعل تغيب فيه الإثباتات في أي أمر من الأمور صغيرها وكبيرها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات:٦]، وكم من خبر في أمورنا الخاصة وحياتنا الشخصية تلقيناه دون تمحيص، ورمينا آخرين بالتهم، وجزمنا بوقوعهم في الخطأ، ثم تبين من بعد أننا لم نع ما سمعنا، وأننا تجاوبنا مع عواطفنا ومشاعرنا دون أن نتثبت على وفق المنهج القرآني.
قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة:١١١]، وفي حديث المصطفى ﷺ عند البخاري في الأدب المفرد: (بئس مطية الرجل زعموا)، تسأله: ما حجتك في ذلك؟ فيقول: سمعتهم يقولون: إن وكالة (يقولون) وكالة مذمومة في كتاب الله ﷿: ﴿أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ﴾ [الصافات:١٥١ - ١٥٢]، وتلك فرية عظيمة، ومن لم يكن في كل أمره متثبتًا متبينًا فإنه يوشك أن تكون حالته دائمًا أنه صحيفة لكل من شاء أن يكتب فيها خبرًا صادقًا أو كاذبًا، قضية صائبة أو خاطئة؛ فهو حينئذ كما وصف الله ﷿ أهل النفاق، والذين في قلوبهم مرض: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ [النور:١٥] فهم يتلقون بآذانهم وأسماعهم، لكنهم لما كانوا لا يمررون ذلك على عقولهم، ولا على مناهج التثبت والتمحيص، بل ينطقون به بألسنتهم، كما ذكر الله أن تلقيهم بألسنتهم، ولعل حادثة الإفك وهي شأن لم يكن خاصًا برسول الهدى ﷺ، بل عم مجتمع المسلمين، وكان حدثًا من أشد ما مضى بهم من الفتنة والأزمة، وشيوع الشائعات، وكثرة القالات، فماذا قال النبي ﷺ؟ وأي شيء فعل؟ نأخذ مما روته عائشة -كما في صحيح مسلم - مواقف وومضات، قالت: (جاء إلي رسول الله ﷺ فقال: أما بعد: يا عائشة! فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ﷿، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه؛ فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه).
رجع النبي ﷺ إلى عائشة يسألها ويستثبت منها، والأمر كان جد عصيب، ولم يكن في نفسه ﵊ شك وريبة، لكن الأمر -وقد تعلق به- أراد أن يقطعه قطعًا جازمًا، وأن يبينه بيانًا يخرس الألسنة، ثم كان له ﵊ مواقف أخرى، وأسئلة من هنا وهناك، ثم رقى المنبر وقال: (من يعذرني من رجل تكلم في أهلي)؟ حتى اختلف الحيان من الأوس والخزرج؛ فسكنهم وسكتهم رسول الله ﷺ، حتى تنزلت البراءة من فوق سبع سماوات جازمة قاطعة ناصعة شاهدة لبراءة الصديقة بنت الصديق ﵂.
وليس المقام مقام إفاضة، وإنما أريد أن نأخذ هذه القضايا في أصولها وفي عناوينها ودلالاتها فحسب.
1 / 3