مَعْنًى فَقَطْ، وَقَدَّمَ التَّسْمِيَةَ اقْتِفَاءً بِمَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أُولُو الْأَلْبَابِ.
وَالْحَمْدُ هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ مِنْ إنْعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالْمَدْحُ هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ مُطْلَقًا، وَالشُّكْرُ مُقَابَلَةُ النِّعْمَةِ بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ أَوْ الِاعْتِقَادِ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْهُمَا بِحَسَبِ الْمَوْرِدِ وَأَخَصُّ بِحَسَبِ الْمُتَعَلَّقِ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ، وَمَا يَقَعُ فِي أَوَائِلِ الْكُتُبِ يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ غَالِبًا.
وَاللَّامُ فِي الْحَمْدُ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ وَتُحْمَلُ بِقَرِينَةِ الْمُقَامِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ فَيُفِيدُ إثْبَاتَ حَصْرِ الْأَفْرَادِ وَلَا تُفِيدُهُ لَامُ لِلَّهِ لِأَنَّهَا لِلِاسْتِحْقَاقِ لَا الْحَصْرِ ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ، وَالتَّخْصِيصُ يُسْتَفَادُ مِنْ حَمْلِ لَامِ الْحَمْدُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ بِقَرِينَةِ الْمُقَامِ.
(الَّذِي فَقَّهَ) أَيْ جُعِلَ فَقِيهًا مِنْ فَقُهَ الرَّجُلُ بِالضَّمِّ فَقَاهَةً أَيْ صَارَ فَقِيهًا وَيُقَالُ فَقِهَ بِالْكَسْرِ فِقْهًا وَفَقَهَةً أَيْ فَهِمَ (الْمُجِلِّينَ، وَالْمُصَلِّينَ) الْمُجَلِّي مِنْ أَفْرَاسِ السِّبَاقِ هُوَ السَّابِقُ، وَالْمُصَلِّي هُوَ الَّذِي يَتْلُوهُ لِأَنَّ رَأْسَهُ عِنْدَ صَلَوَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِهِمَا كَثْرَةُ الْمُمَارَسَةِ، وَالْمُزَاوَلَةِ (فِي حَلْبَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُجِلِّينَ، وَالْمُصَلِّينَ وَهِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ خَيْلٌ تُجَمَّعُ لِلسِّبَاقِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ اُسْتُعِيرَتْ لِلْمِضْمَارِ (حِلْيَةِ الْعَالِمِينَ الْمُتَّقِينَ) وَهِيَ تَهْذِيبُ الظَّاهِرِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَالْبَاطِنِ بِالْأَحْكَامِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْحِكَمِ النَّظَرِيَّةِ، يَعْنِي أَنَّ مَنْ مَارَسَ وَسَعَى فِي تَحْصِيلِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ إلَى أَنْ تَحْصُلَ لَهُ مَلَكَةُ اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَمَلُ بِمُوجَبِهَا فَقَدْ رَزَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَرْتَبَةَ الْفَقَاهَةِ الَّتِي هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِلْمِ بِالْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ الْعَمَلِ كَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَحَقَّقْنَاهُ فِي شَرْحِ أُصُولِهِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ.
(وَطَهُرَ مَنْ تَيَمَّمَهُ) أَيْ قَصَدَهُ (بِمَسْحِ) أَيْ إصَابَةِ مُتَعَلِّقٌ بِتَيَمَّمَهُ (أَنْفِ الِابْتِهَالِ) أَيْ التَّضَرُّعِ وَإِضَافَةُ الْأَنْفِ إلَيْهِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ فَإِنَّ أَوَّلَ مَا يَصِلُ إلَى الْأَرْضِ حَالَ السَّجْدَةِ لِلتَّضَرُّعِ هُوَ الْأَنْفُ (وَالْجَبِينِ) عَطْفٌ عَلَى الْأَنْفِ (عَلَى أَرْضِ الذِّلَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَسْحِ وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ أَيْضًا لِمَا ذُكِرَ (عَنْ أَنْجَاسِ) مُتَعَلِّقٌ بِطَهُرَ (أَنْحَاسِ) النَّحْسُ ضِدُّ السَّعْدِ كَالنُّحُوسَةِ ضِدُّ السَّعَادَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَفْعَالُ الْقَبِيحَةُ، وَالصِّفَاتُ الذَّمِيمَةُ، وَالْعَقَائِدُ الْبَاطِلَةُ وَبِأَنْجَاسِهَا الْمُهْلِكَاتُ مِنْهَا بِحَيْثُ لَوْ لَمْ تَزُلْ لَأَفْضَتْ إلَى الْخُلُودِ فِي النَّارِ (الْمَارِدِينَ) أَيْ الْعَاتِينَ الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى (وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ) جَمَعَ بَيْنَهُمَا امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦] (عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْمُزَكَّى) أَيْ الطَّهِرِ (الصَّائِمِ) أَيْ مُمْسِكٍ (قَلْبُهُ عَنْ) مُتَعَلِّقٌ بِصَائِمٍ (أَنْ يَحُجَّ) أَيْ يَقْصِدَ (مَا سِوَى الْإِسْلَامِ مِنْ دِينٍ) بَيَانٌ لِمَا (وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْمُجَاهِدِينَ فِي رَفْعِ رَايَاتِ آيَاتِ دَقَائِقِ حَقَائِقِ الْحَقِّ الْمُبِينِ) الْحَقُّ الْمُبِينُ هُوَ الشَّرِيعَةُ الْمُصْطَفَوِيَّةُ وَحَقَائِقُهَا الْأَحْكَامُ الْمَنْسُوبَةُ إلَيْهَا مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ وَالِاعْتِقَادِيَّات وَالْوِجْدَانِيَّات، وَدَقَائِقُ حَقَائِقِهَا الْأَدِلَّةُ التَّفْصِيلِيَّةُ الْمُفِيدَةُ لَهَا، وَآيَاتُ تِلْكَ الدَّقَائِقِ طُرُقُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا مِنْ الْعِبَارَةِ وَالْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ وَالِاقْتِضَاءِ، وَرَفْعُ رَايَاتِهَا إظْهَارُ تِلْكَ الطُّرُقِ لِلْمُسْتَدِلِّينَ إفْشَاؤُهَا بَيْنَ الْمُسْتَنْبِطِينَ حَتَّى قَدَرُوا عَلَى اسْتِخْرَاجِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا، وَلَا يَخْفَى مَا فِي قَوْلِهِ فَقُهَ، وَالْمُصَلِّينَ وَتَيَمَّمَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ رِعَايَةِ بَرَاعَةِ الِاسْتِهْلَالِ وَالْإِشَارَةِ إلَى أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ.
(أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مِنْ أَهَمِّ الْمَطَالِبِ السَّنِيَّةِ) أَيْ الْعَلِيَّةِ (وَأَتَمِّ
ــ
[حاشية الشرنبلالي]
اللَّهُ عَنِّي خَيْرَ جَزَائِهِ وَمَتَّعَهُمَا فِي الدَّارَيْنِ بِمَا أَعَدَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ، وَتَكَرَّرَتْ قِرَاءَتِي لِذَا الْكِتَابِ مُرَاجِعًا كُتُبَ الْمَذْهَبِ مُدَاوِمًا لِمُمَارَسَتِهِ لِمَا أَنَّهُ مِنْ أَحْسَنِ مَا صِيغَ فِيهِ وَشُهْرَتُهُ فَوْقَ الْإِطْنَابِ فِي مِدْحَتِهِ رَحِمَ اللَّهُ مُؤَلِّفَهُ وَتَغَمَّدَهُ بِمَغْفِرَتِهِ.
وَصَدَرَتْ الْإِشَارَةُ مِنْ أُسْتَاذِي بِتَسْطِيرِ مَا ظَفِرْت بِهِ مِنْ تَقْيِيدِ شَوَارِدِهِ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مَا فِيهِ، وَالتَّتْمِيمِ لِفَوَائِدِهِ وَكَانَ ذَلِكَ حَالَ الِاشْتِغَالِ لِأَتَنَبَّهَ لَهُ فِي الْمَآلِ لَا لِأُبَاهِيَ بِهِ الْأَمْثَالَ أَرَدْت جَمْعَ مَا سَطَّرْته عَلَيْهِ مِنْ الْمُهِمَّاتِ مُرَاجِعًا لِلنَّظَرِ مُرَاعِيًا لِلْقُيُودِ وَالتَّتِمَّاتِ، مُعْتَمِدًا فِي الْآخِرِ كَالْأَوَّلِ مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ الْمُعَوَّلُ مُنَبِّهًا فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْته، مُنَوِّهًا بِمَا فُتِحَ بِهِ عَلَيَّ مِمَّا ابْتَكَرْته وَحَرَّرْته عَازِيًا كُلَّ حُكْمٍ لِمَنْ عَنْهُ نَقَلْته فَشَرَعْت مُسْتَعِيذًا بِاَللَّهِ مِنْ الْخَلَلِ فِي كُلِّ مَا كَتَبْته وَقُلْته وَمُعْتَمَدِي فِي الِاخْتِيَارِ، وَالتَّصْحِيحِ عَلَى مُحَقِّقِي الرِّوَايَاتِ، وَالدِّرَايَاتِ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ وَمَا نَقَلْته بِصِيغَةِ أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ
1 / 4