وأفاض في الحديث عن ذلك بثقة واعتداد، ودون الآخر خلاصة وافية للكلام، وهو يراقبه عن كثب، ويسجل في ذاكرته حركاته وسكناته، وعندما انتهى التحقيق قام زهران، وقال وهو يتجه إلى الداخل: انتظر حتى أقدمك إلى زوجتي!
آه .. فايقة! .. الجارة القديمة! .. ترى كيف أصبحت اليوم؟! تزوجها زهران أيام التلمذة، وكان جارا لأبيها عم سلامة سائق الترام. ترى كيف تتبدى اليوم في هذه الفيلا؟!
ورجع حامد زهران يسير بين يدي فتاة في العشرين، حلية براقة، ووجه مستعار السمات من الشرق والغرب. رباه أهي زوجة جديدة؟!
وتم التعارف، وجرى الحديث بالإنجليزية أكثر الوقت، وكانت المباهاة تصرخ في وجه زهران الضاحك. ولكن أين فايقة؟ .. ماتت أم طلقت؟!
لم تكن الصورة لتتم حتى يتأكد من هذه النقطة. ومضى من توه إلى عطفة الكرماني بباب الشعرية، إلى مسكن عم سلامة القديم. وفي أول العطفة علم من كواء بلدي بأن عم سلامة توفي من سنوات، وأن ابنته فايقة فاتحة دكان سجائر وحلوى أسفل البيت. واقترب من البيت منفعل الصدر، وهو يحاذر أن تراه حتى وقع عليها بصره وهي جالسة وراء الطاولة، لا يبدو منها سوى وجهها وعنقها. وكانت تدخن سيجارة وقد بدا وجهها أكبر من سنه بعشر سنوات على الأقل، كوجه محمد عبد السلام كاتب نيابة المنيا. بدت شاردة الطرف متجهمة ومستسلمة للمقادير. وتذكر كم كانت مثالا للصبر والحيوية. والأمل فشعر بأن أنبل ما في صدره ينحني لها رثاء واحتراما.
وغادر عطفة الكرماني ضيق الصدر بعكارة الجو. ومضى يفكر فيما جمع من مواد لدراسته، ويحللها تحليلا أوليا وهو يتساءل: ترى أي معنى ستتمخض عنه هذه الصورة القديمة؟!
अज्ञात पृष्ठ