وانسابت يدها إلى خده فذقنه، ثم استكنت على حنجرته. واستسلم لمداعباتها، وود في أعماقه ألا يكون لشيء نهاية، غير أنه انتبه على إحساس غريب، يشبه الضغط على حنجرته، واشتد بدرجة خرجت عن مألوف كل مداعبة. وقرر أن يطلب إليها أن تخفف من ضغط يدها ولكن صوته لم يخرج واشتد الضغط. ومد يده ليزيح يدها عن عنقه ولكنه شعر بكابوس يرزح فوق صدره، وبثقل سمج، زكيبة رمل، أو قطعة جدار هوت فوق رأسه. أراد أن يتأوه، أن يقوم، أن يتحرك، فلم يستطع. وحرك رأسه بعنف ليتخلص من الكرب فاحتكت بالأريكة. بشيء يشبه الأرض، التراب، بل ثمة طين أيضا، وغمره شعور جديد في درجته وطعمه وكآبته، وسمع صوتا يعرفه يصيح به متهكما: لم يبق إلا أن تنام في عرض الطريق!
ما أشبهه بصوت العسكري! العسكري القديم بصوته الخشن المنذر بالمتاعب. ثم إنه يختنق. يد سنية لا تريد أن ترحمه. وفجأة رفع الجدار عن صدره، فاعتدل جالسا وهو يئن في الظلام. تخايل لعينيه شبح عملاق يحجب عنه ضوء الفانوس، كأنما يمتد في الفضاء حتى النجوم. وديكة الفجر تصيح، والبندقية تطل من فوق كتف الشبح. وفوق صدره هو ينداح الألم في الموضع الذي تخلى عنه الحذاء الغليظ. وهتف: أين عهد المأمور يا شاويش؟!
فركله بلا رحمة وصاح به: عهد المأمور! يا مجنون يا مدمن، قم ع القسم!
ونظر حوله في ذعر وذهول فوجد طريقا نائما، وظلمة شاملة، وصمتا، ولا حفل، ولا أثر لحفل، ولا سنية، ولا شيء!
مندوب فوق العادة
كنت أراجع الصحف اليومية، وهو ما أبدأ به عملي عادة كل صباح، عندما فتح الباب دون استئذان عن رجل غريب. كان هائل المنظر لطوله وضخامته، فخم البدلة، وطربوشه الطويل الغامق يضفي على وجهه الأبيض نصاعة، وفيه وجاهة تؤكدها نظارة كحلية وشارب غزير مربع كساه المشيب. كان أيضا في الستين أو نحوها، لكنه تقدم من مكتبي في حركة قوية ثابتة قابضة يمناه على منشة عاجية بيضاء، وهو يقول بصوت حلقي غليظ: صباح الخير، مكتب الصحافة؟
فأجبته ولما أفق من صدمة اقتحامه: نعم، صباح النور! - أظنه تابع لمكتب الوزير؟ - نعم!
فأخرج حافظته، واستخرج منها بطاقة أعطاها لي. نظرت فيها فقرأت:
إسماعيل بك الباجوري
مستشار برياسة مجلس الوزراء
अज्ञात पृष्ठ