تنظر الفتاة إلى هذه المحاسن، فتجد لأثرها في نفسها لذة وسرورا مشوبا بكمد واكتئاب، ثم تستقر عينها على وجه الفتى فتتشبث به كأن بها أحر الظمأ إلى غدير حسنه الرقراق.
وكان لا يزال بالغرفة من بقايا الضوء المنصرم ما أراها مستدار وجهه البديع، وما كان قد عراه آنفا من هزال في وجنتيه ونحول، وذواء في وردتيهما وذبول، وتغضن في الجبين، وشيء من الورم في الجفون.
هنا يتحول الفتى عن موضعه قليلا، فينظر من النافذة، وعينه مفعمة بالكرب والضيق، وإنها لتعلم ذلك، وإن كان وجهه محولا عنها، فترسل ضحكة مكتومة خرساء، وكانت وقفته الآن تنم لها عن معنى السخط، والقلق البادي على شفتيه، ودلائل العزم والإصرار البادية على ذقنه.
قال الفتى بصوت جاف فاتر فيه شيء من المناوأة والمنابذة، ولكن لهجته تنم عن حسن أدب ورقة، وهو مولي الفتاة ظهره، وكأنما يخاطب زجاج النافذة: «أتظنين أن رجلا وامرأة يستطيعان أن يعيشا بلا مال ولا إيراد؟» فلم تدر الفتاة أي الإحساسين كان يتغلب في نفسها على الآخر؛ اللذة أو الألم.
فقالت بصوت خافت مختنق: «ولكنني أقول: إذا كان إيراد أحديهما أو مجموع إيراد الاثنين كافيا، فليس من المهم أيهما الموسر وأيهما المعدم، أو أيهما الأغنى وأيهما الأفقر.»
ويعقب هذا فترة سكوت، ثم تقول بصوت لجلج: «هيات، أترى ذلك في شيء من الأهمية؟»
فأجاب: «أجل، إنه لمن أهم الأشياء عندي، ينبغي أن يكون للرجل من الثروة ما يكفي الاثنين، وإلا فلا حق له في الزواج مطلقا.»
هنا تشتبك يداها خلف خصرها النحيل بشدة، دليل التأثر العظيم وتطرق حزينة مكتئبة.
لقد آنست في لهجة الفتى أمارات الإصرار القوي، الدال على أن كلامه كان يشمل شيئا أكثر من مجرد التعبير عن نظرية اجتماعية - كان يشمل ثقته التامة، واعتقاده الشديد بصحة ما يقول؛ مما ألقى على قوله صبغة المبدأ الراسخ المتأصل.
فيعتري الفتاة شبه دوار من فرط التأثر، فتغمض جفنيها الملتهبتين بسرعة لتحجب عن بصرها ما يبدو على ذقن الفتى من ذلك الخط الحاد الدال على منتهى الإصرار والعناد.
अज्ञात पृष्ठ