डुमुक बिलयात्शु
دموع البلياتشو: مجموعة قصصية تنشر لأول مرة
शैलियों
10
بصعوبة حشرت أنيسة جسدها السمين في المقعد الخلفي للسيارة الرمادية الصغيرة التي كانت تسميها الخنفسة المعدنية، وتبعتها نورة التي انزلقت وراءها وانزوت في الركن الأيمن من عش الصفيح كما كانت تفضل تسميتها، وبصعوبة أشد حاول الدكتور محمود أن يحافظ على توازنه على الرغم من حرمانه من قهوة الصباح المعتبرة من يد زوجته. جلس أمام عجلة القيادة وأخذ يحدق لحظات في العجوز الطويل المقوس الظهر، وتعجب كيف خطر له أن يناديه ليلة الأمس في ضوء القمر ببيت الأحلام والأحزان والذكريات والقصائد الأولى، ومسحت نظراته المسرعة أرض الحديقة وسورها المتهدم في أكثر من موضع، وتعجب أكثر لأنه لم يفكر حتى في البحث عن بستاني يبعث الحياة في جسدها المتيبس الذي امتلأ بالحفر وتشقق جلده من الظمأ والإهمال، وتعمد أن يشيح بوجهه بعيدا حتى لا يصدمه منظر الغراب الذي استقبله عند وصوله بالنعيب ويصر الآن على أن يودعه بالنعيب، وخشي أن تنهال عليه صور الكابوس الذي لم يفق منه تماما، فسحب الكابح وأدار المفتاح وتأكد له من مؤشر البنزين أن الخنفسة المعدنية لن تصبر على العطش أكثر مما صبرت.
انطلق على الطريق المسفلت الذي لمسته بركات الانفتاح. المزلقان العتيق سويت أرضيته وركبت عليه حواجز جديدة بألوان حمراء صارخة، ومحطة السكة الحديد والسنترال طالهما التجديد أيضا، وحظي الطوار بقطع البلاط الصغيرة المزدهية ببهجة الزهور، والمباني القائمة والفيلل الجديدة تشهد بأن المال يتدفق من كل المنابع المعلومة والمجهولة، تنهد وعينه على السكة وتابع اتهامه لنفسه: كل شيء يتغير، وأنت في كوابيسك من كل الأعماق والأزمان ! ونبهه صوت أنيسة إلى محطة البنزين التي لاحت جدرانها المكسوة بالقيشاني الأخضر وأبوابها الزجاجية الناصعة وتركيباتها وعداداتها المتناثرة أمامها كتماثيل خدم مهذبين. وقف في المجرى المحدد له ونزل من السيارة ليدل العامل الأسمر الطويل على فتحة البنزين والكمية التي يريدها، وحانت منه التفاتة إلى المبنى الزجاجي والمكتب الفخم الذي يجلس إليه في الداخل رجل سمين محمر الشعر والوجه بشكل لا تخطئه العين، وانشغل بالعامل والخرطوم ودفع الحساب حتى فوجئ بيد شديدة البياض والاحمرار تمسكه من ذراعه ثم تهز كتفه، وضحكة رنانة تسبق العناق الذي لم يتهيأ لضغطه الشديد على صدره: دكتور محمود هنا في البلد ولا حس ولا خبر. التفت إلى الوجه المحمر وأسعفته البديهة التي يشكو دائما من عدم حضورها في الوقت المناسب، فهتف وهو يقبل الوجه ويضم الصدر إليه: زاهر، أحمد زاهر! والله ابن حلال!
قال الرجل وهو يشدد قبضته على يده: كدت والله ألعب معك «صلح» وأغلبك كما كنا نفعل في حوش المدرسة! - ومع ذلك كنت أغششك في حصة العربي والإنجليزي.
ضحك الوجه المحمر حتى ابتلت عيناه الزرقاوان كعيون القطط المدللة: مقابل تغشيشك في الحساب، هل نسي المؤرخ العظيم مواهب جاره المستديم في الدرج والفصل؟ اليوم لنا، حلفت بالله وبرحمة والدي ووالدك، لا تحاول أبدا، مستحيل.
قال محمود وهو يشير معتذرا إلى زوجته وابنته المشدوهتين وراء زجاج النافذة في السيارة الصغيرة: لا أستطيع هذه المرة، وراءنا تحليلات عاجلة، ولا بد أن نلحق المعمل والطبيب.
أسرع زاهر إلى السيارة وحيى الزوجة والابنة وهو يقول لمحمود الذي لم يترك يده: والأسرة هنا أيضا؟ هذا أدعى لأن تقضوا عندنا يومين. ثم لزوجته التي فتحت الباب الخلفي وسلمت بابتسامة عريضة: نحو أخوان يا مدام، أربع سنوات ابتدائي كالتوائم، هل يرضيك أن يحرمني من رؤيته بعد العمر الطويل؟ هذا والله حلم، على فكرة محمود كان دائما يحلم يا مدام. قالت أنيسة وهي تضحك: وما زال يا أستاذ.
رد زاهر وهو يربت على كتفي صديق الطفولة: أريد أن أعرف فيم يحلم هذه الأيام ، هل قال لك إن الشيخ عمارة مدرس العربي في أول حصة لنا بالمدرسة رآه يحلم فظنه نائما وصرخ فيه مع ضربة شديدة على طربوشه أن يخرج بسرعة ليغسل وجهه وشعره بالماء.
قال محمود: إلا هذه، لم أقلها! يكفيها أن تلاحظها كل يوم. قال زاهر فجأة: أعلم أن المشروع كالحلم، البلد كله يتحدث عنه، مشروع ناجح مائة في المائة، أنا مستعد وتحت أمركم، قلت هذا للأستاذ سمير والأستاذ قنديل، ذكريه يا مدام بأن زاهر أخوه هنا في البلد، ومستعد من جنيه لمليون.
قال محمود ضاحكا: تقصد لأرنب كما يقولون؟
अज्ञात पृष्ठ