المخالفين ويفصل القول فيها، ما يصح نسبته إليها مما لا يصح ولا يثبت، وقد بين لمناظريه في العقيدة الواسطية ما رزقه الله من علم ودراية في هذا الباب فقال: «أنا أعلم كل بدعة حدثت في الإسلام، وأول من ابتدعها، وما كان سبب ابتداعها» (^١)، وكان مما قاله لهم أيضًا: «كل من خالفني في شيء مما كتبته فأنا أعلم بمذهبه منه!» (^٢).
ومن أوضح ما يبين ذلك ويوضحه تبحره ﵀ وتوسعه في معرف مذهب الاتحادية على ما في مذهبهم من المباحث الفلسفية والمسالك الوعرة التي لربما لم يفهمها رؤساؤهم وحذاقهم، قال ﵀: «ولهذا لما بينت لطوائف من اتباعهم ورؤسائهم قولهم، وسر مذهبهم، صاروا يعظمون ذلك، ولولا ما أقرنه بذلك من الذم والرد لجعلوني من أئمتهم، وبذلوا لي من طاعة نفوسهم وأموالهم ما يجل عن الوصف، كما تبذله النصارى لرؤسائهم والإسماعيلية لكبرائهم، وكما بذل آل فرعون لفرعون …» (^٣).
وقد ظهر هذا أيضًا في تحريه دقة النقل عن المخالفين، والتحري في نسبة الأقوال لهم، كما سيظهر في النقطة القادمة.
٧) الدقة في النقل والتحري في نسبة الأقوال للمخالفين:
كثير من المناظرين قد يخطئ في نسبة الأقوال لأصحابها، وإرجاع المقالات لأربابها، وذلك ناشئُ غالبًا عن قلة علم بالفرق والمقالات، وأحيانًا عن بغي وظلم للآخرين، ولما كان شيخ الإسلام ذا اطلاع واسع على أقوال الفرق والمذاهب، وذا صدق وإخلاص وعدل وإنصاف مع الموافق والمخالف، فقد كان دقيق النقل للأقوال متحريًا في نسبتها للطوائف والرجال.