ومنها أنه إذا سئل عن أمر أجاب بخلافه وكثرة التثاؤب والتمطي والتكسل إذا نظر إلى محبوبه ونكثه في الأرض بإبهام رجله. وهذا كثير ما يقع للنساء وعضها على شفتها السفلى وضربها على عضديها أو ثدييها وإظهار محاسنها لمن تهواه توهمه أنها ترى ذلك لبعض أهلها ونظرها إلى أعطافها ووضعها الحديث في غير موضعه - إياك أعني واسمعي يا جارة - ومنها الانقياد للمحبوب في جميع ما يختاره من خير وشر فإن كان المحبوب مشغوفًا بالعلم اجتهد المحب في طلبه أشد من اجتهاده وإن كان مشغوفًا بالنوادر والحكايات الحسان والأخبار المليحة المستحسنة بالغ المحب في طلبها وحفظها وإن كان مشغوفًا بحرفة أو صناعة اجتهد في تعلمها أن أمكنه ذلك فالمحبة النافعة أن يقع الإنسان على عشق كامل يحمله عشقه على طلب الكمال والبلية كل البلية أن يبتلي الإنسان بمحبة فارغ بطال صفر من كل خير فيحمله حبه على التشبه به. وفي أخبار العشاق أن عاشقًا عشق السراويلات من أجل سراويل معشوقته فوجد في تركته اثنا عشر حملًا وفردة من السراويلات ذكره الصيمري وعشق آخر الهاونات من أجل صوت هاون محبوبته فوجد في تركته عشرة آلاف منها وقد وقفت من هذا على أشياء كثيرة والجنون فنون.
الفصل الثالث
مراتبه وأسمائه
أقول هذا الفصل عقدناه لذكر مراتب الحب وسياقه وأسمائه واشتقاقه على اختلاف لغاته وانفاق رواته ومن المعلوم أن الشيء إذا كان عند العرب عظيمًا وخطره جسيمًا كالهزبر والرمح والخمر والسيف والداهية والمحبة المحرقة وما أدراك ماهية وضعوا له أسماء كثيرة وكانت عنايتهم به شهيرة ولا شيء يعدل اعتناءهم بالحب الذي يسلب اللب فأول مراتبه الهوى وهو ميل النفس وقد يطلق ويراد به نفس المحبوب. قال الشاعر:
إن التي زعمت فؤادك ملها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها
ثم العلاقة وهي الحب اللازم للقلب كما قال الشاعر:
ولقد أردت الصبر عنك فعاقني ... علق بقلبي من هواك قديم
وسميت علاقة لتعلق القلب بالمحبوب ثم الكلف وهو شدة الحب وأصله من الكلفة وهي المشقة يقال كلفة تكليفًا إذا أمره بما يشق عليه فكان الحبيب يكلف المحب ما لا يطيق ويتغافل عن قوله تعالى لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها وقيل هو مأخوذ من الأثر وهو شيء يعلو الوجه كالسمسم والكف أيضًا لون بين المواد والحمرة وهي حمرة كدرة ثم العشق وهو اسم لما فضل عن المقدار الذي اسمه الحب وفي الصحاح العشق فرط الحب وهو عند الأطباء من جلة أنواع الماليخوليا والمراد بالماليخوليا تغير الظنون والفكر عن المجرى الطبيعي إلى الفساد وهو أمر هذه الأسماء وقلما نطقت به العرب وكأنهم ستروا اسمه وكنوا عنه بهذه الأسماء فلم يكادوا يفحصون به ولا تكاد تجده في شعرهم القديم وإنما أولع به المتأخرون ولم يقع هذا اللفظ في القرآن ولا في السنة إلا في حديث ابن داود الظاهري كما يأتي بيانه وقال ابن سيده العشق عجب المحب بالمحبوب يكون في عناف الحب وذعارته وقيل العشق الاسم والعشق المصدر وعشيق كثير العشق وامرأة عاشق وشجرة يقال لها. وقيل عاشقة تخضر ثم تدق وتصغر قال الزجاجي واشتقاق العاشق من ذلك وقال الفراء العشق نبت لزج فسمى العشق الذي يكون بالإنسان لزوجته ولصوقه بالقلب.
1 / 8